السيناريو المحتمل في اليمن بعد تشكيل المجلس الرئاسي
في السابع من أبريل2022، سلّم الرئيس اليمني السابق “عبد ربه منصور هادي”، صلاحياته كاملة إلى مجلس قيادة رئاسي، يتولى إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا، وتيسير ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها، وذلك ضمن مساعي إعادة تشكيل المشهد السياسي اليمني، وتوحيد الصفوف في مواجهة الحوثيين.
وعلى ما سبق، وفي ظل الضغوط الاقتصادية التي يشهدها الداخل اليمني- هل يمكن أن يؤدى تسليم الرئيس اليمني السابق “عبد ربه منصور هادي”، صلاحياته كاملة إلى مجلس قيادة رئاسي، يتولى إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا إلى حلحلة الأزمة اليمينة، ووضع حد للصراع الدائر منذ أكثر من سبع سنوات؟.
قراءة للمشهد:
تولى الرئيس السابق “عبد ربه منصور هادي”، السلطة؛ لقيادة مرحلة انتقالية مدتها عامين، بعد استفتاء تم عام 2012، في إطار المبادرة الخليجية التي طرحت عام2011، والتي ساهمت في انتقال السلطة من نظام الرئيس “على عبد الله صالح”، إلى حكومة شرعية لمرحلة انتقالية لمدة عامين، إلا أن التحديات الكبيرة؛ التي واجهها الرئيس السابق “منصور هادي” وحكومته، حالت دون إنجاز المرحلة الانتقالية بالشكل المخطط له.
حيث يعاني اليمن من أزمات مزمنة، وحالة من الفوضى والصراعات المستمرة، التي ساهمت إلى جانب عوامل أخرى في عدم تمكن الرئيس السابق “منصور هادي”، من فرض سلطته على اليمن، وفقدان حكومته السيطرة على الأوضاع المتفاقمة بشكل متزايد، فضلاً عن التداعيات السلبية لسيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014، بمساعدة وحدات الجيش الموالية للرئيس “عبد الله صالح”، والتي دفعت المملكة العربية السعودية إلى تشكيل تحالف لدعم الحكومة الشرعية في مارس عام 2015، ضمن مساعي الحفاظ على الشرعية، والحيلولة دون استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن.
إلا أن الأوضاع اتجهت إلى المزيد من التدهور، فقد وجّه تنظيم القاعدة في اليمن؛ العديد من الضربات إلى القوات الحكومية، كما تفاقمت النزعة الانفصالية للجنوبيين، واتسعت المواجهات مع الحوثيين، الذين تمكنوا من اعتقال الرئيس “منصور هادي” نفسه أوائل عام 2015؛ غير أنه تمكن من الهرب إلى مدينة عدن الجنوبية، التي انتقلت إليها الحكومة الشرعية، إلا أن ذلك أدى لوجود صراع على السلطة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي،فنقل التحالف الرئيس السابق “منصور هادي”، إلى الرياض، الذي ظل بها إلى أن سلم السلطة للمجلس الرئاسي الجديد بداية ابريل 2022.
وفي 5 نوفمبر 2019، تم وقد تم توقيع اتفاق المصالحة، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، فيما عرف بـ “اتفاق الرياض”، حيث جرى بموجبه تقاسم السلطة، وتشكيل حكومة جديدة تضم المجلس، غير أن التطورات التي شهدها اليمن خلال السنوات الأخيرة، واستمرار الإخفاق السياسي والعسكري للرئيس هادي وحكومته، دفعت دول التحالف بالبحث عن حلول جديدة للخروج من حالة الركود والجمود الذي أصاب المؤسسة الرئاسية، ودفعوا بإجراء مشاورات يمنية بالرياض، أفضت إلى تسليم الرئيس السابق “منصور هادي”، السلكة إلى المجلس الرئاسي، الذي تشكل في إطار مخرجات مشاورات الرياض، والتي جاءت تزامنت مع هدنة اقترحتها الأمم المتحدة، وقبلتها الأطراف المتحاربة، تستمر لمدة شهرين؛ بداية من 2 أبريل 2022 وتنتهي في 2 يونيو 2022، قابلة للتمديد، بهدف توفير بيئة مواتية للتوصل إلى تسوية سلمية.
آمال معقودة وتفاؤل حذر:
جاء تشكيل المجلس الرئاسي الجديد، بعد مشاورات يمنية – يمنية استضافتها الرياض، وبرعاية مجلس التعاون الخليجي، أعلن عنها في 17 مارس 2022، وعقدت خلال الفترة من 29 مارس إلى 7 أبريل 2022، بهدف بحث مستقبل الأزمة، بمشاركة كافة الأطراف المعنية، وحث جميع الأطراف اليمنية، على قبول وقف شامل لإطلاق النار، والدخول في مشاورات سلام برعاية الأمم المتحدة وبدعم خليجي.
وقد أكد الرئيس السابق ” منصور هادي”، على أن المجلس الجديد مكلّف بـ”التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي”، فيما قال رئيس المجلس “رشاد العليمي”، إن “المجلس سيعمل على إنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن”، لا سيما وأن المجلس؛ الذي يمثل كافة الكيانات التي تعبر عن أبناء اليمن بمختلف أطيافهم”،”تم فيه اجتماع الكلمة ورص الصفوف وتوافقت فيه كافة القوى السياسية في سعياً منها لإنهاء الحرب وبناء السلام”.
وما بين تفاؤل وتشاؤم وترقب لما ستشهده المرحلة القادمة؛ يأمل اليمنيون بأن ينجح المجلس الرئاسي الجديد في إنهاء الصراع اليمني، والشروع في عملية سياسة؛ تعيد الاستقرار إلى اليمن، وتمكن من معالجة الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب اليمني منذ عام 2011، إلا أن السؤال المثار، يرتبط بفرص نجاح المجلس الرئاسي في حل الأزمة اليمنية؟.
عوامل النجاح واحتمالات الإخفاق:
لعل من أهم العوامل الداعمة والمعززة لفرص المجلس الرئاسي في تحقيق هدفه، هي طبيعة مكوناته، التي تجمع مختلف الكيانات الاجتماعية والسياسية الرئيسية في اليمن-باستثناء الحوثيين- حيث يضم: رئيس المجلس “رشاد العليمي”، وزير داخلية سابق من مدينة تعز،حليف لحزب الإصلاح، و”سلطان العرادة، محافظ مأرب، وهو متحالف مع كتلة الإصلاح السياسية الرئيسية، و”عبد الله العليمي”، عمل مديرا لمكتب الرئيس السابق “هادي”، وعضو في حزب الإصلاح، “عيدروس الزبيدي”، وهو رئيس للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، “طارق صالح”، ابن أخو الرئيس السابق “علي عبد الله صالح”، و”فرج البحسني”، محافظ حضرموت، “عبد الرحمن المحرمي”، قائد ألوية العمالقة”، و”عثمان مجلي”، وهو زعيم قبلي من صعدة، وعضو في حزب المؤتمر الشعبي العام.
أيضاً تمثل الوضعية التشاركية للسلطة وتقاسم المسؤولية، وفق ما تم الاتفاق عليه عامل مساعد في وقف الصراع والاقتتال الذي جرى بين بعض القوة المنضوية بهذا التحالف، وهذه الوضعية تمنع احتكار السلطة والحرص على المشاركة في العملية السياسيةـ وعملية اتخاذ القرار دون إقصاء ويمكن الاعتماد عليه في بناء مشروع وطني قادر على إحداث التوافق بين مختلف المكونات اليمنية ضمن شراكة وطنية حقيقية تسمح لكافة الأطراف بالمشاركة في العملية السياسية، لا مغالبة لطرف على حساب باقي الأطراف.
الإجماع على هدف أساسي؛ يتمثل في مواجهة الحوثيين، سواء سياسيا أو عسكريا، للوصول إلى حل دائم للأزمات المعقدة التي تشهدها اليمن، في ضوء تصميم الجماعات المتحالفة ضمن المجلس الرئاسي على مواجهة الحوثيين، والذي يشكل المزيد من الضغط على الحوثيين، لا سيما إذا ما نجحت القوات الحكومية في تحقيق مكاسب عسكرية، وأجبرت الحوثيين على التراجع على مختلف الجبهات، انحصار الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وهو ما يزيد احتمالات القبول بالتفاوض والرضوخ لعملية تسوية سياسية تضمن لهم التواجد بالسلطة؛ خاصة إذا شعر الحوثيون بعدم تمكنهم من إنهاء هذا الصراع لصالحهم.
تحديات محتملة تواجه المجلس الرئاسي:
لا شك أن هناك العديد من التحديات التي تواجه المجلس الرئاسي، وتعيقه عن تحقيق أهدافه، في ظل أوضاع في غاية الصعوبة يشهدها اليمن، والتي لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها، سواء مساعي وقف العنف وِإنهاء حالة الحرب والدخول في مفاوضات وعملية تسوية السياسية، أو معالجة الأوضاع الإنسانية المتردية في اليمن والتخفيف من معاناة الشعب اليمني، ومن أبرز هذه التحديات، ما يلي:
(*) استمرار رفض الحوثيون المشاركة في العملية السياسية وتفضيل الحلول العسكرية، إذا سبق ورفضوا أكثر من مرة الدخول في حوار مع الأطراف اليمنية، ومؤخراً رفضوا المشاركة في مشاورات الرياض، وتجاهلوا مخرجاته؛ الأمر الذي يصعب من مهمة المجلس الرئاسي في مسعاه نحو استعادة الاستقرار على المدى المنظور، فبرغم أن المجلس يضع السلام أولوية، إلا أنه مطالب في الوقت ذاته بالاستعداد لزيادة حدة المواجهات العسكرية مع الحوثيين، فمن غير المرجح قبول الحوثيون بالمفاوضات التي لا تلبي شروطهم، وإن كانت الحالة التي تدفعهم للانفتاح على العملية السياسية، ترتبط بهزيمتهم العسكرية، أو ما يأتي اتساقاً مع الرغبة الإيرانية في ضوء المساومات الإيرانية حول الملفات الإقليمية، خصوصاً وأن الحوثيين لا يمكنهم اتخاذ مثل هكذا قرار بشكل منفرد.
(*) برغم توافر الإرادة السياسية لدى القوى السياسية اليمنية المشكلة للمجلس الرئاسي، إلا أن الإشكالية المهمة هي كيفية دمج جميع القوات العسكرية والمليشيات المسلحة ضمن قوات الجيش اليمني، وتحت قيادة وزارة الدفاع، وهو أمر يتطلب زيادة حالة الثقة بين القوى المتحالفة، لا سيما وأن الوضع الجديد يتطلب تقديم تنازلات كانت بالأمس تبدو صعبة، الأمر الذي يضع تلك القوى، بل والمجلس ذاته أمام اختبار حقيقي.
(*) القدرة الفعلية على إجراء إصلاحات مؤسسية في هيكلية الحكومة الشرعية، تمكنها من العمل لصالح الدولة اليمينة، وليس لخدمة المشاريع السياسية والأجندات الخاصة للقوى السياسية، ولعل ذلك يتوافق مع ما أكد عليه رئيس الوزراء اليمنى “معين عبد الملك”، السبت 9 أبريل 2022، من أن “موضوع التغيير في الحكومة سيكون قابلا للنقاش، خاصة وأن التغييرات التي تمت؛ تساعد على استيعاب الجميع وتقوى الشرعية، موضحاً أن هناك تحركات لإعادة تنظيم وهيكلة الجانبين الأمني والعسكري”.
(*) المحافظة على استمرار حالة من التوافق والانسجام بين أعضاء المجلس والقوى السياسية الممثلة به والمشكلة له، حدوث نزاعات داخل المجلس الرئاسي، بما يؤدي إلى تصدع التحالف، لا سيما وأن تجارب المجالس الرئاسية السابقة في اليمن أخفقت في الاستمرار، فقد تشتعل الصراعات الداخلية والنزاعات التي تفضي إلى إنهاء دور المجلس الرئاسي، في حين تمكن المجلس من المحافظة على استمرار قوة التحالف المشكلة له، لا شك أنه سيقود إلى محاصرة الحوثيين، لا سيما إذا نجحت القوات الحكومية في تغيير ميزان القوى لصالحها، وتضييق الخناق على عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين، ومحاولة تحرير المناطق التي يسطر عليها الحوثيين.
(*) تضارب المصالح بين القوى السياسية اليمنية المشكلة لتحالف المجلس الرئاسي، استنادا إلى الخلفيات السياسية غير المتجانسة لأعضائه، الذين ينتمون لجماعات لها مشاريع سياسية متباينة، وأحياناً تبدو متضاربة، وهو ما قد يشكل عائقاً أمام حالة التوافق التي تم خلالها تغليب المشروعات السياسية المتعددة، لصالح مشروع الدولة الواحدة.
استنادا إلى ما سبق؛ فإن مستقبل المجلس الرئاسي، ونجاحه في تحقيق أهدافه؛ يظل رهناً بالطريقة التي سيدير بها البلاد، ومدى تلافي السلبيات التي شابت إدارة الرئيس “منصور هادي” وحكومته، وتمكنه من إحراز تقدم على الأرض، سواء على جبهات القتال، أو بدء عملية سياسية فاعلة، أو معالجة الأوضاع التي يعاني منها اليمنيين.
ولكي يتمكن المجلس الرئاسي من تحقيق تغيير حقيقي في المشهد اليمني، فهو بحاجة إلى تعزيز فرص توحيد القوى، وحيازة الدعم الشامل، على المستوى الداخلي من كافة أطياف الشعب اليمني والفصائل اليمنية والقوى السياسية، وكذلكالدعم الخارجي،عسكرياً كان أو اقتصادياً أو سياسياً، فمواجهة الحوثيين، وإجبارهم على التفاوض ووقف الصراع، تتوقف على امتلاك المجلس الرئاسي أدوات القوة التي تساعده من ذلك، وحيازة المزيد من الدعم الشعبي، ودول التحالف والمجتمع الدولي.
بالنهاية، يبدو أن اليمن مقبل في الفترة القادمة على مرحلة لا تقبل التعثر، فإخفاق المجلس الرئاسي في مهمته؛ يزيد من تفاقم حالة الصراع وإطالة أمده، في الوقت الذي لا تقبل الأوضاع في اليمن بالمزيد من الفشل، وإلا تحولت اليمن إلى مأساة حقيقية-إن لم تكن هي كذلك بالفعل- فقد أوقعت الحرب آلاف الضحايا من القتلى والمصابين، ودمرت البنية التحتية، وقوضت كل جهود الدولة والحكومة الشرعية، فضلاً عن تشريد الملايين من أفراد الشعب اليمني؛ الأمر الذي يجعل من مهمة المجلس الرئاسي في إنهاء هذا الصراع، مهمة صعبة، وإن كان وقف الحرب في اليمن يمثل ضرورة حتمية، في ظل هذا الوضع “البائس”، الذي لا شك يخرج فيه جميع الأطراف اليمنية خاسرون!!.