المرحلة الأخيرة: لمن تلجأ ” النهضة” في أزمتها مع “سعيد”؟
في العاشر من أبريل الجاري دعت حركة النهضة إلى تظاهرات انتهت بالفشل، حيث طالبت الحركة أنصارها بالوقوف أمام المسرح البلدي بالعاصمة التونسية، بهدف الاحتجاج على قرار الرئيس قيس سعيد الصادر في الـ 30 من مارس الماضي بحل البرلمان “مجلس نواب الشعب”.
وعليه، في ظل عدم جدوى الصورة التقليدية للاحتجاجات –دعوة الشارع للتظاهر السلمي- التي استخدمتها “النهضة” للاعتراض على الخريطة السياسية التي أعلنها الرئيس التونسي، يُطرح التساؤل التالي، وهو: إلى من تلجأ الحركة في المرحلة التالية لحلحلة أزمتها مع “سعيد”؟، وهل مرحلة العنف ما زالت ممكنة أمام إخوان تونس في حالة فشل أصدقاء الحركة في الداخل والخارج بإقناع الرئيس “قيس” على الأقل ببقاء حزب الحركة ومشاركته في الانتخابات المقبلة؟.
تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة تعامل حركة النهضة التونسية مع قرار الرئيس”قيس” بحل مجلس نواب الشعب التونسي، ومن ثم توقيت استدعاء الحركة لأصدقائها من الداخل والخارج لتحقيق أي مكاسب ممكنة، وحدود الاستفادة من مرحلة الاستعداء التي ربما تسبق استخدام الحركة للعنف في حالة تفكيك ذراعها السياسي، وتصنيفها كجماعة إرهابية مثل الحالة المصرية.
تعامل “النهضة”:
تعاملت حركة النهضة (إخوان تونس) مع القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الـ 25 من يوليو 2021، بطريقتين مختلفتين من أجل تحقيق أي مكاسب ممكنة منذ التاريخ المذكور حتى الآن، وهما:
(*) الطريقة الأولي،: هي، “المرواغة باستدعاء السليمة”، وهذا تمثل في محاولتها بالاعتراف بأخطائها في إدارتها للبلاد أمام الشعب التونسي، وذلك يعتبر وفقا للمراقبين مساراً برجماتياً واضحاً سلكته الحركة من أجل الاستفادة من مبدأ المظلومية الذي يضيف لأنصارها عدداً من الشعب التونسي غير المؤدلج.
يذكر أن حركة النهضة التونسية لجأت إلى المراوغة باستدعاء السلمية والتظاهر بالشعور بالذنب وجلد الذات أكثر من مرة منذ ثورة الياسمين عام 2011، ربما كانت المرة الأولى في عام 2016، وبالتحديد في مؤتمرها العاشر المنعقد في مايو من ذات العام، التي تمكنت “النهضة” من خلاله الهيمنة على البرلمان لفترتين متتاليتين، حيث أعلنت الحركة في هذا المؤتمر الدوري لها عن الفصل بين مؤسسات الدعوة وغيرها من النشاطات الاجتماعية وبين الحزب السياسي، وأيضا تخليها تماما عن مشروع الخلافة الإسلامية، واستبداله بترسيخ المواطنة والحرية والمسئولية، وإن كان هذا لم يحدث، فأثناء تلك الفترة قام الغنوشي مستخدما مبدأ المراوغة في كتاباته منتهجا غياب أي تفصيل شرعي لإقامة الدولة الإسلامية، بل ذهب إلى نحو مقاربة مختلفة تعتمد مبدأ الضرورة الاجتماعية لا الوجوب الشرعي المؤسس للنص. أما المرة الثانية، التي لجأت فيها الحركة للمراوغة باستعداء السلمية، والتظاهر بالشعور بالذنب، فكانت بعد تعطيل العمل بالبرلمان يوليو 2021، حيث أصدرت “النهضة” بيان وقع عليه 130 عضواً منها، تحت عنوان “تصحيح المسار”، وقد دعا الموقعون على هذا البيان (والذين تضمنوا أعضاء من المكتب التنفيذي لحركة النهضة وأعضاء من مجلس الشورى للحركة فضلاً عن 5 نواب من البرلمان) قيادة الحزب إلى “تحمل المسئولية كاملة بشأن التقصير في تحقيق مطالب الشعب وتفهم حالة الغليان والاحتقان”، كما طالب البيان بضرورة حل المكتب التنفيذي للحزب، معربين عن اقتناعهم بأن سياسات الحركة فشلت في الاستجابة لمطالبات الشعب.
(*) أما الطريقة الثانية التي تعاملت بها “النهضة” مع قرارات “قيس” الاستثنائية،: هي” التهديد الدائم بنزول الأنصار للشارع”، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصفحة الرسمية لحركة النهضة على فيس بوك احتوت على أكثر من 25 دعوة للنزول للشارع والتظاهر ضد رئيس الجمهورية، وكان نص الصيغة الثابتة لدعوة التظاهرات في شارعي محمد الخامس (مدينة الثقافة) وأمام المسرح البلدي بالعاصمة، والمنشورة على صفحة الحركة، هو” تدعو حركة النهضة كل مناضليها للمشاركة بقوة في الوقفة الاحتجاجية”. وبالتالي يمكن القول إنه إذا كانت الحركة في تعاملها مع قرارات “سعيد” الاستثنائية اتبعت مساراً سلمياً حتى الآن، يجمع بين المراوغة باستدعاء السلمية والتظاهر بالشعور بالذنب (تنازلات مستمرة) أو التهديد بنزول الأنصار للشارع (احتجاجات سلمية)- فإن هذا لا يعني أن النهضة استسلمت بالكامل لخارطة قيس سعيد، بل أنها تؤجل الجانب المظلم في تحركاتها إلى حين وانتظاراً لما تبقى في جوبعة قيس سعيد نحوها، وأيضا في حالة فشل مرحلة استعداء الأصدقاء سواء من الداخل أو من الخارج.
مرحلة الاستدعاء:
يمكن وصف المرحلة التي تسبق ارتكاب حركة النهضة للعنف وقيام الرئيس “قيس” باتخاذ القرار الأخير الذي يوصف بالزلزال السياسي (حل حزب حركة النهضة)، بمرحلة الاستدعاء، وهنا نفصد بالاستدعاء، استخدام وسطاء من الداخل (قوى سياسية منافسة ذات تأثير) أو من القوى الدولية الصديقة (دوائر السياسية الخارجية لحركة النهضة-أي أصدقاء الحركة). وهنا يجب التأكيد على أن “النهضة” ستعمل على ترويج أي مبادرات تطلقها قوى سياسية، وتجد فيها متنفس البقاء والاستمرار كفاعل سياسي في العملية السياسية المقبلة، تضمن من خلالها على الأقل عدم حل حزب الحركة ومشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراءها في ديسمبر المقبل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحركة بدأت تروج لاستدعاء مبادرات الأصدقاء، ففي الـ 14 من أبريل الجاري نشرت الحركة على صفحتها الرسمية على فيس بوك، “ثمن المكتب التنفيذي لحركة النهضة، مبادرة السياسي ورئيس الهيئة السياسية لحركة أمل، نجيب الشابي الداعية إلى تشكيل جبهة سياسية واسعة”.
أما مسار استدعاء أصدقاء الخارج الذي تنوى له النهضة خلال الفترة المقبلة، فقد يكون تعرض لصدمة حدت من حدود الاستفادة منه، وذلك بسبب استعجال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخل، وهجومه في 30 مارس الماضي على قرار قيس سعيد بحل البرلمان، واعتباره بمثابة إساءة للديمقراطية وضربة لإرادة الشعب التونسي، وهو ما جعل من الرئيس التونسي يستبق ويحد من تدخلات خارجية أخرى في شأن إدارته للمرحلة التي يصفها بالانتقالية، حيث جاء رده قاسياً على أردوغان، قائلاً عبر قنواته بلاده الرسمية “نحن أيضاً لنا سيادتنا واختياراتنا بناء على الإرادة الشعبية.. نحن لسنا إياك- إلى ولاية عثمانية، ولا ننتظر فرمانا من جهة معينة”.
وعليه، يمكن التأكيد على احتمال تأجيل الحركة لاستدعاء مسار الاستعانة بأصدقاء الخارج على الأقل خلال الشهرين المقبلين، وذلك نتيجة رد الفعل العكسي الذي تسبب فيه أردوغان، وقيامه مبكرا ومنفردا بالتدخل الذي يفتقد الوساطة وإنقاذ ما تبقى، هذا بالإضافة إلى انشغال دول العالم في هذا التوقيت بتداعيات الأزمة الأوكرانية على شئونها الداخلية، هذا إلى جانب التراجع الكبير في الاهتمام العالمي بالإعلام الإخواني وتصديره لمشكلات مصنوعة، وهو ما أبداه الرئيس الأمريكي من مرونة في التعامل مع السلطة السياسية في تونس منذ تجميد عمل البرلمان على عكس التوقعات، هذا إلى جانب إعلان أغلب العواصم العالمية عن تفهما لدواعي قرار “سعيد” بحل البرلمان، وشددت على احترامها لاستقلالية القرار التونسي، واكتفت بالدعوة إلى إعادة المؤسسات الديمقراطية المنتخبة.
حدود الاستفادة:
بالتأكيد فشلت كل محاولات حركة النهضة للاستفادة من كل المسارات التي اتبعتها لإنقاذ مجلس نواب الشعب التونسي الذي تسيطر على تركيبته البرلمانية وأداءه التشريعي والبرلماني وذلك بسبب أكثريتها الوازنة في داخل البرلمان، سواء فشلت في طريقة “المرواغة باستدعاء السليمة”، كما سبق التوضيح أو في استخدام طريقة التهديد الدائم بنزول الأنصار للشارع”، كما سبق التأكيد، وأيضا فيما يتعلق بالعودة لاستدعاء واستخدام وسطاء الداخل أو أصدقاء الخارج. لكن يبقى السؤال، الذي يشغل قادة الحركة، وهو كيف يمكن إنقاذ الذراع السياسي لها ومشاركته في العملية السياسية المقبلة التي يجهز لها الرئيس “قيس” دون حل الحزب، ومعاقبة القائمون عليه جنائياً بسبب قضايا التمويل الخارج قيد التحقيق؟. وهنا تتحقق دقة الإجابة عن السؤال المطروح من خلال قياس حجم الاستفادة من المرحلة الأخيرة من محاولات النهضة، وهي”مرحلة الاستدعاء”، التي تلتحم معها طريقة المرواغة باستدعاء السليمة وتصدير المظلومية باعتبارها وسيلة تلجأ إليها الجماعة في محنها وأزماتها المستعصية.
وعليه، من المحتمل أن تستدعي “النهضة” وهي تتعرض الآن لنزيف داخلي قوى يتمثل في اتساع دائرة الاستقالات في صفوف الحركة، سواء في عناصرها التحتية أو في أعضاء مجلس شورتها- أصدقاءها القدامى لمحاولة التحويط ومنع قرار “قيس سعيد” المنتظر في ديسمبر المقبل وفقاً للمراقبين بحل حزب الحركة بعد اتهام مرشحيه البرلمانيين بتلقي تمويل أجنبي. وبالتالي قد تلجأ النهضة خلال الفترة المقبلة في التعامل مع أزمتها المقبلة (احتمالات حل الحزب) بمسارين، هما محاولة وقف نزيفها الداخلي، وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار الذي يساعدها على تصدير أزمتها للخارج. وهنا قد تستدعي الحركة مخزون ذاكرتها المتعلق بالدوائر الخارجية التي نشطت فيها منذ عام 2013، والتي يعد أهمها الدائرة الأوروبية نظرا لنشاط شباب الحركة في تلك المنطقة، وتعتبر تركيا أهم دولة تقيم معها الحركة علاقات مميزة، وقد يكون النشاط الأكبر في هذا الشأن (استدعاء الخارج) داخل الحركة لمجموعة لندن أو ما يعرف بجناح راشد الغنوشي، خاصة وأن هذه المجموعة لديها علاقات دولية سواء مع أمريكا وبريطانيا وقطر وتركيا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن “الغنوشي” كان لديه رصيد قد يكون محدود من دبلوماسية استقبال الوفود والدبلوماسية الشعبية الذي قام بهما وبعض قيادات الحركة قبل أزمته مع الرئيس قيس سعيد، حيث زار الغنوشي فرنسا مرتين في الفترة من 2011- 2016، وحاول أن يقدم نفسه على أنه “صديق للغرب” وأنه يقود حركة إسلامية معتدلة تؤمن بأنه “ليس هناك تعارضاً بين الإسلام والديمقراطية”. هذا إلى جاني استقباله –الغنوشي- في مقر الحركة العديد من الوفود والشخصيات الأجنبية.
في النهاية، يمكن القول إن حدود استفادة حركة النهضة من استدعاء الخارج في حالة قدوم “قيس سعيد” على حل الذراع السياسي للحركة (حزب النهضة) ستنتهي بالفشل، خاصة وأن الحركة نفسها تتعرض لزلزال داخلي قد ينتهي بتمرير سيناريو تشكيل حزب جديد من غير المتهمين بتلقى تمويل أجنبي، هذا بالإضافة إلى أن العالم مشغول بالتحديات الداخلية للأزمة الأوكرانية، وهذا كان واضحا كما سبق التوضيح في مواقف بعض دول العالم من قرارات “سعيد” الاستثنائية وتفهمهم لدواعي تلك القرارات، إضافة إلى أن الرد العنيف والقوى من الرئيس التونسي في رفضه لتدخلات أردوغان بعد قرار حل البرلمان، قد يحفز أصدقاء “قيس سعيد” من مساعدته في تمرير قراراته. كما أنه حتى لو أتيحت الفرصة للنهضة باستدعاء الخارج لإنقاذ حزبها، ستكون نتائجها محدودة، وقد تنتهي بالفشل، وذلك نظرا لسطحية تعامل الإخوان مع الفواعل الدولية، خاصة وأن الأسس الفكرية للعلاقات الدولية والنظام الدولي التي كرسها حسن البنا لأتباعه، تسببت في سطحية رؤية فروع الجماعة في التعامل مع الدول الغربية، ومحدودية دوائر سياستها الخارجية، وهو ما تسبب في أن تكون تحركات فروع الجماعة الخارجية رد فعل أو دفاع سلبي أجبرت على التعامل معه نتيجة. وبالتالي تأكد فشل تلك المسارات التي تلتزم فيها النهضة بالسلمية حتى الآن، لا يعني عدم ترجيح استخاد مسار العنف، الذي قد يكوم هو المسار المؤجل والأخير في حالة حل حزب النهضة ربما قبل فتح العملية إجراءات العملية الانتخابية الجديد في ديسمبر المقبل، واعتقال بعض قيادات ورموز الحركة ومحاكمتهم بتهمة تلقي تمويل أجنبي.