الجنوب السوري على صفيح ساخن.. السويداء بين فوضى الداخل وتهديدات الخارج
سوريا تقف على حافة الانقسام

عادت محافظة السويداء إلى واجهة المشهد السوري، لكن هذه المرة في ظل تهديدات متصاعدة، داخلية وخارجية، تضع وحدة الدولة السورية على المحك. فبين اشتباكات دامية بين الطائفة الدرزية والعشائر العربية، وتصاعد الدعوات إلى التنظيم الذاتي، وبين تدخلات إسرائيلية مباشرة تحت ذريعة حماية الأقليات , يبدو أن الجنوب السوري يقترب من لحظة فارقة.
ما بدأ في يوليو 2025 كمواجهات مسلحة محدوده، سرعان ما تحول إلى صراع مفتوح متعدد الأبعاد، يهدد بتحويل السويداء إلى نسخة جديدة من سيناريوهات التقسيم كما حدث في الشمال الشرقي.
التدخل الإسرائيلي وتحولات الرد السوري:
في تطور خطير وغير مسبوق، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية استهدفت محيط دمشق وعدداً من المواقع في جنوب سوريا، مبررة تدخلها بالخوف على الأقليات، وخصوصاً الطائفة الدرزية.
الحكومة السورية واجهت الموقف بتصريحات حيث أعلن رئيس الحكومة أحمد الشرع أن البلاد تقف أمام خيارين إما المواجهة العسكرية مع إسرائيل، أو تسليم الإدارة الأمنية مؤقتاً للدروز لحين تهدئة الأوضاع، ما اعتُبر إقراراً مؤقتاً بانحسار قبضة الدولة في تلك المناطق.
هذا التصريح فتح الباب أمام قوى محلية للمطالبة بالتنظيم الذاتي، وظهرت دعوات لتشكيل جيش تحرير وطني ،ما عمق المخاوف من انزلاق الأمور نحو سيناريو التقسيم.
الموقف العربي – صحوة متأخرة أم بداية دور فاعل؟:
رد الفعل العربي هذه المرة اتسم بالوضوح. أدانت جامعة الدول العربية الغارات الإسرائيلية، ووصفتها بانتهاك صارخ لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.
وفي اجتماع طارئ عُقد في القاهرة في مارس 2025، تصدرت مصر المشهد، وطالبت بدعم عربي سياسي ودبلوماسي عاجل للحكومة السورية.
لقد استند الموقف المصري إلى ما يلي:
(*) اتفاق فصل القوات لعام 1974 (بين سوريا وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة).
(*) قرار مجلس الأمن رقم 2254 كمرجعية دولية لأي تسوية سياسية.
القرار 2254 هل آن أوان تطبيقه فعليًا؟:
رغم مرور عشر سنوات على صدوره، عاد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ليُطرح بقوة كحل واقعي وحتمي للأزمة السورية، وخصوصًا في ظل الانقسامات الجغرافية والسياسية التي باتت تهدد الكيان الوطني نفسه.
وقد نص القرار 2254 على أنه “يدعو القرار إلى إطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السوريون أنفسهم، ويؤدي إلى إقامة حكومة شاملة وغير طائفية خلال ستة أشهر، يعقبها صياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات نزيهة خلال 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة). ويشدد القرار على ما يلي:
(&) ضرورة الاحترام الكامل لسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها.
(&) الوقف الفوري للهجمات ضد المدنيين.
(&) دعم وقف إطلاق نار شامل على كامل الأراضي السورية.
(&) تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق دون عراقيل.
(&) وضع جدول زمني دقيق لبدء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة.
إن تفعيل القرار الآن من قبل الأمم المتحدة، وبضمانات عربية، لا يمثل فقط محاولة لحل أزمة السويداء، بل هو الإطار الشرعي الوحيد القادر على توحيد الرؤية الداخلية، وإنقاذ سوريا من خطر التقسيم الزاحف.
مبادرة درزية – بدوية تعيد بعض الاتزان:
في مشهد يُحسب لصوت العقل، اجتمع زعماء الطائفة الدرزية مع شيوخ العشائر البدوية في أبريل 2025، ووقعوا اتفاق تهدئة وتعاون تضمن ما يلي:
(١) رفض أي مشاريع انفصالية أو دعوات للحكم الذاتي.
(٢) دعم عودة مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية.
(٣) تسليم الأسلحة غير المرخصة.
(٤) التنسيق مع الحكومة المركزية لضمان الأمن المحلي.
هذه المبادرة عكست وعياً مجتمعياً بخطورة المرحلة، وقد تمثل نواة لتكرار مثل هذا النموذج في مناطق أخرى مضطربة.
تحركات دولية بين التأييد والتحريض:
بالتوازى مع التحرك العربي، صدرت مواقف دولية متفاوتة، يمكن التطرق لها كالتالي:
(*) تركيا، إيران، الأردن، لبنان، قطر، السعودية والكويت ومصرأعلنت دعمها لوحدة سوريا ورفضها لأي تدخلات إسرائيلية أو مشاريع انفصال.
(*) الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة دعوا للتهدئة وتفعيل الحل السياسي.
(*) الولايات المتحدة واجهت انتقادات بالتواطؤ مع الغارات الإسرائيلية، والتغاضي عن تشكل قوى محلية مسلحة بدعوى حماية الأقليات.
هذا التباين في المواقف يعكس التنافس الدولي على مستقبل سوريا ككل، وليس الجنوب السورى فقط.
جيش التحرير الوطنى غطاء حماية أم نواة تفكيك وانفصال؟
في يونيو 2025، أعلنت مجموعات محلية عن تشكيل جيش تحرير وطنى في السويداء، بدعوى حماية الأهالي من التهديدات الخارجية والداخلية.
لكن المخاوف كبيرة من أن يتحول هذا الجيش إلى:
١. قوة أمر واقع.
٢. أداة لتكريس اللامركزية العسكرية.
٣. خطوة تمهيدية نحو الحكم الذاتي أو الانفصال.
الحكومة السورية رفضت بشكل واضح أي تشكيل مسلح خارج إطار الجيش السوري، معتبره ذلك مساساً بالسيادة لا يُمكن التهاون معه.
توصيات عملية لتجنب تفكك الجنوب السوري وانفصاله عن الوطن الأم:
في ظل المعطيات الحالية، تبدو الحاجة ماسة لتحركات عاجلة على ثلاث مستويات (داخلي – عربي – دولي):
(-) داخلياً، كالتالي:
١. عودة مؤسسات الدولة فوراً إلى السويداء.
٢. نزع السلاح غير القانوني من جميع الأطراف.
٣. دمج القوى المحلية ضمن القوات النظامية.
(*) عربياً، كالتالي:
١. تفعيل دور الجامعة العربية كمظلة للحل السياسي.
٢. دعم مبادرة مصر لحماية السيادة السورية.
٣. عقد مؤتمر وطني جنوبي برعاية دمشق.
(*) دولياً، يقترح التالي:
١. تفعيل القرار 2254 بآليات رقابية حقيقية.
٢. رفض مشاريع التقسيم أو الفيدرالية القسرية.
٣. تحرك مجلس الأمن لردع الاعتداءات الإسرائيلية.
في ظل ما سبق ذكره، يمكن القول إن الجنوب السوري ليس مجرد جغرافياً بل روح السيادة السورية.
كما أن ما يحدث في السويداء اليوم يتجاوز حدود المحافظة نفسها ، حيث يمس جوهر الدولة السورية وكيانها الموحد.
فإما أن تتمكن دمشق من استعادة المبادرة، داخلياً وعربياً ، أو أن تنزلق البلاد إلى نماذج التقسيم المتعدده كما حدث في دول أخرى.
في النهاية يمكن القول إن الفرصة لا تزال قائمة، لكن الوقت يضيق. كما أن السويداء ليست أزمة عابرة، بل إنذار استراتيجي لما يمكن أن تصير إليه سوريا إذا تُركت بلا غطاء وطني.