زيارة بن غفير للبرغوثي استفزاز سياسي ورسائل خطيرة تتطلب تحركًا عربيًا عاجلًا

في مشهدٍ لا يخلو من التحريض والاستفزاز، أقدم وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، على زيارة مفاجئة للأسير الفلسطيني البارز مروان البرغوثي داخل زنزانته، مصحوبة بتصريحات علنية هدد فيها الفلسطينيين بالرد الحازم في حال المساس بالأطفال والنساء الإسرائيليين.
لقد أثارت هذه الزيارة، موجة غضب في الأوساط الفلسطينية والعربية، لم تكن حدثًا عابرًا، بل جاءت في سياق سياسي وأمني متوتر، وترافقت مع خطوة استيطانية تصعيدية قادها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي وضع حجر الأساس لتوسيع مستوطنة “معاليه أدوميم” على أراضي الضفه الغربية في خطوة تهدف لتغيير الواقع الجغرافي والديموجرافى وقطع الطريق نهائيًا أمام قيام دولة فلسطينية مستقله.
من هو مروان البرغوثي ولماذا يثير قلق إسرائيل؟
يعد الأسير مروان البرغوثي، من أبرز رموز المقاومة الفلسطينية، وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، وقائد انتفاضة الأقصى الثانية. اعتقلته سلطات الاحتلال في عام 2002، وحكمت عليه بالسجن المؤبد بتهم تتعلق بالمقاومه ضد الاحتلال وفقًا للمحاكم العسكرية الإسرائيلية، وهي التهمه التي يرفضها البرغوثي والقيادة الفلسطينية باعتبارها محاكمات سياسية.
ورغم مرور أكثر من 20 عامًا على اعتقاله، لا يزال البرغوثي يتمتع بشعبية كبيرة داخل وخارج السجون، ويُنظر إليه باعتباره مرشحاً توافقياً لقيادة المرحلة السياسية المقبلة في حال أُجريت انتخابات فلسطينية. تمثل شخصيته تهديداً سياسياً ورمزياً للاحتلال، لما يمتلكه من شرعية نضالية وشعبية داخلية وخارجية.
زيارة بن غفير استفزاز أم رسالة موجهة؟
الزيارة، التي بدت في ظاهرها إجراء تفقدي للسجون الإسرائيلية من مسئول أمنى جاءت محملة برسائل خطيرة، من أبرزها:
(*) تحذير مباشر للفلسطينيين من استمرار المقاومة.
(*) محاولة كسر الرمزية المعنوية للبرغوثي داخل الشارع الفلسطيني.
(*) استعراض للقوة أمام المجتمع الدولي في ظل تراجع المواقف الدبلوماسية.
(*) رسالة انتخابية داخلية للشارع الإسرائيلي اليميني بتشديد العقوبات على الأسرى الفلسطينيين.
وعليه، يمكن القول إن تصريحات بن غفير التي حملت طابعاً تهديدياً واضحاً، جاءت في وقت يشهد فيه الشارع الفلسطيني حالة احتقان متصاعدة، وتزايداً في اقتحامات جيش الاحتلال للضفة، ما يجعل تلك الزيارة تمهيداً محتملاً لتصعيد أمني أوسع.
الاستيطان يتقدم وسموتريتش وزير المالية يكرّس مشروع “E1”:
في نفس التوقيت، وتحت غطاء حكومي صريح، قام وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بوضع حجر الأساس لمشروع استيطاني جديد في منطقة “E1” الواقعة بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس المحتلة على حساب قرية الزعيم الفلسطينية.
هذا المشروع، الذي طالما حذرت منه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، يهدف إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، مما يُعرقل أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات تواصل جغرافي، وعليه يمكن القول إن التحركات الاستيطانية المكثفة في هذا التوقيت لا تنفصل عن زيارة بن غفير للبرغوثي، بل تشكل معًا استراتيجية متكاملة لتكريس الاحتلال وتقويض حل الدولتين.
الدور المصري موقف إيجابي يحتاج تعزيزًا عربيًا:
في مواجهة هذه التصرفات الإسرائيلية، برزت مصر بموقف إيجابي متزن، حيث عبّرت وزارة الخارجية المصرية عن رفضها القاطع لخطاب الكراهية والتحريض الذي رافق زيارة بن غفير، كما شددت على ضرورة احترام حقوق الأسرى وفق القانون الدولي الإنساني.
وعبر قنوات دبلوماسية، كثّفت القاهرة اتصالاتها مع الأطراف الدولية، مطالبةً بتقييد السياسات الإسرائيلية ووقف الانتهاكات بحق الأسرى والأراضي المحتلة.
لكن رغم أهمية التحرك المصري، إلا أنه يحتاج إلى غطاء عربي أوسع، يشمل تحركاً موحداً من جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية المتعاطفة مع القضيه الفلسطينية، وتصعيداً دبلوماسياً داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية، لتوضيح الإجراءات الإسرائيلية التي تهدد الأمن الإقليمي برمته.
أين يقف القانون الدولي من هذه التحركات الاستفزازية؟
بحسب اتفاقيات جنيف الرابعة، فإن استخدام الأسرى لأغراض سياسية أو إعلامية أو تهديدهم داخل السجون يشكل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني. كما أن التصريحات التحريضية من مسؤولين حكوميين ضد فئات مدنية، تمثل تحريضاً على العنف وخرقاً للقوانين الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، يمكن توضيحه كالتالي:
(-) رغم وضوح الاجراءات السابقة، فإن الصمت الدولي لا يزال سيد الموقف، ما يمنح الحكومه الإسرائيلية ضوءاً أخضر لمزيد من التصعيد.
(*) هذه الإجراءات تعتبر صفعة في وجه القانون والعدالة.
(*) ما جرى من زيارة تحريضية لمروان البرغوثي فى زنزانته تزامنًا مع تمدد استيطاني ليس مجرد تصرف فردي، بل هو نهج منظّم لطمس الحق الفلسطيني، وتكريس الاحتلال كأمر واقع.
وبالتالى، يكون من الضروري ألا يقتصر الرد الحقيقي على هذه الاستفزازات الإسرائيلية على ببيانات الإدانة فقط، بل يكون كالتالى:
(*) تحرك قانوني أمام محكمة الجنايات الدولية، هذا بالإضافة إلى تحرك دبلوماسي عربي مشترك.
(*) دعم إعلامي موحد يوضح الإجراءات الاسرائيليه التصعيدية.
في النهاية، يمكن التأكيد على أن مروان البرغوثي، لا يزال يحمل مشروع الدولة والحرية، من خلف القضبان، وما يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي يعجز عن كسر الإرادة الفلسطينية فى تحقيق مصيره.