كيف ينعكس انتخاب “عون” على مستقبل إيران في لبنان؟

جاء انتخاب جوزيف عون بعد أكثر من شهر على سريان وقف إطلاق النار بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، بل جاء رغماً عن إرادة حزب الله، وتأكيداً علي خروج الرئاسة اللبنانية من الأسر الإيراني، ومن المُرحج أن هذا الحدث سيكون مؤشراً هاماً على تراجع مشروع إيران التوسعي في المنطقة.
وعليه، فإن وجود رئيس لبناني في هذه المرحلة وبالتزامن مع الأحدث التي تعيشها المنطقة العربية، ووجود إيران طرفاً أساسياً فيها عبر أذرعها المسلحة، يرسم واقعاً لبنانياً وشرق أوسطياً جديداً وعلي طهران وحزب الله التعاطي معه في النهاية، خاصة في ظل وجود دعم أمريكي سعودي فرنسي لوجود عون في منصب الرئاسة، ما من شأنه أن يقنن بل وقد يُنهي فكرة مشروع إيران التوسعي في الإقليم.
فصل جديد:
دخل لبنان مرحلة جديدة في مسار الحياة السياسية عقب انتخاب جوزيف عون رئيساً للبلاد. لم يكن ذلك ممكناً لولا الهزيمة التي لحقت بـحزب الله اللبناني، التابع لطهران، والذي كان يعرقل عملية وجود رئيس لبناني في الفترة الماضية. ومع انتخاب عون، فلا شك أن الدولة ستأتي أولاً دون النظر إلي الفصيل أو المذهب، ودون الولاء للخارج والانكفاء علي دعم مشاريع مذهبية مسلحة من المؤكد أن تصير سبباً في تخريب البلاد وتقسيمها. فإيران صاحبة فكرة “تصدير الثورة” أو مد “الفكر الشيعي التوسعي” حاولت كثيراً أن تقطع لبنان عن محيطه العربي وخاصة الخليجي، وتحويله إلي ما يسمى “جبهة الممانعة”، والتي لم تكن سوي طريقة وذريعة للتدخل في شئون الدول الداخلية وتقسيمها خدمة لمشروعها التوسعي في المنطقة العربية. ومن هنا يشار إلي الدور الذي قام بيه نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حيث أنه قاد مرحلة الفراغ السياسي في البلاد والتي كانت حرجة ومعقدة للغاية، وقد حاول ميقاتي أن يتجاوزها بأقل خسائر ممكنة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية بالإضافة التعددية الطائفية ووجود المعارضين، وحالة الانقسام التي تفشت في البلاد.
كما أن الرئيس المنتخب جوزيف عون، يعلم تماماً رغبة الشعب اللبناني بأكثريته في حياة سياسية مستقرة، وهم بانتظار تنفيذه وعوده وتصريحاته في الفترة المقبلة والتي لن تكون سهلة وممهدة علي الإطلاق، وستكون مليئة بالتحديات أبرزها: مسألة السلاح المنفلت، وقضايا الفساد التي دمرت الإقتصاد اللبناني، وارتفاع معدلات الفقر، وهيبة لبنان وتحسين علاقته بمحيطه العربي. ولعل ما قد يعزز تحركاته خلال هذه المرحلة، هو الدعم السعودي والإماراتي والأمريكي والفرنسي، لوجوده في سدة الحكم، لذا من المرحج أنه سيكون مطالباً أولاً بالعمل علي إنهاء الدولة التي أقامها حزب الله داخل الأراضي اللبنانية والشروع في استعادة مكانة لبنان في الإقليم.
وكانت أولي الخطوات التي اتُخذت عقب انتخاب جوزيف عون، هي إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال مؤتمر صحفي عقده عقب لقاءه الرئيس الجديد المنتخب في قصر الرئاسة، بأن “الدولة ستبدأ في نزع السلاح في جنوب لبنان وخاصة منطقة جنوب نهر الليطاني، وذلك لترسيخ وجودها في شتى أنحاء البلاد”، وصرَح قائلاً “نحن اليوم أمام مرحلة جديدة، وسنبدأ بجنوب الليطاني من أجل سحب السلاح وأن تكون الدولة متواجدة على كل الأراضي بدءاً من الجنوب”. كما قال فيه إن “الرئيس عون طلب منه مواصلة تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة”.
مؤشرات التراجع:
لطالما تعاملت الجمهورية الإيرانية مع الدول العربية التي تضم ميليشياتها المسلحة وبخاصة في لبنان وسوريا، بأنها بمثابة مناطق عازلة لحماية إيران من أية تهديدات داخلية أو خارجية، إلي جانب مد فكرها ومشروعها التوسعي في هذه البلدان، فالأذرع الإيرانية تواجدت في أربعة عواصم عربية حيوية، بل وفي بعض منها سيطرت علي مفاصل الدولة ومراكز صنع القرار، ما كان يعني دولة داخل الدولة، وهو بلا شك اعتداء صارخ علي سيادة تلك الدول. لذا فإن انهيار حزب الله في لبنان والذي كان يُلقب ب “درة تاج إيران” وهو استثمار إيراني يزيد عمره عن أربعين سنة، وكذلك سقوط حزب البعث في سوريا بعد دعم مطلق قدمته طهران لعائلة الأسد طول السنوات الماضية، عسكرياً ومادياً، يجعل النظام الإيراني الحالي أمام مأزق كبير، فهو لن يستطع الصمود بورقة الحوثي في اليمن طويلاً، ولن يستطع الانكفاء فقط علي الميليشات العراقية المسلحة التابعة له في العراق أيضاً ليكمل فكرة ومسار المشروع الإيراني، كما كان معتاداً.
لذلك فقد أصبح لزاماً علي النظام الإيراني وبخاصة علي من تبقي في حزب الله اللبناني من قيادات، تقَبل الواقع اللبناني الجديد، والتوقف عن عرقلة مسيرة الحياة السياسية في البلاد. فالإتيان برئيس لقصر بعبدا لم يكن ممكناً كما ذكرنا سلفاً، لو كان الحزب كما هو عليه سابقاً، قبل تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمقدراته البشرية والعسكرية، ولظلت الجمهورية اللبنانية واقعة تحت وطأة التقسيم وفرض المشروع الإيراني، إلي جانب تعنت المعارضين، ولظلت بيروت خالية من الإرادة الوطنية.
وختاماً، يُشكّل انتخاب جوزيف عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية اختباراً قوياً لما سيكون عليه لبنان في المرحلة المقبلة، وهي خطوة تم انتظارها طويلاً، لدولة ظلت بلا رئيس قرابة 26 شهراً، ومن المرجح أنها ستكون سبباً في انتعاش لبنان بداية من إعادة العلاقات مع محيطه العربي ولاسيما دول الخليج، التي دعمت بقوة هذه الخطوة، وهي العلاقات التي شهدت فترة من الفتور بسبب هيمنة ونفوذ حزب الله ، ثم العمل علي إعادة بناء البلاد وحفظ سيادتها والتصدي للفساد والالتزام بالقرارات والقوانين.