لم يشرع الله الحد على المرتد
إن أول من وظف الخطاب الاسلامي في المجهود السياسي هو أبوبكر الصديق لمحاربة مانعي الزكاة حيث وظف مصطلح الردة لمقاتلة الممتنعين عن الزكاة في قسمه أمام الصحابة حين قال قولته المشهورة (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه الى رسول الله لقاتلتهم عليه)، لذلك يعتبر ذلك الموقف إجتهاد بشري لاعلاقة له بالتشريع الالهي، بالرغم ما عبر عنه حينها (مالك بن نويره) من قبيلة تميم، الذي وضح أسباب رفض تأديته الزكاة لأبي بكر القرشي، مما يفصح عن صراع إجتماعي وانتمائي بالاعتزاز كل بقبيلته ومكانتنا في المجتمع الذي نعيشه، وقد أعلن أنه بالرغم من رفضه لأداء الزكاة إلا أنه مايزال على دين الاسلام، وبالرغم من ايمانه باتباع محمد عليه السلام، قد تم ضرب عنقه بلارحمة تلك العقوبة لاتتوافق مع حكم المرتد الذي أقره القرآن الكريم في قول الله سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (المائدة:54)، وقول الله سبحانه: ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 217)، ذلك حكم الله وشريعته من أين أتى الفقهاء بأحكام تتناقض كليا مع شريعة الله وهم يقرؤن القرآن ويعرفون مقاصد آياته لخير الانسان وصون حريته في إختيار الدين الذي يقتنع به وما قول الفقهاء في مخاطبة الله لرسوله عليه السلام يعرفه أحكامه في حرية الانسان لاختيار الدين الذي يرتضيه في قوله سبحانه ( وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر) (الكهف: 29)، وقول الله سبحانه في تكليفه للرسول في دعوة الناس للاسلام: (وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ) (يونس:99)، ويؤكد الله سبحانه في حرية إختيار الناس المطلق للدين الذي يتخذونه دون إكراه متحملين نتيجة اختيارهم يوم الحساب عند الله كما قال سبحانه يصف يوم الحساب فيما يلي:
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (الزمر:69)، ثم يبين القرآن الكريم في آياته مهمة الرسول عليه السلام في قول الله سبحانه (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿21﴾ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴿22﴾) (الغاشية:21-22)، كما يوضح القرآن الكريم مسؤلية النبي عليه السلام ( ياَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿46﴾) (الاحزاب:45-46)، فلم يمنح الله رسوله عليه السلام حق التشريع بل كلفه بإبلاغ الناس آياته وأحكامه وشرعته ومنهاجه في مخاطبة الله لرسوله بقوله ( وَإِن ما نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيكَ البَلاغُ وَعَلَينَا الحِسابُ) (الرعد: 40)، ويعرفهم بمقاصد آياته وحكمتها لمصلحة الانسان ومنفعته في الحياة الدنيا ليجزيه يوم القيامة على صالح اعماله بجنات النعيم فلقد عبث المتآمرون بشريعة الله ومنهاجه للانسان التي تقوده الى سبيل الخير والعدل والرحمة والتعاون على البر وتحريم العدوان على الانسان وحرفوها لتحقيق أهدافا خبيثة لهجر القرآن برواياتهم المزورة على الرسول عليه السلام وليس من المستغرب على الذين افتروا على الله ورسوله بأن حرفوا دعوته المكلف بها من ربه ليبلغها للناس بأن يدسوا على الناس رواية عن الرسول مزورة وكاذبة رواها عكرمة عن ابن عباس قال: (قال رسول الله من بدل دينه فاقتلوه)، فلينظر المسلمون كيف افترى المجرمون على الرسول عليه السلام وكيف تنكروا لكل احكام الله وآياته التي منحت كل إنسان حرية الاختيار المطلق لدينه وأن العلاقة بين الله والناس علاقة محصورة بين الله وعباده يحاسب كل إنسان على إيمانه وعقيدته وعمله يوم القيامة ولم يمنح وكالة لأي رسول ينوب عن الله في الأرض بوضع تشريعات من عنده ويحاكم الناس على عقائدهم وشعائرهم الدينية تأكيدًا لقول الله سبحانه مخاطبا ً رسوله عليه السلام: ( رَبُّكُم أَعلَمُ بِكُم إِن يَشَأ يَرحَمكُم أَو إِن يَشَأ يُعَذِّبكُم وَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم وَكيلًا) (الاسراء: 54)، كيف طاوعتهم نفسهم بأن ينسى الفقهاء والرواة إختلاق التزوير على الله ورسوله ألم يؤمنوا بتحذير الله لهم يوم في قوله لهم سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة: 159)، ذلك جزاءهم في الحياةالدنيا والاخرة فمن تجرأ على أحكام الله في شريعته في الذكر الحكيم وبدلها بروايات من عنده فقد كفر بالله واستباح حق الله في أحكامه الذي أكدها الله سبحانه في القرآن الكريم في قوله مخاطباً رسوله الكريم ( قُل إِنّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي وَكَذَّبتُم بِهِ ما عِندي ما تَستَعجِلونَ بِهِ إِنِ الحُكمُ إِلّا لِلَّـهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيرُ الفاصِلينَ) (الانعام:57)، لذلك لايوجد نص في التشريع الإلهي في القرآن الكريم يقر إقامة الحد على المرتد بعدما منح الله الانسان الحرية المطلقة في إختيار الدين الذي يتفق مع قناعاته وأن العبادة هي أمر محصور في علاقة ثنائية بين الانسان وخالقه مؤجل حسابه الى يوم القيامة لعل الانسان يغير رأيه ويعود في حياته الى الايمان بالله الواحد الأحد ويتوب الله عليه وأن ذلك الإختصاص لله وحده لايشاركه احد من عباده فكلهم سيسآء لون يوم الحساب حتى الأنبياء والرسل كما قال سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿43﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿44﴾) (الزخرف:43-44)، وعليه فالله جعل القرآن المرجع الوحيد لاستنباط كل القوانين والتشريعات التي تحقق للمجتمع الانساني الأمن والاستقرار والحياة الطيبة في ظل الرحمة والعدل والحرية والاحسان واحترام حقوق الانسان وعلى رأسها حق الانسان في الحياة دون بغي أوعدوان أو طغيان ليكون آمنا على حياته وحياة أسرته دون خوف أو تهديد يعيش في طمأنينة وسلام.