إلى ماذا تهدف زيارة “بلينكن” و”أوستن” لـ كييف؟
بعد مرور شهرين على بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، وفي محاولة أمريكية جديدة لإثبات دعم واشنطن وتأكيد موقفها المؤيد لأوكرانيا ضد روسيا، ومن أجل الحيلولة دون انتصار روسيا بشكل كامل، أو سقوط العاصمة كييف في يد القوات الروسية، قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد اوستن بزيارة إلى كييف في ٢٤ أبريل، في أول زيارة لمسئولين أمريكيين رفيعي المستوى إلى كييف منذ بدء الحرب، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول الهدف من الزيارة، وتوقيتها، والرسائل التي تبعثها الإدارة الأمريكية من خلالها.
رسائل أمريكية:
من الواضح أنه كان يتم الإعداد لتلك الزيارة في سرية تامة، ولم يتم الإعلان عنها من الجانب الأمريكي مما سبب مفاجأة لدى البعض، لأن من أعلن عن تلك الزيارة، هو الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي قبلها بساعات فقط، ويعتبر هذا الاجتماع هو الأول منذ بداية الحرب بين مسئولين أوكران وأمريكان رفيعي المستوى، حيث عقد آخر اجتماع في ١٩ فبراير الماضي بين زيلنسكي وكمالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي في مؤتمر ميونخ للأمن.
ورغم أن هذه الزيارة قد سبقها العديد من الزيارات من قبل مسئولي الدول الأوروبية على مستويات مختلفة، إلا أن أهمية هذه الزيارة تنطلق من كونها الأولى من نوعها منذ بداية الحرب لمسئولين كبار داخل البيت الأبيض، ولم يتوقع أن يخرج عن كونه تأكيدا للدعم الغربي لكييف، والأمريكي بوجه خاص، كما أنها تمثل إقرارا بمزيد من الدعم على مستويات مختلفة على الأرض وبصورة مباشرة من قبل واشنطن وحلفائها الأوروبيين، والتأكيد على أن واشنطن لن تترك أوكرانيا وحيدة في مواجهة روسيا. كما تشير زيارة وزير الدفاع الأمريكي بالخصوص إلى أن الدعم الأمريكي لم يقتصر على المستوى السياسي فقط، بل والعسكري أيضا، وفي نفس الوقت توصيل رسالة إلى العالم بأن الأوضاع الأمنية مستتبة على الأرض، وهو ما يعنى تقليلا من التقدم الروسي على الأرض، وبناءا على ذلك جاء المسئولان الأمريكيان في خضم الحرب وبصورة علنية، وعليه قال أوستن ” أن ما رأيناه يؤكد أن الأمور في الطريق إلى العودة إلى طبيعتها “، ولهذا أعلنت واشنطن أنها ستعيد الدبلوماسيين الأمريكيين إلى كييف.
كما تشير الزيارة أيضا إلى الإصرار الأمريكي على بقاء العاصمة كييف ضمن السيادة الأوكرانية، وضمان عدم سقوطها في يد القوات الروسية مهما طالت الحرب بدليل أنها لا تزال صامدة طيلة هذه المدة، فمن الواضح أن واشنطن تعمد إلى إطالة أمد الحرب أكثر، من أجل استنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية الروسية، حيث تعهدت واشنطن بتقديم أكثر من ٧١٣ مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا، بالإضافة إلى جمع المساعدات لأوكرانيا من أكثر من ١٥ دولة أوروبية، وأيضا ضمان وصول المساعدات العسكرية إلى كييف.
توقيت لافت:
أتت الزيارة في توقيت لافت بعد أن تأزمت العلاقات الروسية مع عدد من العواصم الأوروبية، فألمانيا على سبيل المثال، قامت بطرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس لديها في بداية شهر أبريل،كما أعلنت ألمانيا التزامها _ بعد تراجعها في وقت سابق _ بإرسال دبابات مضادة للطائرات،الأمر الذي دفع روسيا في مقابل ذلك إلى طرد ٤٠ دبلوماسيا ألمانيا لديها، وإخطارهم بأنهم أصبحوا أشخاصا غير مرغوب بهم. كما طالبت في وقت السابق الدول الأوروبية التي تستورد الغاز الروسي بدفع قيمته بالروبل الروسي، وهو ما رفضته الدول الأوروبية، باستثناء المجر، الأمر الذي استدعى روسيا إلى إعلان قطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا بعد أن رفضتا دفع قيمة بقية عقودهما بالروبل الروسي، الأمر الذي قد يمتد إلى عواصم أوروبية أخرى، خاصة وأن من بينها من يواجه تحديات داخلية بعد ارتفاع أسعار الوقود، مثل بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الذي يواجه تهديدات بالإقالة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي فاز حديثا بانتخابات الرئاسة، ولكنه يطمع في تحقيق انتصار في الانتخابات التشريعية القادمة أيضا.
كما تزامنت الزيارة مع وصول شحنات جديدة من الأسلحة الأمريكية للجيش الأوكراني، وبعد موجة من الانتقادات التي طالت المسئولين الأمريكان داخل الكونجرس بسبب تقاعسهم عن زيارة كييف طيلة تلك المدة، خصوصا بعدما سبقهم في زيارة كييف مسئولون أوروبيون كبار، أمثال رئيس الوزراء البريطاني والرئيس البولندي وغيرهم. وبعد أيام من تعهد بايدن بتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية بقيمة ١.٣ مليار دولار، ليبلغ بذلك إجمالي المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بداية الغزو ما يقارب ٣.٤ مليار دولار. كذلك بعد إعلان روسيا أنها سيطرت على مدينة ماريوبول، ونقل القوات الروسية إلى الأطراف بعد أن انسحبت من محيط العاصمة كييف، وفشلت في السيطرة عليها حتي الآن.
وجاءت الزيارة أيضا قبل أيام من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى موسكو وكييف، بعدما أعلن بلينكن أنه أخطر غوتيريش بإبلاغ رسائل قوية إلى بوتين بشأن الحاجة إلى إنهاء الحرب، وهو نفسه ما دعا إليه غوتيريش خلال زيارته، وجاء الرد الروسي عمليا عليه في أوكرانيا بتوجيه ضربة صاروخية لمباني بالقرب من المناطق التي يتواجد فيها وفد الأمم المتحدة، وهو ما وصف هزيلنسكي بأنه ” إذلال للأمم المتحدة “.
أهداف رمزية:
لا يتوقع أن يتمخض عن الزيارة أي تغير جوهري في موازين الحرب أو نتيجتها أو تعدد أطرافها، ولكنها لن تخرج عن كونها خطوة إضافية في طريق تأكيد الدعم لكييف في حربها ضد موسكو من قبل واشنطن، ورغم أن الزيارة لا تحمل أي جديد لافت بشأن الموقف الأمريكي، ولا يمكنها فرض أي نهاية أو تحول جذري في أحداث ونتائج الحرب، إلا أنها زيارة ذات مغزى هام جدا، ينطوي على تضامن مادي ومعنوي لأوكرانيا، من شأنه إطالة مدة الحرب أكثر وأكثر حتى تتأكد من تهالك القدرات الروسية، وكما أرجع الوزيران الزيارة إلى ضرورة مناقشة كيفية تسليم شحنات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا. إلا أنه لن يغير أيضا من الموقف الأمريكي من التدخل عسكريا بصورة مباشرة في الحرب، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي بنفسه أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، وفي حديث للرئيس الأمريكي جوبايدن للتعليق على الزيارة، كرر تعهداته بعدم الدخول في صراع مباشر مع روسيا، لكنه وعد في الوقت ذاته بأن الولايات المتحدة ستقدم أسلحة إضافية للجانب الأوكراني، وستدافع عن جميع أراضي حلف شمال الأطلسي، كما أمر بإرسال مزيد من القوات الأميركية إلى الجهة الشرقية للحلف لطمأنة الحلفاء، في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات غير مسبوقة على الجانب الروسي.
ولكن، هذه الزيارة من شأنها التأثير على مسار المفاوضات بين موسكو وكييف، وقد تؤدي إلى التراجع بعض الشئ عما تم انجازه في الجولات السابقة من المفاوضات التي عقدت في تركيا، وقبلها في بيلاروسيا، والمنتظرة والتي يتوارد الحديث عنها بين الرئيسين الروسي والأوكراني في تركيا، وقد يكون ذلك هو سبب زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنقرة قبل جولته بين موسكو وكييف، باعتبار أن أنقرة تستضيف المفاوضات بين البلدين، وعلى دراية بملفات كثيرة خاصة بالحرب، وبالتالي قد تكون زيارة غوتيريش لأنقرة بهدف التشجيع على استكمال المفاوضات حال تأثرت بسبب زيارة الوزيرين الأمريكيين إلى كييف، خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن بلاده تدرس مدى تأثير الزيارة على المفاوضات بين بلاده وأوكرانيا، وبعدما أوضح مؤخرا بعدما سؤل عن استكمال المفاوضات مع الجانب الأوكراني، أنه لا يوجد شئ جديد يستحق عقد لقاء جديد للمفاوضات في إسطنبول حتى الآن.
ورغم ذلك هناك رأي آخر، يري أن التطورات الحاصلة بشأن التدخل الأمريكي قد تعجل بجولة أخري من المفاوضات، وإن لم يتم عقدها سريعا في محاولة من الجانب الروسي للضغط على أوكرانيا التي لطالما حاولت عقد لقاء بين الرئيسين، فمن المؤكد أنه سيتم مناقشة تطورات الدور الأمريكي في الجولة القادمة من المفاوضات أيا كان موعدها، هذا بالطبع دون إغفال النقاشات التي ستجري خلف الكواليس في هذا الشأن.
وفي النهاية يمكن القول، أن زيارة وزيري الخارجية والدفاع إلي أوكرانيا ما هي إلا محاولة لدرء الانتقادات عن واشنطن في الداخل والخارج بالتقاعس عن دعم كييف. ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الحرب وبدون سقوط العاصمة كييف يأتي في صالح واشنطن، المستفيدة من التعرف على القدرات العسكرية وكل ما هو جديد لدي الجيش الروسي، وبالتالي إنهاكه عسكريا، وضمان استمرار العقوبات الاقتصادية للتضييق على بوتين، ولكن من المتوقع أن يكون الهدف من الزيارة ضمن هذا الإطار فحسب، ولن يصل الأمر إلى درجة تغير جذري في مجرى الحرب الدائرة منذ شهرين.