مستقبل “النهضة” بعد قرار قيس سعيد بحل البرلمان

شهدت الساحة السياسية التونسية منذ أيام، تغيرات متسارعة تتعلق بوضع جماعة الإخوان المسلمين (حركة النهضة التونسية) ومستقبلها السياسي، وربما الوجودي لها بالدولة التونسية، فبعد مضي تسعة أشهر علي تجميد عمل البرلمان، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد، حله علي إثر عقد بعض أعضاءه التابعين لحركة النهضة اجتماعاً عبر الإنترنت، وهو ما يشير إلي عدم وجود نية لاحتمالية التهاون من قبل سعيد مع أي تحدي للتدابير التي اتخذها منذ 25 يوليو الماضي.

قرار “قيس سعيد” بحل البرلمان، في ظل تحركات تونسية لتسريع التحقيقات في شأن القضايا المؤجلة- يشير إلى قرب انتهاء زمن الإسلام السياسي في تونس، خاصة في ظل اتهامات موجهة لـ “راشد الغنوشي”، رئيس حركة النهضة، وبعض أعضاء الحركة، يتمثل أهمها في التآمر علي أمن الدولة. يذكر أن “الغنوشي” رفض قرار “سعيد” بحل البرلمان، مما يدعو إلي تساؤل، وهو: هل يؤدي الوضع الحالي إلي صدام صلب أو عنيف بين السلطة السياسية في تونس وحركة النهضة؟، وما السيناريو المحتمل ترجيحه لمستقبل الحركة؟.

ترجيح محتمل:

سبق أن وضعنا سيناريوهين منذ أن جمد الرئيس التونسي قيس سعيد عمل البرلمان في 25 يوليو الماضي، هما كالتالي:

(*) السيناريو الأول: توقع أن تواجه الدولة التونسية معوقات وضغوط دولية، تعيق عملية الإصلاح من الجذور، ومحاربة ومحاسبة الأذرع السياسية للإرهاب داخل تونس والجماعات المتحالفة معه، فتكتفي الدولة التونسية بمعاقبة الإرهابيين بشكل فردى عن الجرائم، التي سوف تثبت من خلال المحاكمات، وتسمح بالتالي بمشاركة عناصر إخوانية أو ينتمون لجماعات متشددة في الحياة السياسية في المستقبل، وتسمح بمشاركة الأحزاب الدينية في الانتخابات، مع إقصاء العناصر التي يثبت تورطها في جرائم جنائية، وتسمح باستمرار عمل المؤسسات الأهلية التابعة للجماعات المتطرفة مع مراقبتها، إذا لم تصمد أمام الضغوط الدولية المساندة لجماعة الإخوان الإرهابية. ورغم ما أكده هذا السيناريو في توقيته من محددات أو مسارات قد تتخذ في وقتها- إلا أن هذا يحدث في ظل ابتعاد دول العالم عن الإهتام بالاضطرابات الداخلية في الدول العربية. بالتالي، يمكن التأكيد بناءا على ما سبق على تراجع احتمالية حدوث هذا السيناريو، خاصة مع تراجع الاهتمام العالمي بالإعلام الإخواني وتصديرة لمشكلات مصنوعة بعد تصاعد انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من تأثيرات اقتصادية، وسياسية غيرت خارطة وأولويات الاهتمامات الدولية، وما أبداه الرئيس الأمريكي من مرونة في التعامل مع السلطة السياسية في تونس منذ تجميد عمل البرلمان علي عكس التوقعات.

(*) السيناريو الثاني: وهذا السيناريو، قد يتمثل محوره الرئيسي، في تصنف الدولة التونسية لـ جماعة الإخوان، بالإرهابية، وعليه قد يكون هذا السيناريو هو الأقرب ربما للتحقق، وفقا للمعطيات الحالية، التي تبدأ باعتبار “النهضة” جماعة إرهابية، ومما يستتبعه ذلك من حل الأحزاب التي أنشئت على أساس ديني، ووضع الجمعيات والمشروعات الإخوانية تحت الرقابة المالية والإدارية، ومصادرة أموال الكيانات الإرهابية، وإحكام السيطرة على المد الإخوانى، واقتلاع جذوره من مؤسسات الدولة، من خلال التشريعات التي تمنع الإعلان عن الأفكار المتطرفة في الإدارات والمؤسسات الحكومية، وفى المدارس والجامعات، وإحكام الرقابة على المحتوى المقدم منها سواء في الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع أو عبر السوشيال ميديا.

وبالتالي من المؤكد أن تستكمل الدولة التونسية إجراءاتها بتجريم لكل محتوى يدعوا للعنف تقدمه الجماعة الإرهابية، كما تقوم بتنقية المساجد من أئمة الفتنة، ومنع دعاة التطرف من اعتلاء المنابر، وتوجيه خطاب للخارج، محتواه أن الدولة التونسية قادرة على مواجهة أزماتها، وأنها لن تسمح لأي طرف خارجي من التدخل في شئونها، وأنها قادرة على مواجهة الإرهاب المحتمل، واقتلاع السرطان الإخوانى من جذوره.

 وبما أن الإرهاصات، تشير إلي أن الوضع داخل تونس يسير في هذا الاتجاه، إذن الصدام بين حركة النهضة والدولة في تونس احتمال ليس ببعيد، بقراءة تاريخ حركة الإخوان نستطيع أن نتوقع احتمالات العنف، فالجماعة لم تفقد السلطة خلال تاريخها إلا وعقب ذلك قامت بسلسلة من العمليات الإرهابية.

احتمالات قائمة للصدام:

بناء علي ما تقدم؛ من المحتمل أن تشهد الساحة التونسية موجات عنف من قبل الجماعة عالية، خاصة إذا استأنف الرئيس التونسي الإجراءات التي بدأها، وقام بتعديلات دستورية تضمن عدم مشاركة الإسلام السياسي في الانتخابات القادمة، مما سيؤدي إلي توقف استئناف مشروع أخونة مؤسسات الدولة وتصحيح الأوضاع. علي ما سبق، قد تلجأ جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة المتحالفة معها، وبالتالي القيام بأعمال إرهابية في الفترة المقبلة، خاصة إذا فقدت الأمل في المحاولات التفاوضية والدولية في عودتهم إلى مناصبهم، كما فعلت عبر التاريخ في حالة الصدام مع السلطة في كل أزماتها السابقة، فالتاريخ خير شاهد بداية من اغتيال  “النقراشى” و “الخزندار” في مصر، واغتيال “أحمد ماهر”، ومحاولة اغتيال الرئيس “جمال عبد الناصر” مرتين، فضلا عن أعمال العنف ومحاولة هدم وتخريب مؤسسات الدولة في مصر عبر التاريخ عقب كل فشل في أخونة مؤسساتها.

يذكر أن جماعة الإخوان التونسية قامت في الثمانينات بأعمال عنف وتفجيرات، وذلك في صراعها مع السلطة في عهد “الحبيب بورقيبة”، وقامت وقتها بحرق حزب “التجمع الدستوري الديمقراطى”، وأعمال القتل التي وقعت في التسعينات، وصولا إلى أعمال الاغتيالات والإرهاب التي حدثت في السنوات الأخيرة.

أخيرا؛ يمكن القول إنه من المحتمل أن تنشط “حركة النهضة” فى تواصلها مع عناصر جماعة الإخوان الإرهابية في مصر، خاصة وأن التواصل بينهم لم ينقطع، منذ سيطرة “حزب النهضة” في تونس على البرلمان التونسى، كما ستستعين جماعة إخوان تونس بعناصر الإخوان في مصر، للتنسيق فيما بينهم من خلال الجهاز السرى للجماعة، للاستفادة من خبرة الجماعة في مصر، للقيام بأعمال عنف وتفجيرات في تونس، وربما يستعينوا بعناصر الجماعة الإرهابية في مصر للقيام بأعمال إرهابية في تونس بشكل مباشر، ردا على خسارة أحلامهم فى التمكين في تونس، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المنصات الإعلامية للجماعة، بدأت بالفعل في التحريض علي العنف من تركيا منذ تسعة أشهر، ضد المؤسسات داخل تونس، مستعينين بحلفائهم من السلفيين لتنفيذ السيناريو المكرر، بداية من النزول إلي الشارع وإحداث فوضي، وتصعيدا إلي كل أشكال ودرجات العنف، المعهودة من قبل الجماعة.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى