هل تصدق “طهران” في دعوتها بوقف إطلاق النار في اليمن؟
نورا فايد- باحثة في برنامج دراسات الخليج العربي
في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الداخلية والخارجية على نظام الملالي، يخرج مسئول من مؤسسة الوالي الفقيه ليزعم أن بلاده لا تدعم الميليشيا الإرهابية المنتشرة في دول منطقة الشرق الأوسط، بأي وسيلة كانت، وأن إيران هدفها تحقيق الأمن والاستقرار بدول المنطقة، وخاصة اليمن، العراق، لبنان، وأيضًا سوريا، تلك الدول المنتشرة فيهم إيران وجماعاتها بشكل كبير من أجل تحقيق مخطط “تصدير الثورة الإيرانية” ونشر الفكر الشيعي بهم.
ما سبق ذكره، يأتي مع تكهنات تفيد بأن علاقة نظام ولاية الفقيه بميليشيا الحوثي الانقلابية ليست على ما يرام وأخذت في الانحدار، وأن هناك اختلافات بين الطرفين، حتى أن “عبد الملك الحوثي” زعيم الحوثيين؛ بات متذمرًا من السياسة الإيرانية لفشلها في إنقاذهم من قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وقوات الجيش الوطني اليمني، الأمر الذي يؤدي في نهاية الأمر لخسائر فادحة تكبدتها ولا زالت تحصدها ميليشيا الحوثي المتمردة في اليمن، خاصة مع الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها طهران جراء العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018، وفشل مفاوضات فيينا النووية في التوصل لاتفاق يقضي برفع تلك العقوبات.
وتجدر الإشارة هنا إلى تزايد مستوى الاضطرابات في العلاقة بين الطرفين (الإيرانيين والحوثيين) بعد محادثات هاتفية بين وزير الخارجية الإيراني “حسین أمير عبد اللهيان” والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” في 7 مايو الجاري، وخلال تلك المحادثات شدد الوزير الإيراني على ضرورة وقف إطلاق النار في اليمن بشكل عاجل، والتزام جميع الأطراف اليمنية بالالتزامات الدولية وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار ورفع الحصار الإنساني عن هذا البلد.
علاقة وثيقة:
ومن الجدير بالذكر، أن جماعة الحوثي التي يقودها “شيعة زيديون” هم وكيل إيران في الأراضي اليمنية، رغم أن كلا الطرفين ينفيان بشكل مستمر عدم وجود علاقة وثيقة بينهم، رافضين اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من دول الخليج العربية لهم، بأن الجمهورية الإيرانية تقدم الدعم العسكري والمالي للحوثيين، بل ويوجهون اتهامات إلى السعودية بأنها المسئولة عن تعميق الأزمة اليمنية.
إلا أن جميع الأدلة والوقائع على الأرض تكذب تلك الأحاديث، فمنذ انقلاب ميليشا الحوثي وسيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، تحولت طهران من دور الحليف الخفي للحوثي إلى دور الصدارة، وكانت البداية في يناير 2015، حينما وقع النظام الإيراني مع “عبدالملك الحوثي” اتفاقية مع خطوط “ماهان إير” الإيرانية والتي بموجبها تم إقامة جسرا بين طهران وصنعاء، ومن أجل ذلك قام الحوثيون بإعادة تأهيل مطار صعدة المتاخم للحدود السعودية حتى بات قادرا على استقبال رحلات خارجية مباشرة من العاصمة الإيرانية طهران، الأمر الذي سمح بتكثيف الزيارات المتبادلة بين الطرفين، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية للتدخل في الحرب اليمنية لدحر النفوذ الإيراني المتنامي بالأراضي اليمنية.
بيد أن المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” أكد لـ كبير مفاوضي الحوثيين “محمد عبدالسلام» خلال زيارته على رأس وفد حوثي إلى إيران في أغسطس 2019، أن “إيران ستظل دعم الحوثيين إلى الأبد من أجل التصدي لقوات التحالف العربي”، قائلًا، ” أعلن دعمي لمقاومة رجال ونساء اليمن المؤمنين.. شعب اليمن.. سيشكل حكومة قوية”، ومضيفًا، “يتعين دعم اليمن الموحد والمتحد بكامل سيادته.. الحفاظ على وحدة اليمن ونظرًا إلى عقائده الدينية وقومياته المختلفة يستلزم حوارًا يمنيا–يمنيا”.
وقبل تأكيد المرشد، جاء الاعتراف بدعم طهران للميليشيا الحوثية أيضًا على لسان الرئيس الإيراني السابق “حسن روحاني” في ديسمبر 2017 خلال كلمة له أمام البرلمان الإيراني، قائلًا، “أقبل أیادي مقاتلي المقاومة الذین زرعوا الیأس في قلوب الاستكبار العالمي والصهیونیة. إنهم نشروا الأمن في ربوع العراق وسوریا ولبنان وسينعم الیمن بالأمن أيضًا”، إضافة إلى أن رجل الدين الإيراني المتشدد “مهدي طائب” سبق وقال أن “دعم إيران لميليشيات الحوثيين يأتي بهدف احتلال جدة والرياض”.
أدوات الدعم :
ومن أجل توطيد تلك العلاقة؛ بدأ نظام الملالي في تقديم وسائل الدعم كافة للجماعة الانقلابية سواء أكان الدعم المالي، الإعلامي، السياسي والاستشاري، بجانب الدعم العسكري والاستخباراتي أيضًا، من أجل إحكام قبضتها على الأراضي اليمنية وفرض نفوذها وعقيدته المذهبية هناك وغرس الأفكار الشيعية المتطرفة في عقول اليمنيين، كما يلي:
(*) دعم استشاري وسياسي، تقوم إيران بإرسال ضباط وخبراء من مختلف التخصصات كالتخطيط الاستراتيجي والعمل السياسي وعناصر من ميليشيا حزب الله اللبنانية (وكيل إيران في لبنان) والحرس الثوري الإيراني، من أجل تقديم تدريبات قتالية وبناء القدرات السياسية والعسكرية لعناصر الجماعة الحوثية حتى يتمكنوا من بناء علاقاتهم الخارجية من جهة، والتعامل مع الأسلحة المعقدة لمواجهة قوات الجيش الوطني اليمني وقوات التحالف العربي، من جهة أخري، هذا بجانب؛ غرس المنهج الإيراني الشيعي في عقول اليمنيين، وبدورها تقوم الميليشا الحوثية بتقديم دورات طائفيه لليمنيين بشكل إجباري وتغير المناهج الدراسية واستبدالها بأخرى تحمل نهج الحوثي الإيراني.
(*) دعم عسكري، وكعادة النظام الإيراني، فهو يقدم لجماعته الإرهابية الموالين له في دول المنطقة، الدعم العسكري ما بين طائرات مسيرة، صواريخ باليستية وقذائف وأسلحة بمختلف أنواعها تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، خاصة أن إيران أسست لجنة أطلقت عليها “لجنة دعم الشعب اليمني” برئاسة “إسماعيل أحمدي مقدم” قائد الشرطة الإيرانية السابق، لتأمين عملية دخول الأسلحة إلى الانقلابيين، كما يستغل الحوثيين الموانئ اليمنية لتهريب الأسلحة الإيرانية واستقدام خبراء إطلاق الصواريخ وتصنيع الطائرات المسيرة.
(*) دعم مالي، منذ اندلاع الحرب اليمنية سارعت طهران بدعم الحوثيين ماليًا عن طريق ضخ مئات آلاف الأطنان من الوقود شهرياً، وبعد ذلك أرسلت إيران الأموال لتدشين الحوثيين لمراكز تدريبية ومخيمات صيفية في مختلف المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثي؛ لجذب الشباب اليمني لأنشطتها الثقافية المشبعة بالفكر الخميني (مرشد الثورة الإيرانية)، هذا بجانب منحهم الأموال لشراء الأسلحة من السوق السوداء بأسعار باهظة.
(*) دعم إعلامي، وبجانب ذلك عمل الحوثي بدعم من نظام ولاية الفقيه على تدشين عدد من القنوات الفضائية بعضها يبث من لبنان تحت رعاية حزب الله اللبناني لنشر أفكارهم، ووقت الانقلاب أيضًا قامت إيران بالترويج للفكر الحوثي من خلال قيام إعطاء الضوء الأخضر لقنواتها بالداخل لبث عددًا من البرامج التي تتحدث عن الحركة الحوثية، هذا بجانب إنتاج إيراني لأفلام عن مقتل الحسين.
استراتيجية التوغل:
وبالعودة إلى حديث مسئولي النظام الإيراني عن ضرورة وقف إطلاق النار في اليمن، ومع وجود تكنهات عن تدهور العلاقة بين الحوثي وإيران خاصة مع انخفاض الدعم المالي المقدم من قبل طهران للميليشا الانقلابية، بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها طهران جراء العقوبات الأمريكية المفروضة عليها والتي أدت لتدهور أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية، والخسائر الفادحة التي تلتقها الميليشا المتمردة، فإن التساؤل الرئيس الذي يطرح نفسه هنا، هل تتخلي إيران عن حليفها الحوثي وتتراجع عن دعمه هذه المرة؟.
وللإجابة عن السؤال السابق وتداعياته، تجدر الإشارة إلى أنه بعد نجاح الثورة الإيرانية 1979، وسيطرة نظام ولاية الفقيه على إيران، وضعت الأخيرة في منتصف الثمانينيات، ملامح “استراتيجية التوغل واحتواء الجماعات الشيعية في المنطقة” نصب أعينها، المعروف أيضا باسم “الهلال الشيعي” (والذي بمقتضاه تتمكن إيران من السيطرة على كل من لبنان واليمن، وسوريا والعراق) لإقامة الدولة الفارسية مرة أخري.
وفي الإطار هذا؛ بدأت إيران في توحيد شيعية اليمن مع احتفاظ كل فرقة بعقيدتها، بل وسهلت الطريق للميليشا الحوثية لتذليل مهمة صعودها السياسي من خلال شراء ولاءات التيارات السياسية المعارضة للجماعة الانقلابية، وقدمت له جميع سبل الدعم التي تم ذكرها سابقا، وهو ما سهم في سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في أيدي الحوثيين سبتمبر 2014 وعدد من المحافظات اليمنية الأخرى، ليعلن نظام الملالي فيما بعد وبشكل ضمني سيطرته على العاصمة اليمنية، والمضي قدمًا في جعل اليمن محافظة إيرانية.
مراوغة إيرانية:
ومن ثم، فإن حديث إيران عن دعوتها لوقف إطلاق النار، ما هو إلا “مراوغة إيرانية”، يتبعها النظام الإيراني دائمًا، وهذه المرة يأتي مع عرقلة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، ففي كل مرة تتعرقل المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب، تتوقف طهران بشكل مؤقت عن إرسال الدعم للحوثيين لتفنيد قول واشنطن أن إيران يجب أن تتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية حتى تعود إلى الاتفاق النووي الذي أنحسب منه الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” وترفع العقوبات الأمريكية عن إيران، والدليل على ذلك، أنه حين توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب في 2015، كشف رجل الدين الإيراني المتشدد “مهدي طائب”، أن المفاوضات النووية حالت ثلاث مرات دون وصول المساعدات العسكرية الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن.
وانطلاقًا مما تقدم، فإنه من شبه المستحيل أن يتخلي نظام ولاية الفقيه عن الحليف الحوثي ويفك ارتباطه به، نظرًا لكونه حليف استراتيجي لا غنى عنه في العقيدة السياسية الإيرانية القائمة على “تصدير الثورة”، وهو ما يجعل إيران بحاجة لتوطيد علاقتها بوكلائها بالخارج حتى وإن لم تكن عقيدتهم شيعة اثني عشرية، ولكن المهم أن يكن ولائهم لنظام الملالي، فضلًا عن أن الفراغ الجيوسياسي باليمن هو ما يدفع إيران للاستمرار في دعم تلك الميليشا التي ستكمنها بشكل أو بآخر إلى حكم اليمن.