كيف تتدخل “إيران” في الانتخابات اللبنانية المقبلة؟

نورا فايد- باحثة مشارك بالمركز.
تسعى “طهران” من خلال الانتخابات اللبنانية المقبلة إلى أن تصبح لاعباً مؤثرا في صناعة القرار داخل مؤسسات الدولة اللبنانية، حيث تشير العديد من التقارير إلى أن إيران جهزت دعم لحزب الله في الانتخابات المقبلة متعدد الأوجه (مادياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً) من أجل تحقيق الحزب لأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، واستخدامه كورقة ضغط داخل النظام اللبناني، بهدف تنفيذ المخطط الشيعي الإيراني الهادف إلى تدمير المجتمعات العربية بالطائفية والفساد وإضعاف البنية التحتية، خاصة أن نتائج تلك الانتخابات ستقلب الموازين الداخلية والخارجية، فأما أن تصعد بلبنان إلى القمة أو تتركه في القاع المظلم، وتحديدًا إذ فاز ذراع نظام الملالي بها وسيطر على مجلس النواب اللبناني هذه المرة كما حدث في انتخابات 2018.
يذكر أن الانتخابات النيابية اللبنانية التي ستجري في 15 مايو المقبل، يتنافس فيها 1043 مرشحًا من قادة الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، يأتي من أبرزهم وأهمهم “حزب الله اللبناني” (ذراع إيران داخل الأراضي اللبنانية). كما تجري الانتخابات النيابية اللبنانية كل أربع سنوات ويتنافس المرشحين على 128 مقعدًا برلمانيًا، مقسمين وفقاً للنظام الانتخابي الحالي إلى 28 للسنة، 28 للشيعة، 8 للدروز، و34 للموارنة، و14 للأرثوذكس، و8 للكاثوليك، و 5 للأرمن، ومقعدين للعلويين، ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
وسائل الدعم الإيراني:
تؤكد الكلمات التي أطلقها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني «قاسم سليماني» في يونيو 2018 بعد فوز حزب الله بالأغلبية في مجلس النواب اللبناني- على أهمية الانتخابات النيابية اللبنانية بالنسبة للنظام الإيراني، خاصة وأن “سليماني أعرب في ذلك الوقت عن سعادته، قائلًا، إن “الانتخابات التي أجريت في لبنان تمثل انتصاراً كبيرًا لـ “حزب الله” الذي تحول من حزب مقاوم إلی حكومة مقاومة”؛ وعلى ذلك وبناء على أهمية الانتخابات اللبنانية المقبلة بالنسبة للنظام الإيراني، فإنه سيبذل أقصي طاقته وسيسخر جميع موارده من أجل دعم ذراعه اللبناني للفوز بتلك الانتخابات، ولعدم تكرار سيناريو خسارة الميليشا الموالية له في بلاد الرافدين للانتخابات البرلمانية العراقية أكتوبر 2021، كما يلي:
(*) دعم مالي، بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها إيران جراء العقوبات الأمريكية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الإيراني وعملته المحلية وفشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا حتى الآن في التوصل لحل يقضي برفع واشنطن العقوبات عن إيران؛ فإن نظام ولاية الفقيه سيقدم الدعم المالي لحزب الله للإنفاق على حملته الانتخابية المقبلة، وبالفعل كشفت عدد من وسائل الإعلام الإيرانية أن الحزب طلب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني «علي خامنئي» خلال الأيام الماضية، زيادة المخصصات المالية المقدمة للحزب بنحو 25 مليون دولار، لدفع تكاليف الحملة الانتخابية وتقديم الموارد المالية اللازمة للشخصيات المتحالفة مع الحزب.
(*) دعم إعلامي، من المحتمل أن تشن وسائل الإعلام التابعة لإيران في لبنان والناطقة بلسان حزب الله، كـقنوات “العالم، المنار، والميادين”، حملة إعلامية لدعم المرشحين الموالين للحزب في تلك الانتخابات، وتهديد أصحاب الرأي المعارضة لنفوذ الحزب في لبنان، وستعتمد إيران بشكل رئيس على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل توجيه رسائل التهديد المبطّنة للمعارضين لسياسة الحزب اللبناني ومليشياته، ومحاولة إقناع اللبنانين أن فوز حزب الله بتلك الانتخابات من مصلحة لبنان، لانقاذ اقتصادها المنهار ومحاربة أمريكا وإسرائيل.
(*) دعم سياسي، بعد أسبوع من غلق باب الترشيح للانتخابات اللبنانية في 15 مارس الماضي، قام وزير الخارجية الإيراني «حسين أمير عبداللهيان» بزيارة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، والتقى بالأمين العام لمليشيا حزب الله «حسن نصر الله»، من أجل إيصال عدد من الرسائل السياسية لطمأنة الحزب اللبناني، من أهمها أنه في حال نجاح مفاوضات فيينا النووية وعقد طهران اتفاق نووي مع واشنطن، فإن ذلك لن يغير من موقف النظام الإيراني الداعم لحلفائها بدول المنطقة، وأنه سيظل يطالب برفع حزب الله من لائحة الإرهاب الأمريكية، والتأكيد على دور إيران المستقبلي داخل الساحة اللبنانية وخاصة في الانتخابات النيابية، وأن طهران ستقف بجانب حزب الله حتي يفوز بالانتخابات المقبلة.
(*) دعم عسكري، من المعروف أن القدرات العسكرية التي يمتلكها حزب الله يعود الفضل فيها في المقام الأول إلى إيران، حيث ساهم ذلك الدعم في امتلاك الحزب لترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية والصواريخ المضادة للطائرات والسفن والطائرات المسيرة، مع اقتراب الانتخابات اللبنانية، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 23 أبريل الجاري، أن حزب الله اللبناني، أنشأ بإشراف خبراء من الحرس الثوري الإيراني، ورشاً لتصنيع صواريخ وصيانة طائرات مسيرة وأسلحة في ثاني أكبر مستودع أسلحة سوري في حمص.
براغماتية حاكمة:
تقوم سياسة حزب الله في معركته الانتخابية على “مبدأ البراغماتية”، وإبعاد كل من يهدد فرص حصول الحزب على الغالبية في الانتخابات المقبلة، ولذلك يقدم الحزب بتوجيه من إيران، لمرشحيه الدعم الإعلامي والمالي في مقابل سكوت المرشح عن تمزيق الحزب لسيادة الدولة اللبنانية، وهذا يؤكد تخوف الحزب والنظام الإيراني هذه المرة من خسارته بتلك الانتخابات خاصة في ظل تراجع مكانته بين اللبنانيين الذين يعانون من تدهور لأوضاعهم المعيشية والاقتصادية جراء فشل الحزب في إدارة شؤون البلاد خلال السنوات الماضية وهو ما أدي مؤخرًا لإعلان لبنان عن إفلاسها.
وما يؤكد تلك السياسة أيضًا، قيام حزب الله بطرد العديد من المرشحين الموالين لسوريا من القوائم الانتخابية، مثل أمين عام حزب البعث في لبنان «علي حجازي» في بعلبك الهرمل أو «وليد سكريه» في بعلبك الهرمل، وذلك على خلفية التقارب بين سوريا وبعض دول الخليج وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في مارس الماضي، وهي أول زيارة له إلى دولة عربية منذ عام 2011، إذ تتخوف إيران وحزبها من أن يؤدي التقارب الخليجي مع سوريا إلى تقليص النفوذ الإيراني في لبنان، وتأثير ذلك بالسلب على فوز الحزب بالانتخابات من خلال قيام حلفاء دمشق في لبنان بتشكيل كتلة برلمانية مستقلة عن حزب الله قد لا تنحاز إلى الحزب الشيعي في التصويت على عدد من القرارات الرئيسية، مثل اختيار رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية.
انعكاسات محتملة:
يرجح بعض المقربين أنه لو فاز الحزب الموالي لإيران بالأغلبية في مجلس النواب، فإنه سيواصل سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية، وفي حال خسر فإن زعيمه “حسن نصرالله” سيخرج ليقول للبنانيين إن البلاد لا تخضع لحكم الغالبية لأنها “ديموقراطية توافقية” وسيلغي نتائج الانتخابات؛ فإن التساؤل الرئيس الذي يطرح نفسه هنا، هو: ماذا لو سيطر حزب الله على مجلس النواب اللبناني؟، وما تأثير ذلك على مستقبل الحكومة اللبنانية الجديدة؟.
وللإجابة عن السؤال السابق وكشف ألاعيب طهران” وانعكاساتها المحتملة، تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات النيابية اللبنانية تعد مختلفة هذه المرة، نظرًا لكونها تأتي بعد الحراك الشعبي الذي شهدته لبنان في أكتوبر 2019 والذي رفع فيه المتظاهرين مطالب بضرورة تنحي النظام الحاكم وإجراء إصلاحات جذرية في مفاصل الدولة اللبنانية، وكذا بعد الانفجار الضخم الذي شهده مرفأ بيروت في أغسطس 2020، وتوجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله اللبناني، كما شهدت ظاهرة غير مسبوقة، متمثلة في انضمام 26 مرشحا من الإعلاميين والصحفيين إلى اللوائح الانتخابية، تأسيساً على ما سبق يمكن تحد يد مجموعة من المؤثرات التي ربما تحدد شكل وملامح نتائج الانتخابات المقبلة، وبالتبعية انعكاساتها المحتملة، وذلك على النحو التالي:
(&)عزوف التيار السني: من أبرز الأحداث التي ستؤثر بالطبع على نتائج تلك الانتخابات وسترسم ملامح الحكومة الجديدة وستحدد شكل البرلمان المقبل، هو إعلان التيار السني “تيار المستقبل” برئاسة سعد الحريري، عدم خوضه تلك الانتخابات، وعزوف أي قيادة سنية كرئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي، والسابق فؤاد السنيورة، عن المشاركة، وهذا الواقع الغير مسبوق قد يصب في مصلحة تحالف حزب الله سياسيًا، الذي من الممكن أن يحصل على بعض مقاعد الطائفة السنية ضمن كتلته النيابية.
وفي حال وقع ذلك فمن المتوقع أن يكون في البرلمان المقبل فريق قوي مؤلف من حزب الله وحليفيه حركة أمل والتيار الوطني الحر (ممثل حزب الله في الشارع المسيحي)، وهو ما يضع قوي المعارضة المكونة من تحالف حزب القوات اللبنانية برئاسة «سمير جعجع» والحزب التقدمي الإشتراكي” في تحد كبير، هذا بجانب ما كشفته تقارير إعلامية عن أطماع “حزب الله” في السيطرة على نصف المقاعد المخصصة للدروز في البرلمان.
(&) حسابات “المساعدات” الأمريكية: يبقي الشعب اللبناني أمام خيارين لتحديد مصيره فيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية، أولهما أنه في حال زاد اللبنانين من معارضتهم لحزب الله الذي يهيمن على سياسات بلادهم، في هذه الحالة متوقع أن تتدفق المساعدات الخارجية الأمريكية إلى الحكومة اللبنانية وسيتم إعادة تخصيصها بطرق تتصدي لنفوذ إيران، وستوجه بعيدًا عن السلطات والأجهزة الخاضعة لتأثير حزب الله. أما الخيار الثاني، أن تقوم واشنطن بالسير على النهج ذاته بفرض عقوبات على شخصيات لبنانية تنفذ أجندة وكيل إيران الإرهابي داخل أروقة الحكم اللبناني، حيث سبق وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن “العقوبات تأتي للتضامن مع الشعب اللبناني الذي يطالب منذ مدة بالشفافية ووضع حد للفساد والمفسدين وإنقاذ لبنان من المشروع الإمبراطوري الإيراني”.
(&) عزلة خارجية وهيمنة إيرانية: فوز حزب الله بالانتخابات النيابية وسيطرته على الحكومة اللبنانية، سيزيد من النزيف اللبناني، وستتوالي الضربات على الشعب اللبناني ما بين أزمة مالية واقتصادية عميقة مصحوبة بكل أشكال الفساد، وعزلة خارجية ستؤثر بالسلب على المجتمع اللبناني وستعزز من فرص هيمنة النظام الإيراني على أجهزة صنع القرار داخل لبنان، ومن أجل هذا على الجهات الفاعلة الأجنبية الضغط على الحلفاء السياسين الموالين لحزب الله والمنفذين لأجندته السياسية وعلى رأسهم الرئيس اللبناني “ميشال عون” خاصة إذ سمح لإيران ووكيلها بأن يفعلا أمورهما بحرية في لبنان.
(&) توسع النفوذ الإيراني داخل سوريا: سيترتب على فوز حزب الله بالانتخابات النيابية استمرار الانخراط العسكري داخل سوريا بالتنسيق مع إيران، إذ تعتمد طهران بشكل مستمر على الحزب اللبناني من أجل استخدام الأجواء اللبنانية لتنفيذ ضربات على مواقع الجيش الإسرائيلي داخل سوريا.
في النهاية يمكن القول، إن حسابات إيران المقدرة بدقة من الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة ستجعلها تقاتل بقوة من أجل تثبيت أركان حزب الله داخل البرلمان، وبالتالي تثبيت أركانها بين الفواعل الرئيسية في مؤسسات صنع القرار اللبنانية، وهو ما قد ينعكس بالسلب سواء على أداء البرلمان اللبناني أو على مستقبل الحكومة المقبلة.