هل اقترب موعد تشكيل الحكومة العراقية؟
أحمد عفيفي-باحث بوحدة دراسات الأمن الإقليمي
تشهد العراق في هذه الأيام حراكاً سياسياً للتفاهم على مرشح لرئاسة الحكومة، في ظل وجود مؤشرات على وجود انفراجه في الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد منذ الانتخابات التشريعية التي جرت قبل 5 أشهر. كما دعا رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القوى السياسية الوطنية التي أفرزتها العملية الانتخابية الديمقراطية أن تكون على قدر المسؤولية في حماية المسار الوطني من خلال إنهاء الانسدادات السياسية، وتشكيل حكومة تتصدي للاستحقاقات وتصون الوطن وتدافع عن وحدته.
وفي هذا الإطار، يتطرق هذا التحليل إلى توضيح خلفية الأزمة بين الصدر والإطار التنسيقي، ومن ثم سبل التقارب بينهما لاختيار رئيس الوزراء العراقي القادم، ورد إيران على بوادر التقارب بينهما، كذلك مستجدات التفاوض بينهما بعد الضربة الإيرانية.
خلفيات الأزمة:
شهدت العراق أزمة سياسية واسعة منذ الانتخابات البرلمانية، حيث أصر زعيم الكتلة الصدرية مقتدي الصدر على المضي في تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وفي المقابل رفضت الأحزاب والتحالفات السياسية التي خسرت في الانتخابات هذا القرار، مما أدخل العراق في مرحله فراغ دستوري، لاسيما مع وجود نية للتحالف الثلاثي (التيار الصدري ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، وتحالف السيادة) على ترشيح رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي لولاية ثانية، وفي المقابل طرحت قوى الإطار التنسيقي والأحزاب الموالية لإيران رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وقاسم الأعرجي ومحمد توفيق علاوي وعبد الحسين عبطان لرئاسة الحكومة المقبلة، بالتزامن مع اتفاقات أجرتها مع قوى سنية وكردية لإعلان تشكيل تحالف تحت مسمى “الثبات الوطني” من 133 نائبا حيث التحالف الجديد الذي يتألف من قوى الإطار التنسيقي مجتمعة، إضافة إلى تحالف عزم السني، والاتحاد الوطني الكردستاني، مع عدد من النواب المستقلين.
بوادر تقارب :
يمكن القول إن الرئيس العراقي برهم صالح أول من أبدى دعمه لمبادرة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقوى الإطار التنسيقي للاتفاق على حلحلة أزمة تشكيل الحكومة المستمرة منذ أكثر من 5 أشهر، عندما أعلن في تغريدة له عبر توتير “إننا نثمن عاليا المبادرة السياسية لتجاوز حالة الانسداد والتعطيل الدستوري، وواجبنا دعم الجهود الوطنية لتلبية الاستحقاقات الدستورية، والشروع في تشكيل حكومة مقتدرة حامية للأمن الوطني والمواطنين”.
كما برز اسم سفير العراق لدى بريطانيا “جعفر محمد باقر الصدر” كمرشح لرئاسة الوزراء بعد أن كانت هناك اتصالات هاتفية لزعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر مع قادة سياسيين أبرزهم رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فضلاً عن رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، لطرح اسم جعفر الصدر لرئاسة الحكومة الجديدة بعد وصول المفاوضات السياسية إلى نوع من الانسداد السياسي داخل العراق.
ورغم عدم صدور بيان رسمي بشأن هذا الترشح، إلا أن نواباً في البرلمان وقادة سياسيين عراقيين أكدوا طرح اسم جعفر الصدر، خاصة وأنه يحظى بقبول جيد بالنسبة إلى قوى الإطار التنسيقي باعتباره نجل مؤسس حزب الدعوة، ويتوافق مع رؤيتهم في الكثير من النواحي فسوف يكون هناك اتفاقا عليه، لذا رحب الإطار التنسيقي الشيعي بقرار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ترشيح سفير العراق لدى المملكة المتحدة جعفر الصدر لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وعلى هذا أفادت بعض المصادر بأن قوى الإطار التنسيقي، عقدت اجتماعاً في منزل رئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورحبوا بقرار رئيس التيار الصدري ترشيح الدبلوماسي العراقي جعفر الصدر لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة. الأمر نفسه بالنسبة للتيار الصدري، وإن كان جعفر لا ينتمي لمنظومة التيار بشكل فعلي، أو يمارس مهام كما هو حال الآخرين، لكن لقربه من العائلة سيكون مرشحاً مناسباً.
وعلى الجانب الآخر،عبر رئيس الوزراء الحالي مصطفي الكاظمي خلال تغريدة له بعد وصول التيار الصدري والإطار التنسيقي لتفاهمات أولية بشأن الحكومة المقبلة عن استعداده لتسليم سلطاته للحكومة القادمة، والتي اعتبرت ترحيبا من قبل الكاظمي بقدوم جعفر الصدر مرشحاً لرئاسة الحكومة، وإشارة أيضا لما جرى التوافق عليه بالفعل.
رسائل إيرانية:
ارتفعت وتيرة الهجمات الإرهابية في العراق وسط مخاوف من موجة عنف جديدة، مع اقتراب البلاد من تشكيل حكومة جديدة في ظل استبعاد جماعات موالية لإيران من التحالف الحكومي المرتقب الذي سيقود البلاد، ودخلت إيران على خط تشكيل الحكومة العراقية بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتعتبر“مجزرة ديالي” من الهجمات الدموية التي استهدف فيها تنظيم داعش مقرا للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 11 جندياً .وبخلاف ديالي، فق دتعرضت مدينة أربيل في 13 مارس في إقليم كردستان بالعراق إلى قصف بـ 12 صاروخاً باليستيا من قبل إيران. وتشير غالبية ردود الفعل السياسية في العراق إلى أن القصف الإيراني بالنظر إلى توقيته مرتبط بالتشكيل الحكومي العراقي المقبل، وهو ما يتفق ووجهة نظر الرئيس العراقي برهم صالح الذي ربط بين استهداف مدينة أربيل وأزمة تشكيل الحكومة حينما قال، إن “القصف يأتي في توقيت مُريب مع بوادر الانفراج السياسي، ويستهدف عرقلة الاستحقاقات الدستورية بتشكيل حكومة مقتدرة “، واصفاً ما جرى بأنه “جريمة إرهابية مُدانة.
إلا أن الحرس الثوري الإيراني نفى ذلك متزرعا بأنه استهدف مركزاً استراتيجياً إسرائيلياً في شمال العراق، وأنه لم يكن القصف الأول من نوعه، وأيضا بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في يناير 2020 جاء الرد سريعا على هذا الاغتيال، وذلك عندما استهدفت إيران مصالح أميركية بصواريخ وطائرات مسيرة حيث في 8 يناير 2020 قاعدة عين الأسد غرباً وقاعدة أربيل شمالاً، اللتين تضمان قوات أميركي ب ٢٢ صاروخا باليستيا، كما أطلق الحرس الثوري الإيراني في سبتمبر ٢٠١٨ سبعة صواريخ باليستية على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كويسنجق بين أربيل والسليمانية، وسقط قتلي وجرحي.
وفي أول رد فعل على القصف الإيراني، استنكر الصدر الهجوم الصاروخي الذي استهدف مدينة أربيل، واصفاً إياه بـ ” نيران الخسائر والخذلان “، وألحق الصدر بيانه الأول ببيان آخر يطالب فيه الجهات المختصة برفع مذكرة احتجاج للأمم المتحدة والسفير الإيراني فوراً مع أخذ ضمانات بعدم تكرارها.
تجدد التوتر:
أفادت بعض المصادر أن الخلافات عادت بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي وسط توقعات بانهيار الاتفاق الأولي بينهم بسبب موقف قوى الإطار من الهجوم الإيراني على أربيل، ورغبتهم في تشكيل كتلة موحدة مع الصدر، وتمثلت أهم مظاهر الخلاف في:
(*) شروط الإطار التنسيقي: والتي أبدى الصدر عدم رضاه عنها، حيث أعلن الإطار رغبته بتشكيل كتلة موحدة مع الصدر، وتقديمها للبرلمان على أنها الكتلة النيابية الأكبر عدداً، وترك تحالفه الثلاثي، مع تحالفي السيادة بزعامة خميس الخنجر والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وهو ما رفضه الصدر.
(*) تأسيس كتلة جديدة: بعدما أقدم الصدر علي اتخاذ خطوة أخري، وهي تأسيس كتلة واحدة للتحالف الثلاثي تحت مسمي”إنقاذ وطن” لكن إعلان الكتلة تأخر بسبب الحراك السياسي الذي استجد، من خلال الاتصال الذي جرى بين مقتدى الصدر، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وما أعقبه من احداث القصف الإيراني على أربيل الذي عطل إعلان هذا التحالف.
(*) الموقف من الهجمات الإيرانية: فازدادت الخلافات بين الطرفين بعد الموقف السياسي الذي اتخذته قوي الإطار التنسيقي من الهجوم الإيراني على أربيل، بعدما تماهت ردود فعل قوى الإطار التنسيقي مع هذا الهجوم ولم تندد به، أو تصدر موقفاً واضحاً تجاهه، بل لجأت أغلب القوى إلى تبرير الهجوم، متبنيه وجهة النظر الإيرانية التي تقول إن ما جرى استهدافه هو منشآت إسرائيلية في المنطقة.
وفي النهاية يمكن القول، إن الأحداث العالمية المتمثلة بما يجري في أوروبا عقب الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة قد تفرض على الأطراف العراقية اقترح مبادرات التقريب بينهم، لاسيما بعد تزايد تأثير تلك الأزمة على المشهد الاقتصادي العراقي، والذي بدوره سيزيد من مواجهة الضغوط والحرج لتلك الجماعات. ومن جهة أجرى، يمكن وصف القصف الإيراني على أربيل على أنه محاولة لفرض حلفاء طهران على مسارات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، واستمرار هذا الأمر من الممكن أن يعقد مسارات تشكيل الحكومة المقبلة بشكل كبير، وبشكل أكبر حال نجحت إيران في توقيع الاتفاق النووي الذي سيعطيها أريحية في التعامل مع كافة الملفات التي تعتبر طرفا فيها.