كيف تفكر تركيا في سوريا الجديدة؟

إسراء قاسم- باحثة متخصصة في الشأن التركي- وحدة دراسات العالم

عقد وزير الخارجية التركى هاكان فيدان، جلسة مباحثات مع أحمد الشرع، قائد الإدارة الجديدة في سوريا، انتهت إلى أن أنقرة ستفعل كل ما يلزم ضمان أمنها فى حالة  عدم تمكن الإدارة الجديدة في سوريا من معالجة مخاوف تركيا، وتحرير جميع المناطق من التنظيمات الإرهابية كما ذكر ، مشددا وزيرة خارجية تركيا على عدم التهاون فيما يخص سلامة الأمن القومى التركي. تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء على مستقبل العلاقات التركية السورية فى ظل التغيرات الأخيرة.

قضية عالقة:

يعد ملف الأكراد بالنسبة لتركيا هو الأهم والأولى، حيث شددت أنقرة على ضرورة حل (وحدات حماية الشعب الكردية) المعروفة بـ( قسد ) والتى تمثل تهديدا لأمنها القومى، وأكدت وزارة الدفاع التركية، أن أنقرة تدعم وجود جيش واحد من الإدارة السورية الجديدة، مشددة على ضرورة اندماج قسد في الهيكلية التى سيتم تشكيلها ضمن الجيش السوري، لتقنين العمليات العسكرية والاشتباكات المنفردة التى يمكن أن تتم مع وحدات حماية الشعب الكردية التى تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذى صنفته إرهابى  منذ 1984.

ومن المتوقع استمرار  أشتباكات عنيفة بين الطرفين التركى والكردى فى سوريا، وهو ما يتطلب من الإدارة السورية الجديدة التدخل عن طريق إبرام اتفاقيات يلتزم بها الطرفين لتجنب أى تطورات يمكن أن تغير خريطة المستقبل فى الداخل السورى، خاصة وأنقرة فى حالة التربص والترقب الدائم لأى تصرف من الجانب الكردى، و لن تسمح بإنشاء كيان كردي على حدودها، الأمر الذى يمكن أن يطلب المساعدة والدعم من الخارج خوفا  من تهجيرهم مجدداً، مثلما حدث مع سكان مدينة عفرين الذين نزحوا عن مناطقهم بعد عملية (غصن الزيتون).

ومن المتوقع أيضا خلال الفترة المقبلة أن تعيد تركيا طرح اقتراحها، حول إنشاء ( منطقة آمنة) بعمق30 كيلومترا في شمال سوريا لتكون حاجز بين حدودها وبين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.

تعاون محتمل:

على صعيد أخر أكدت أنقرة على استعدادها بأن تقدم الدعم العسكرى لتأسيس الجيش السوري للإدارة السورية الجديدة، مشددة على ضرورة التعاون الدفاعي بينهما، خاصة وأن  البنية التحتية للصناعات الدفاعية التركية، والخبرة العسكرية، يمكن أن تكون دافع قوى للتوافق بين الطرفين، خاصة فيما يخص مكافحة الإرهاب، وعودة لسوريا جديدة متماسكة مستعرضة أنقرة خلفيتها الدفاعية القوية والتى ظهرت مؤخرا على الساحة الدولية.

كذلك يمثل ملف إعادة الإعمار في سوريا، أهمية اقتصادية جيوستراتيجية وأمنية كبيرة بالنسبة لتركيا، فمن جهة تسعى أنقرة لتعزيز التعاون مع الحكومة الجديدة عن طريق طرح مشاريع مشتركة لإعادة الإعمار، خاصة فى  قطاعي النفط والغاز واستغلال الموارد الطبيعية في سوريا، لكى تعود القدرة الانتاجية كما كانت قبل الحرب.

من جهة أخرى تحقيق طموحات أنقرة الجيوسياسية، عن طريق بناء خط أنابيب للغاز من قطر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسورية ، إلى أوروبا، والذى سيكون البديل عن الغاز الروسى، وعائده الاقتصادي بعيد المدى، والذى تعتبره بعض الدول تهديدا مباشر على رأسهم إيران، ما يجعل تركيا ترسم خطوطها العريضة منذ البداية فى علاقتها مع الادارة السورية الجديدة، دفاعا عن مشاريعها المستقبلية. فمن المتوقع أن تكون حصة المشاريع المستقبلية لأنقرة على الأراضى السورية يمكن أن تصل إلى ال 100 مليار دولار حسب تقارير دولية.

وفى سياق متصل فيما يخص إعادة إعمار سوريا، أكدت الحكومة التركية على أنها سوف تساهم فى عودة اللاجئين السلمية إلى بلادهم، حيث يستعد وفدا من اتحاد بلديات تركيا لزيارة سوريا قريبا،   وذلك بالتنسيق مع وزارة الخارجية والسفارة في دمشق. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 25  ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلدهم بعد سقوط النظام السوري، وأكدت أنقرة أنه سيتم إنشاء مكاتب لإدارة الهجرة داخل السفارة التركية في دمشق والقنصلية التركية في حلب لتسهيل إجراءات العائدين.

استنادا على ما سبق، يتبين أن سوريا لها أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا على الصعيد الجغرافى والثقافى والإقليمي، فتعتبر الأخيرة سوريا بوابة بسط نفوذها فى المنطقة نظرا للروابط الجيوسياسية والجيوثقافية التى تجمع البلدين، فما يحدث الآن يرسم خريطة المستقبل لأنقرة إقتصاديا وسياسيا، ما يجعلها لن تتهاون فيما يخص القضايا المتعقلة بقضايا مختلفة مثا ( ملف الأكراد ) و(ملف الغاز) وغيرها من الملفات كما ذكرنا من قبل. فسوف تسعى أنقرة إلى انشاء منطقة عازلة لتأمين حدودها، ومن جهة أخرى ستعمل على مساعدة الحكومة الانتقالية في دمشق إلى تبنّي سياسات مرنة ومتسامحة، تطمئن المجتمع الدولي، فيما تواصل اتصالاتها ومشاركاتها الفعّالة لحمل الدول الغربية على الاعتراف بنظام الحكم الجديد في دمشق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى