قصة وفاء وتاريخ: الدكتور أحمد مرسي ومتحف الحضارة المصرية

د. محمد أحمد مرسي- عميد كلية الإدارة والاقتصاد والتكنولوجيا بجامعة مصر
حين وُلدت فكرة متحف الحضارة المصرية، لم تكن مجرد مشروعٍ معماري أو رؤيةٍ للعرض المتحفي، بل كانت حلمًا وطنيًا يُراد له أن يُجسِّد روحَ مصر عبر العصور، من فجر التاريخ إلى الحاضر. في ذلك الحلم الكبير، كان الدكتور أحمد مرسي حاضرًا بروحه الوثّابة وعقله الموسوعي، يضع اللبنات الأولى مع نخبةٍ من المخلصين والعلماء الذين آمنوا بأن الحضارة ليست أحجارًا تُعرض، بل روحٌ تُروى وتُعاش.
شارك الوالد، إلى جانب صديقه الراحل الدكتور أسعد نديم، وآخرين من القامات الفكرية والعلمية، في صياغة المفهوم الفلسفي لمتحف الحضارة، وفي بلورة منهج العرض الذي لا يكتفي بسرد التاريخ، بل يروي تجربة الإنسان المصري في صراعه مع الزمن، في إبداعه، في فنه، وفي نظرته العميقة إلى الحياة والموت والخلود، الثالوث المصري الذي يعبر عن روح هذا البلد.
كان يرى أن المتحف يجب أن يكون ذاكرةَ الأمة ومِرآتها، حيث تتعانق الرموز مع الفكرة، ويلتقي المادي بالمعنوي، فيتحول الزائر من متفرجٍ إلى مشارك، ومن باحثٍ عن المعلومة إلى متأملٍ في معنى الوجود المصري ذاته.
ولأن العمل العظيم لا يُنجز إلا بتكامل العقول والقلوب، فقد تلاقت جهود العلماء والمفكرين على هدفٍ واحد: أن يولد متحف الحضارة المصرية كرسالةٍ وهديةٍ من جيل الرواد إلى الأجيال القادمة. وبعد سنواتٍ من الإخلاص والعمل الصامت، جاء التكريم بعد الرحيل، حين بادر الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار آنذاك، ومعه الصديق العزيز الدكتور أحمد غنيم، مدير المتحف، بتكريم الوالد بعد عشرة أيام فقط من وفاته، في مشهدٍ إنسانيٍّ نبيلٍ عبّر عن وفاء الدولة لأبنائها.
واليوم، ونحن نحتفي بافتتاح المتحف المصري الكبير، نقف إجلالًا لهؤلاء الرجال الذين غرسوا الفكرة، وسقوها بإخلاصهم حتى أثمرت صرحًا حضاريًا يليق بمصر، أرض الخلود.
رحم الله الدكتور أحمد مرسي والدكتور أسعد نديم، وجزى الله كلَّ من ساهم في هذا المشروع الوطني العظيم خير الجزاء.
إنهم بحق أبناءُ الحضارة… وصنّاعُ الذاكرة.