الغرب ومعاييره المزدوجة!

نبيل عبدالفتاح- مستشار مركز الدراسات بالأهرام.

من أبرز علامات عملية السيوف الحديدية، والارتفاع المتزايد لأعداد الضحايا من القتلى- الشهداء، والمصابين، من الأطفال والنساء والشيوخ أكثر من عشرة آلاف شهيد من بينهم أكثر من 4 آلاف طفل، وأكثر من 26 ألف جريح – أنها أعادت إلى الجغرافيا السياسية للإقليم العربى المسألة الفلسطينية إلى الواجهة، بعد تراجع الاهتمام بالاحتلال الاستيطانى، فى الضفة الغربية، وأيضا سياسة حصار قطاع غزة، وهى سياسة إسرائيلية ممنهجة أدت إلى إتاحة الفرص لتمدد الفصائل الفلسطينية، داخل أوساط اجتماعية عديدة، وباتت تمثل الثقافة السائدة وسط السكان. لاشك فى أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، أسهمت فى دعم قوة التنظيمات الإسلامية، وذلك مع إغفال السياسات الإسرائيلية المحاصرة للقطاع، وأيضا استخدام مصطلح الإرهاب الغامض والفضفاض فى الخطاب الغربى، لوصف الجماعات الأصولية الإسلامية الراديكالية فى المنطقة، ونسيان أن السياستين البريطانية، والأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية، هى من قامت بتوظيف الإسلام سياسيا فى مواجهة حركات التحرر الوطنى العربية، والناصرية على وجه الخصوص، بدءاً من الحلف الإسلامى، ثم فى مواجهة الحركات اليسارية، والقومية العربية، والأحزاب الشيوعية للحد من انتشارها فى المنطقة العربية، والأهم استخدامها ضد الاتحاد السوفيتى السابق، وسياساته فى العالمين العربى والإسلامى، من هنا دعمت نشأة تنظيم القاعدة لمحاربة السوفيت، ونظام الحكم الموالى لهم فى أفغانستان. هذا الاستخدام الوظيفى للحركات الإسلامية السياسية الراديكالية، لم تكن الولايات المتحدة، وبريطانيا، والدول الأوروبية تصفه بالمصطلح العام والسائل، والغامض – فى كل الاتفاقيات التى وضعت لمحاربة الإرهاب بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001-، لأنه شكل أداة لديها فى خدمة مصالحها القومية، وعلى المستوى الدولى! لم تكن الإدارات السياسية فى هذه البلدان، فى دعمها لهذه الجماعات على دراية فى العمق بهذا النمط الأيديولوجى لهذه الجماعات، وأنه يوظفها فى السياسات الداعمة له، وانتقلت القاعدة، من نظرية العدو القريب! إلى نظرية العدو البعيد! وظفت هذه الجماعات خبراتها، وعملياتها القتالية فى أفغانستان، فى عديد العمليات الإرهابية، فى مناطق عديدة، ومنها القارة الإفريقية، وفى بعض البلدان الأوروبية، وهو ما شكل رأسمالا خبراتيا، فى تطوير هذه العمليات. إذن نحن إزاء سياسة للمعايير المزدوجة تجاه هذا النمط من الحركات الأصولية، عندما توظفه لا تستخدم مصطلح الإرهاب، وعندما تعود هذه الجماعات إلى مرجعيتها الدينية، وتواجه المصالح الأمريكية، والغربية، تغدو إرهابا!. أيضا السياسات الأوروبية -الفرنسية والبلجيكية- للاندماج الاجتماعى لمكوناتها من الجاليات الإسلامية، اتسمت بالفشل، ثم الإهمال لها سياسيا واجتماعيا، وسمحت للدعاة الراديكاليين القادمين من الشرق الأوسط، بالانتقال إليها، وممارسة الدعوة فى مساجد الضواحى، وفى إعادة تشكل الهوية الدينية لهذه المجموعات على نحو راديكالى، هنا يبدو الصمت وخطابات الوحشية، والإرهاب، دونما نظر إلى الدوافع الفردية، وما وراءها، وفشل سياسة الاندماج الداخلى! فى العلاقات داخل النظام الدولى، يتم إطلاق الخطاب حول القانون الدولى العام، وقانون الحرب، والقانون الدولى الإنسانى، فى الحالات التى يرتكب خصوم الولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية بعض أنماط السلوك الدولى المناهض لهذه المنظومة يتم استخدامها ضدهم، ثم تتحول إلى لاشئ إذا كانت خارج مصالح هذه الدول، وسياساتها الخارجية! من هنا وصف أمريكا والدول الأوروبية ما تقوم به إسرائيل من مجازر، وعواصف نيرانية هائلة بأنه دفاع عن النفس على الرغم من أن حجم القوة النيرانية يصل إلى حد أنها تمثل قنبلة نووية مثل التى أسقطت على هيروشيما، ونجازاكى فى اليابان من قبل الولايات المتحدة على نحو ما يصف بعض الخبراء العسكريين حجم الجحيم النيرانى على القطاع والمدنيين-، ويعاد مجددا إنتاج وصف حق الدفاع عن النفس فى كل خطاب سياسى من الإدارة الأمريكية، والسياسيين الأوروبيين، والإعلام الغربى المرئى والمكتوب والمسموع؛ دونما نظر إلى أن إسرائيل دولة احتلال للأراضى الفلسطينية، وأنها تعطل أى محاولات للعودة إلى مسار عملية السلام، وحل الدولتين! الأهم إغفال قواعد قانون الحرب، والقانون الدولى الإنسانى، وحق المقاومة لمن هم تحت الاحتلال، ناهيك عن حقوقهم، وحدود ممارسات الدولة المحتلة على الأراضى والسكان المحتلين، وعدم التطهير العرقى، وفرض النزوح القسرى على السكان، والعقاب الجماعى، ومنع وصول الغذاء، والمياه، والطاقة، والمواد الطبية إلى السكان المحتلين الأخطر قصف المستشفيات، وجوارها من الطائرات على نحو أدى إلى تزايد القتلى من الأطفال، والنساء، والشيوخ.

لا شك فى أن هذا التناقض فى القيم، والمعايير المزدوجة الأمريكية والغربية، سيؤدى إلى فوائض سوسيو- ثقافية ونفسية لدى الأجيال الجديدة من الشباب وصغار السن عربيا إزاء الدول الغربية، وإسرائيل، وقد يدفع ذلك إلى إنماء التطرف الدينى فى المنطقة، واللامبالاة بالسياسات الغربية فى ظل التطهير العرقى، والتهجير القسرى، والإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى غزة، وتجد دعما من الدول الغربية، وتضفى عليها وصف الدفاع الشرعى، على نحو يبدو مثيرا للسخرية من هكذا سياسات تكرس المعايير المزدوجة إزاء الشعب الفلسطينى، والعالم العربى، فى ظل عالم مضطرب، فى طريقه للتغير فى موازين القوى العالمية!.

نقلا عن الأهرام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى