شراكات هادفة: انعكاسات دعم البنك الزراعي للقطاع الزراعي المصري

يُساند البنك الزراعي المصري الدولة في تحقيق أهدافها التنموية من خلال مختلف الخدمات والشراكات التي يقوم بها، فالبنك يتبع سياسات تُحقق للاقتصاد المصري استقلاليته عن العالم الخارجي، بمعني عدم اعتماده على الاستيراد بشكل يجعله يتأثر بالأزمات الاقتصادية العالمية، إذ أن الدولة المصرية تستورد حوالي 40 % من احتياجاتها الغذائية، فبروتوكول التعاون بين البنك وبين السويدي الوطنية للصناعات والمشروعات الهندسية يُجسد هذا الهدف بشكل كبير.
ومن الجدير بالذكر هنا التأكيد على ما ذكره الأستاذ سامي عبد الصادق، القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي، بأن البنك حريص على دعم وتشجيع كافة القطاعات الإنتاجية؛ بهدف خلق صناعة وطنية تنافسية قادرة على المنافسة في السوق المحلي، وهو ما يُحقق خطة الدولة في خفض فاتورة الواردات؛ لتحقيق المستهدفات التنموية والاقتصادية للدولة.
وتأسيساً على ما تقدم يحاول هذا التحليل قراءة هذا البروتوكول، والتعرف على عوائده الاقتصادية للدولة المصرية.
ماهية البروتوكول:
يُمكن التعرف على برتوكول التعاون بين البنك الزراعي المصري والسويدي الوطنية للصناعات والمشروعات الهندسية، من خلال النقاط التالية:
(*) أطراف البروتوكول: وقع البروتوكول الأستاذ صالح الشامي، الرئيس التنفيذي للائتمان بالبنك الزراعي المصري، والمهندس أحمد عودة، رئيس مجلس إدارة شركة السويدي إلكتريك لمشروعات البنية التحتية، والأستاذ هانى حجازى، رئيس الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، بحضور الأستاذ سامي عبد الصادق، القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي المصري، وعدد من قيادات البنك والشركة ومسئولي وزارة الزراعة، ومن مستوى الحضور يتضح أن هذا البروتوكول يشمل التعاون بين هيئات محورية في القطاع الزراعي المصري.
(*) أهداف البروتوكول: تتمثل الأهداف الأساسية للبروتوكول في تحفيز الاستثمار في القطاع الزراعي، باعتباره من القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد المصري، على أن يعمل هذا الاستثمار على التوسع في استخدام أساليب الري الحديث، كما يهدف البروتوكول إلى تعزيز دور القطاع الخاص في توطين الصناعات الوطنية الداعمة للقطاع الزراعي من خلال توفير التمويل اللازم للمزارعين والشركات العاملة في مجال استصلاح الأراضي والمشروعات الزراعية؛ لشراء أنظمة الري الحديثة التي تنتجها الشركة، والتي تعد أول شركة مصرية تقوم بتصنيع أجهزة الري المحوري الذكي (دلتا بيفوت).
وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا البروتوكول يعمل على دعم استراتيجية التنمية الزراعية والتوسع في مشروعات استصلاح الأراضي، خاصة وأنه يعزز التعاون بين كيانات كبيرة كلاً في مجاله، فالبنك الزراعي هو أكبر المؤسسات المصرفية التنموية المتخصصة في التمويل الزراعي، وتعتبر شركة السويدي الوطنية أحد أهم شركات السويدي اليكتريك التي تمتلك أحدث تكنولوجيا تصنيع وتركيب أنظمة الري، وسيكون دور وزارة الزراعة ممثلة في هيئة التعمير توفير الأراضي للشركات والمستثمرين الجادين؛ لإطلاق مشروعاتهم الزراعية، كما ستقدم الخبرة والدعم الفني خلال مشروعات الاستصلاح الزراعي.
(*) النتائج المتوقعة للبرتوكول: ينعكس هذا البروتوكول على تحقيق العديد من الفوائد الإيجابية على القطاع الزراعي المصري، منها توفير 50% على الأقل من مياه الري التي يستهلكها القطاع الزراعي، الأمر الذي يسهم في سد الفجوة بين الموارد المائية والاستخدامات الحالية في ظل تحدي المياه الذي نعيشه كما يوضح الشكل (1)، فموارد مصر المائية تبلغ حوالي 60 مليار متر مكعب، بينما يبلغ احتياج مصر من المياه 115 مليار متر مكعب، وبالتالي تصبح قيمة عجز المياه في مصر حوالي 55 مليار متر مكعب، وهو الأمر الذي يجعل التحول إلى نظم الري الحديث ضرورة وليس رفاهة، وبالإضافة إلى ذلك من المتوقع أن يعمل هذا البروتوكول بعد تنفيذه بشكل كفء، على زيادة إنتاجية الفدان بمعدلات تترواح بين 30 و40 % وتحسين جودته، وهو الأمر الذي ينعكس على المزارعين بمكاسب عديدة.
الشكل (1) يوضح عجز المياه في مصر
الانعكاسات الاقتصادية:
يترتب على تحديث أنظمة الري في القطاع الزراعي المصري، العديد من الانعكاسات الإيجابية، التي تتمثل في الآتي:
(-) تخفيض فاتورة الاستيراد: إن تحديث أنظمة الري في القطاع الزراعي يعمل على تخفيض فاتورة الاستيراد على الدولة المصرية، فكما يوضح الشكل (2)، بلغت قيمة واردات مصر من الخضروات والفواكه والمحضرات الغذائية 93.6 مليون دولار في 2020 وانخفضت إلى 63.8 مليون دولار في عام 2023، و مع تطبيق الري الحديث على نطاق واسع داخل الأراضي الزراعية المصرية، ستنخفض هذه الفاتورة بشكل كبير.
الشكل (2) يوضح قيمة واردات مصر من الخضروات والفواكه والمحضرات الغذائية
ووفقًا لما أشار إليه المهندس أحمد عودة، رئيس مجلس إدارة شركة السويدي إلكتريك لمشروعات البنية التحتية، أنه من خلال التعاون مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية تم إنشاء أول مصنع؛ لإنتاج أجهزة الري”البيفوت” بمكون محلي بنسبة 70%، وخلال عامين نجحت الشركة في توفير نحو 2000 جهاز ري محوري للمشروعات الزراعية في شرق العوينات والمناطق التنموية الجديدة،الأمر الذي ساهم في توفير أكثر من 150 مليون دولار تكلفة الفاتورة الاستيرادية التي كانت تُدفع في أجهزة الري المحوري، فضلاً عن القيمة المباشرة في ترشيد استخدام مياه الري لتلك المشروعات بنسبة 60%..
(-) زيادة الكفاءة الزراعية: يعمل الري الحديث على خفض تكاليف التشغيل، وتقليل استخدام كميات الأسمدة والمبيدات وغيرها من تكاليف الزراعة، ويحقق أقصى عائد ممكن من الإنتاج، بما ينعكس على زيادة الربحية وتحسين مستوى دخل المزارعين، إذ أن الري الحديث يعمل على تقليل زمن الري وتقليل تكاليف العمالة، وهو الأمر الذي ينتج عنه زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة 30%، فزيادة الإنتاجية الزراعية داخل الدولة المصرية هو الحل الجذري لمشكلة الاعتماد على الاستيراد.
(-) تحقيق الأمن الغذائي: إن تحسين الكفاءة الزراعية داخل الدولة المصرية، يعمل على زيادة المعروض من السلع المختلفة، وهذه الزيادة في العرض تُعالج الفجوة في الأسواق المصرية، فعدم تحقيق الأمن الغذائي في مصر يرجع إلى أن الطلب يفوق العرض، وهو الأمر الذي جعل مؤشر الأمن الغذائي العالمي لمصر انخفض في عام 2022 إلى 56 نقطة بالمُقارنة بـ60.8 نقطة في عام 2021، ولكن مع التوجه نحو استخدام أدوات ري حديثة تزيد من الكفاءة والإنتاجية الزراعية، سيتحقق الأمن الغذائي في مصر بشكل كبير.
الشكل (3) يوضح مؤشر الأمن الغذائي العالمي لمصر ( 2012 إلى 2022)
(-) ارتفاع الصادرات المصرية: يعتمد الطلب على الصادرات المصرية على جودة المحاصيل التي تنتجها الأراضي الزراعية، ولما كان الري الحديث يعمل على تحسين جودة المحاصيل من خلال منح النباتات كمية المياه المُثلى حسب الحاجة، الأمر الذي يُقلل من الإجهاد ويزيد من إنتاجية وجودة المحاصيل، خاصة أن أنظمة الري الحديث تعمل على خفض استخدام الأسمدة والمبيدات، حيثُ أنها تسهم في توصيل الأسمدة والمُغذيات للنباتات بفعالية، وهو ما يُحد من تلوث التربة ويُحسن جودة المحصول النهائي، فستكون المحصلة النهائية أن الطلب على الصادرات المصرية سيزداد من الدول المختلفة، الأمر الذي سيعمل على تحسين ميزان المدفوعات المصري.
() تحقيق الاستدامة الزراعية: تُعد أنظمة الري الحديث أحد الأدوات الهامة لتحقيق الاستدامة الزراعية، إذ أن هذه الأنظمة لا تعمل فقط على ترشيد استهلاك المياه، لكنها تعمل على تحسين الإنتاجية وتقليل البصمة الكربونية للقطاع الزراعي، من خلال تقليل الفاقد من المياه، كما تُساهم أنظمة الري الحديث في حماية التربة من التآكل وتُحافظ على توازنها الغذائي، بالإضافة إلى أنها تُحافظ على المياه الجوفية من التلوث الكيميائي.
وفي النهاية، يُعد بروتوكول التعاون بين البنك الزراعي المصري وشركة السويدي الوطنية للصناعات والمشروعات الهندسية خطوة مهمة نحو تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، إذ أنه يسهم في دعم القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به من خلال توفير حلول تمويلية وتقنية مبتكرة، مما يعزز الإنتاجية ويدفع عجلة الاقتصاد القومي. كما يمثل هذا البروتوكول نموذجًا للشراكات الناجحة بين القطاعين المصرفي والصناعي؛ لتحقيق الأهداف التنموية المشتركة، ما ينعكس إيجابًا على تحسين مستوى المعيشة ودعم رؤية مصر نحو التنمية المستدامة.