5 عوامل مؤثرة: متى تنتهي الحرب في أوكرانيا؟

دخل الغزو الروسي لأوكرانيا أسبوعه الرابع، ولازالت روسيا تصعد من هجماتها التي كان آخرها قصف مسرح مدينة ماريوبول في إطار محاولات السيطرة على المدينة، كما تواصل حصار العاصمة كييف، لكن ثمة مؤشرات إيجابية تنم عن بداية التهدئة التي بدأت بوقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية وإجلاء المدنيين نتيجة للجولات الثلاثة الماضية من المفاوضات في بيلاروسيا، مع نشاط ملحوظ للجهود الدبلوماسية بين الطرفين، تمثل في الاجتماعات في بيلاروسيا وتركيا، والدعوة للحوار المباشر من قبل الرئيس الروسي ونظيره الأوكراني- وعلى هذا يرصد هذا التحليل أبرز التطورات في الأزمة الأوكرانية، والتي قد تسهم في مجملها في حلحلة الأزمة ولو مبدئيا، بعد أسابيع من الجمود في موقف الطرفين أسفر أخيرا عن فشل الجولة الأولى من مفاوضات إيطاليا بتركيا.

تطورات لافتة:

بعد أشهر من إصرار الرئيس الأوكراني على الانضمام إلى حلف الناتو، وعدم المبالاة بتهديدات الحشود الروسية على حدود بلاده، والذي استمر حتى بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، وأصرت الحكومة الأوكرانية على الصمود في مواجهة روسيا، داعية حلفائها إلى دعمها، مقابل الهجمات الدامية من قبل القوات الروسية. حدثت تطورات ملحوظة في الملف الأوكراني، أهمها:

(*) موقف زيلنسكي: ظهر التحول بداية في موقف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، الذي عبر عنه في حوار إعلامي بأنه فقد الاهتمام بمسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو منذ فترة طويلة ” بعد أن أدركنا أن الناتو غير مستعد لقبول أوكرانيا، فالحلف يخشي التناقضات والمواجهة مع روسيا “، كما أكد في حديث آخر أن طلب الانضمام للناتو ” لم يكن منطقيا “، وهو ما اعتبره محللون تراجعا استراتيجيا من قبل كييف، قابلها تصريحات الأمين العام لحف الناتو ستولتنبرغ التي تتناغم مع تصريحات زيلنسكي ” إن مسئوليتنا الأساسية هي الدفاع عن الدول الأعضاء، ومن المهم أن تتفهم روسيا أننا مستعدون لفعل هذا الأمر وحسب “، في إشارة إلى عدم وجود نية للدفاع عن أوكرانيا. كما أبدى زيلنسكي استعداده لبحث موضوع الجمهوريات الانفصالية في شرق أوكرانيا، وملف شبه جزيرة القرم، والحياد والحوار مع روسيا، مع كفالة الضمانات الأمنية لأوكرانيا.

(*) المفاوضات في بيلاروسيا: على ما يبدو أن هناك تقدما في المفاوضات في بيلاروسيا، قد يفضي عن حياد أوكرانيا على غرار النمسا والسويد، وهو ما عبر عنه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بقوله إن “المفاوضون يبحثون حياد أوكرانيا، وهو خيار يمكن اعتباره تسوية “، كما أكد رئيس وفد موسكو في المفاوضات فلاديمير ميدينسكي على شروط حياد أوكرانيا ونزع سلاحها والاعتراف بالقرم واجتثاث النازية، وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على وجود تقدم في مسألة الحياد والضمانات الأمنية لروسيا، إلا أن الحكومة الأوكرانية علقت موافقتها على فكرة الحياد بدون ضمانات أمنية مطلقة في مواجهة روسيا.

(*) الجهود الدبلوماسية البارزة: والتي كانت قد توقفت تقريبا منذ بداية الغزو، إلى أن عادت مرة أخرى منذ الأسبوع الماضي، على غرار الاتصالات التي يجريها بوتين مع مسئولين أوروبيين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد له بوتين ” أننا اقتربنا من نزع سلاح أوكرانيا “. واستضافة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في موسكو. وجلسة المفاوضات الأولى منذ بداية الغزو بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني في مدينة أنطاليا بتركيا في ١٠ مارس. وأيضا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى موسكو الأسبوع الماضي، انتقل بعدها إلى ألمانيا، وتسربت تقارير عن مكالمته _ بينيت _زيلنسكي من ألمانيا وحثه على تقديم تنازلات لإنهاء الأزمة، ومن بعدها وافقت إسرائيل على إلقاء زيلنسكي خطاب على الكنيست، بعدما رفضت إسرائيل ذلك في وقت سابق حرصا على علاقاتها بموسكو. كذلك زيارة وزراء خارجية سلوفينيا وبولندا وتشيكا أوكرانيا ولقائهم زيلنسكي، التي من المؤكد أنها جاءت برعاية روسية وبموافقتها المسبقة، في إطار سعي موسكو للتحرك على مسارات متوازية؛ التفاوض في بيلاروسيا، ومواصلة العمليات العسكرية.

(*) العلاقات مع إيران: حيث تقدمت روسيا بطلب تدعو فيه الولايات المتحدة لتقديم ضمانات خطية بأن العقوبات المفروضة على موسكو بعد غزو أوكرانيا لن تؤثر في علاقاتها بطهران وتعاونهما الحر بموجب الاتفاق النووي في المجال التجاري والعسكري والتقني والاستثماري والاقتصادي، مما عرقل المفاوضات بعض الشئ، وهو ما أرجعه البعض إلى رغبة موسكو في استخدام الاتفاق النووي كورقة مساومة للغرب بشأن أوكرانيا، وتأكيد فكرة أن بعض القضايا العالقة يتطلب حلها التعاون مع موسكو. حتى أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن موسكو حصلت على ضمانات خطية من واشنطن، بأن العقوبات المفروضة على بلاده لن تؤثر في علاقاتها بإيران.

(*) تهديد سلاح الطاقة الروسية: فمن المعروف أن واردات الطاقة الروسية إلى الدول الأوروبية هي المنفذ الوحيد لاقتصادها بعد فرض الغرب لعقوبات قاسية عليها، استخدامها للضغط على الأوروبيين ضمن لها عدم امتثالهم لقرار واشنطن بحظر النفط الروسي إليها،مستغلة سوء العلاقات الخليجية الأمريكية، ولكن مع سعي واشنطن المستمر للحصول على بديل للطاقة الروسية يضمن لها دعم الدول الأوروبية وفي نفس الوقت استقرار الأسعار، من خلال محاولة تحسين علاقاتها بالدول الخليجية، وبالأخص السعودية، بعد صدور تقارير عن خطط البيت الأبيض بشأن قرب زيارة بايدن للسعودية، وزيارة بوريس جونسون للرياض منذ أيام للتوسط لتحسين علاقات الأخيرة مع واشنطن، فضلا عن توارد أنباء عن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى السعودية قريبا. هذا بالإضافة إلى ضمان تدفق النفط الفنزويلي.

ماذا يريد بوتين؟:

بوتين لا يريد التواجد العسكري الدائم في كامل أوكرانيا،حتى بعد اجتياح أوكرانيا بالفعل وما أدى إليه من تكلفة اقتصادية وعسكرية، فغزو أوكرانيا _ رغم تكاليفه _ يعد بمثابة ردع للغرب إذا ما استمر في محاولات تطويق روسيا من خلال ضم الدول المجاورة لموسكو إلى حلف الناتو أو نشر قواعد عسكريه على حدودها، كما يمثل في الوقت ذاته رسالة ردع للدول المجاورة إذا ما فكرت في الانضمام إلى للناتو مثل السويد وفنلندا بملاقاة نفس مصير أوكرانيا، خاصة بعد رؤية الموقف الغربي المتقاعس في الدفاع عنها.

لذا قد يكتفي بوتين حاليا بضمان عدم انضمام أوكرانيا للناتو، وهو ما سيحدث بالفعل بعد تصريحات الحلف وزيلنسكي، التطور الذي يعد سببا أساسيا للتفاوض الجاد حول وقف إطلاق النار،ولكن من الطبيعي أن تتسع مطالب موسكو بعد خوضها مقامرة عسكرية مكلفة للغاية في أوكرانيا_ منتصرة فيها حتى الآن _ لتشمل الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والمناطق الانفصالية في إقليم دونباس كدولتين مستقلتين، وإعلان أوكرانيا نفسها كدولة محايدة، ونزع السلاح عنها. وبالتالي سيكتفي بوتين بما حققه من مكتسبات في الشرق الأوكراني، ومحاولة الاستفادة من الاقتصاد الأوكراني المميز للتعافي من العقوبات، واستغلال الموانئ الأوكرانية الدافئة، وفي الوقت ذاته رفع العقوبات الاقتصادية عنها.

يذكر أن اتفاقية لاهاي ١٩٠٧ عرفت الحياد بأنه ” الوضع القانوني الناجم عن امتناع الدولة عن المشاركة في حرب مع دولة أخرى، والحفاظ على موقف الحياد إزاء المتحاربين، واعترافهم بهذا الامتناع “.

وبالنظر إلى مسألة الاعتراف بالجمهوريات الانفصالية، يبدو أن أوكرانيا على استعداد للتجاوب معها بعدما أعلن زيلنسكي عن رغبته في التفاوض مع الجانب الروسي بشأنهم، وأوضح أن ما يهمه هو ما يقرره السكان الذين يقطنون تلك المناطق، وهم معروفون بالولاء لروسيا .أما الصعوبة تكمن في مسألة الاعتراف بضم القرم، ولكن حتي في هذه النقطة لا يعتبر الموقف الأوكراني نهائيا، ورغم التحفظ الأوكراني على طلب روسيا الاعتراف بسيادتها على شبه جزيرة القرم، والسيطرة الفعلية على إقليم دونباس، إلا أنها قد تضطر في أسوء الاحتمالات إلى الموافقة على ذلك أيضا، وتوظيف زيلنسكي لكاريزميته التي أضفتها عليه الحرب لإقناع الشعب الأوكراني بهذا الاتفاق مع روسيا بعدما أصبح ينظر إليه كبطل قومي موثوق.

وبشأن مسألة حياد أوكرانيا، فقد أعلن مسئولون روس أنهم لمسوا ” تقاربا ” في المواقف،كذلك مسألة نزع السلاح،وأعلن زيلنسكي بنفسه ” نحن في منتصف الطريق بشأن المفاوضات حول نزع سلاح أوكرانيا “والتراجع عن الانضمام للناتو، إلا أن الاختلاف يكمن في مسألة الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف، فأوكرانيا ستطالب بالحصول على ضمانات أمنية غربية؛ لأن الحياد سيتطلب اعتراف روسيا بأن الدول الغربية ستقدم لها المساعدة إذا تعرضت للتهديد مرة أخرى،وقد تكون هذه هي النقطة الأكثر صعوبة بالنسبة لموسكو؛ لأنها ستعني قبول روسيا بدفاع الغرب في المستقبل عن أوكرانيا، إلا انه يمكن أن تقبل بذلك إذا تم وضع قيود على نوعية الأسلحة المقدمة لأوكرانيا.

وقد أشارت روسيا وأوكرانيا إلى حدوث قدر من التقدم الأسبوع الماضي، في المحادثات الرامية إلى إيجاد صيغة سياسية تضمن لأوكرانيا حماية أمنية خارج حلف شمال الأطلسي الشرط الأهم لموسكو، ولكن حال تعثرت المفاوضات نهائيا لأي سبب كان _ وهو احتمال بعيد بعض الشئ _ وكحد أدني، من الممكن أن تتنازل روسيا في مقابل تلبية مطالبها كاملة عن شرط نزع السلاح الأوكراني تماما، ووضع رقابة أو قيود مثلا على تطوير المجال العسكري الأوكراني، والتخلي عن فكرة رحيل زيلنسكي.

يذكر أن ناقشت روسيا وأوكرانيا مسودة اتفاقية بينهما تشمل 15 بندا، في إطار المسودة، تتخلى كييف عن رغبتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتتعهد بعدم استضافة أية جيوش أو أسلحة أجنبية على أراضيها ( قواعد عسكرية )،وفي المقابل ستحصل على حماية من حلفائها الغربيين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا.

وفي النهاية يمكن القول، رغم اتفاق موسكو وكييف على بعض الشروط، إلا أنه لم يتضح بعد المقصود بالحياد الذي تريده روسيا وعلاقته بنزع السلاح في أوكرانيا، وما إذا كانت كييف ستقبل بمستقبل كهذا، كذلك لم تتضح بعد ماهية الضمانات الأمنية التي طلبتها كييف بشكل نهائي، وما إذا كانت واشنطن ستوافق على استسلام أوكرانيا الذي فيه انتصار لروسيا، ووضع حد لخسائرها الاقتصادية والعسكرية. وعلى الجانب الآخر،يؤكد بوتين أن بلاده لا ترغب في احتلال أوكرانيا، ولكنها ستحقق أهدافها العسكرية كاملة هناك، بالتزامن مع استقبال وزير الخارجية التركي في روسيا، واتصال بوتين وماكرون وإطلاعه على مطالب موسكو. ولكن الأهم هو وضوح رغبة بوتين منذ البداية في عدم البقاء في أوكرانيا بشكل كامل،واستغلاله للتقدم العسكري هناك،واستغلال سلاح الطاقة، وذلك قبل أن يتهدد حال اتفقت الولايات المتحدة مع دول أوبك بعد فنزويلا، لضمان قبول الغرب بالوضع القائم بعد الاتفاق مع كييف.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى