أي بدائل أمام “واشنطن” بعد قرار حظر النفط الروسي؟

بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في الثامن من مارس الجاري وقف استيراد النفط والغاز الروسي، في إطار سلسلة العقوبات الأمريكية التي تستهدف الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي، وبعد أيام من المشاورات مع الجانب الأوروبي لتوحيد المواقف في هذا الشأن، والتي باءت بالفشل لأن الاقتصاد الأوروبي يعتمد على إمدادات الطاقة الروسية بشكل كبير لا يمكن المغامرة به في ظل عدم توافر بدائل تكفي احتياجات السوق الأوروبية، على خلاف واشنطن، وبالتالي أصبح يتحتم على واشنطن البحث عن بدائل كافية تغطي نقص الإمدادات الروسية في الاقتصاد الأمريكي من جهة، وتشجع الدول الأوروبية على اتخاذ موقف مماثل لواشنطن ضد روسيا من جهة أخرى، وبالتبعية ستؤدي هذا الخطوة إلى استقرار أسعار الطاقة التي تحلق يوما بعد يوم.

وفي إطار رحلة البحث عن بدائل للطاقة الروسية ستتجه الأنظار إلى منطقة الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية التي شهدت علاقاتها بواشنطن توترا ملحوظا طيلة الأشهر الفائتة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد الانتقادات الحادة التي وجهها إلى المملكة، بالتزامن مع صدور تقارير صحافية عن مشاورات داخل البيت الأبيض تنم عن احتمالية تواصل مع الرياض.

 وعلى هذا، يناقش هذا التحليل أثر القرار الأمريكي بحظر واردات الطاقة الروسية على سياستها الخارجية المتشددة تجاه بعض الدول، مثل السعودية وفنزويلا، واللاتي تعدان من أهم منتجي النفط في العالم.

مراجعة حسابات:

من البديهي أن تتساءل الأوساط السياسية عن مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية بعد أن شابها الفتور كثيرا خلال الفترة الماضية، لأن الأمر تجاوز انقطاع التواصل بين واشنطن والرياض مقارنة بذي قبل، إلى تبني مواقف سياسية متشددة إزاء الرياض، قد تدفع الأخيرة لتوظيف سلاح النفط للضغط على واشنطن لتعديل سياستها تجاهها، ويتمثل أبرز هذه المواقف في الآتي:

(*) انتقاد السعودية: فقد دأب جو بايدن خلال حملته الانتخابية وبعد نجاحه في الانتخابات على انتقاد السياسة الداخلية والخارجية للسعودية، من خلال توجيه الاتهامات لها بشان حرب اليمن والقضايا الحقوقية، كما هدد أنه سيعمل خلال فترة رئاسته على التقييد على السعودية في عدة ملفات، وبالأخص صادرات الأسلحة، والتهديد بتحويل السعودية إلى ” جزيرة منبوذة “، ورفضه أيضا لأي تواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي اعتبره ليس نظيرا له، وحال تم أي تواصل مع الرياض سيكون من خلال الملك سلمان، وهو ما حدث. الأمر الذي كان متبادلا من قبل الرياض أيضا، حيث أعلن ولي العهد السعودي في حوار سابق أنه ” لا ينتظر شيئا من بايدن ” بعد نجاحة في الانتخابات.

(*) تجاهل تهديدات الحوثيين: فقد تجاهلت الإدارة الأمريكية الهجمات التي تعرضت لها السعودية والإمارات من قبل جماعة الحوثي اليمنية، والتي استهدف بعضها مناطق مدنية ومأهولة، كما أعلنت وقف دعمها لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، بل وإدانة عملياتها في اليمن، والتي يرجع السبب فيها لضغوط الحزب الديمقراطي، فضلا عن إزالة جماعة الحوثي من على قوائم الإرهاب لدى واشنطن، والذي بررته الأخيرة لإفساح المجال للجهود الإنسانية والدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن.

(*) الاتفاق النووي الإيراني: فقد أوشكت واشنطن على توقيع الاتفاق النووي مع طهران، رغم المماطلة التي تبدو من الجانب الإيراني استغلالا للأزمة الأوكرانية وحاجة الأسواق الغربية للنفط الإيراني في سبيل الحصول على مزيد من التنازلات من المفاوضين الغربيين، الأمر الذي قد ينتج عنه توقيع اتفاق نووي ضعيف، مما سيوسع الطموحات الإيرانية ويعطيها الأريحية في التعامل مع قضايا المنطقة، وهو ما سيسفر عن زيادة التهديدات الإيرانية في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي.

نتيجة لكل هذا، حضرت ردة الفعل الخليجية مسبقا في مواجهة الموقف الأمريكي الباهت في المنطقة من خلال عقد السعودية والإمارات صفقات أسلحة مع روسيا والصين، وعلى سبيل الاستفادة من الأزمة الأوكرانية، أشارت عدة تقارير عن رفض ولي العهد السعودي والإماراتي التواصل هاتفيا مع الرئيس الأمريكي، فضلا عن رفض المطالب الأمريكية بزيادة إنتاج النفط للحفاظ على التوازن في الأسعار، وتعويض نقص النفط الروسي في الولايات المتحدة التي أعلنت حظره الأسبوع الماضي،وأوروبا التي تحاول واشنطن إقناعها بتبني نفس موقفها، لذا أعلنت المملكة التزامها باتفاق أوبك + ( الذي يضم روسيا أيضا )، وهو ما لا يعني رفض الطلب الأمريكي فقط، بل دعم روسيا ولو مؤقتا في سبيل المناورة مع واشنطن، وبالتالي يتوقع أن تضغط دول الخليج، والسعودية على وجه الخصوص،من اجل الحصول على تنازلات من واشنطن متعلقة بضماناتها الأمنية أولا.

ولكن، لا يتوقع أن يستمر الموقف الخليجي صارما على هذا النحو، فرغم تجاهل واشنطن لأمن الخليج في ظل إدارة بايدن، ومحاولة استغلال الأزمة الأوكرانية للضغط في هذا الشأن، بعد تنسيق المواقف بين دول المنطقة، وقد يتضح ذلك من الزيارة القصيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرياض منذ أيام والتي أعقبها بمكالمة للرئيس بوتين، إلا أنه يظل مجرد ضغط  مؤقت للمساومة ليس إلا، الغرض منه استعادة الولايات المتحدة الداعم الرئيسي والتاريخي إلى صفها مرة أخرى، وليس التضحية بها تماما حتى ولو كان المقابل الدعم الروسي، فالعلاقات السعودية مع روسيا والصين لن تخرج عن كونها ورقة تفاوضية مع واشنطن. لذا يتوقع أن تتراجع دول المنطقة عن موقفها إذا ما عملت واشنطن على طمأنتهم والتقدم بوعود مقنعة بإعادة النظر في العلاقات الثنائية، وفيما يتعلق بالمجال الأمني أيضا لمواجهة التهديدات الإيرانية والحوثية. وقد يؤشر على أن الموقف الخليجي ليس نهائيا، تصويت السعودية والإمارات في مجلس الأمن لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بعد أن امتنعتا في البداية، وإشارة السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة لإمكانية زيادة الإنتاج، التي لم تأت بالتأكيد دون تنسيق مع حكومته أو تنسيق سعودي إماراتي، والعملية العسكرية المشتركة بين السعودية وواشنطن لإنقاذ فتاتين أمريكيتين من أسر الحوثيين في صنعاء يناير الماضي.

تحركات متزامنة:

بالتزامن مع مساعي الإدارة الأمريكية طيلة الأسابيع الماضية لتليين موقف الدول الخليجية من أجل زيادة إنتاج النفط، عملت واشنطن على المضي قدما في تحركات دبلوماسية لافتة تجاه فنزويلا التي تعتبر أحد منتجي النفط في العالم، ودفع بايدن مسئولين من إدارته بالتواصل مع نظرائهم في فنزويلا، مما أسفر عنه زيارة لمجموعة من المسئولين الأمريكان إلى كاراكاس، من أجل استعادة العلاقات الدبلوماسية مع كاراكاس، والتي كانت قد انقطعت في ٢٠١٩ في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بسبب اعتراض واشنطن على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها نيكولاس مادورو، واعترفت بالمعارض خوان جوايدو منافسه في الانتخابات رئيسا مؤقتا للبلاد، وتطور الأمر إلى فرض عقوبات قاسية على فنزويلا، لذا عارض مادورو في البداية طلب واشنطن بزيادة إنتاج النفط، إلا أنه لم يتوقع أنه موقف نهائي من قبل مادورو التي كانت تساوم من أجل إسقاط جميع العقوبات عن بلاده مقابل زيادة الإنتاج الذي قد يؤثر على علاقته بحليفه بوتين.

وما حدث أن أعلن مادورو منذ أيام عن استعداد بلاده لضخ ٢ مليون برميل يوميا في الأسواق، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مدى التنازلات التي قدمتها الإدارة الأمريكية لإقناع مادورو، ومصير العقوبات الأمريكية المفروضة سابقا.

تخبط أمريكي:

رغم تداول العديد من التقارير في الولايات المتحدة التي تفيد بترتيب البيت الأبيض لزيارة إلى السعودية، والتي أيدها مسئولون أمريكيون، إلا أن المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي نفت هذه التقارير، وأعلنت عدم وجود خطط أصلا لزيارة السعودية، إلا أنه من البديهي أن تكون هناك مشاورات فعلا بشأن الزيارة أو استعادة التواصل على أقل تقدير وتم إلغائها أو تأجيلها على الأقل بناءا على ضغط الحزب الديمقراطي على بايدن بعد انتشار تقارير عن زيارة وشيكة، وعلى سبيل المثال النائبة الديمقراطية إلهان عمر. وبالتالي قد تكون الإدارة الأمريكية أمام احتمالين لإقناع حلفائها في دول الخليج بزيادة الإنتاج؛ إما من خلال زيارة للرئيس الأمريكي، أو من خلال تنسيق وتواصل على مستويات أخرى بعد تقديم الضمانات اللازمة لأمن الخليج.

كما قد يكون التأجيل بسبب المماطلة الإيرانية في التوقيع على الاتفاق النووي، والراجع إلى تكهنات بوجود ضغط روسي على إيران، من أجل عرقلتها عن المضي قدما في الاتفاق النووي الذي سيزيد من عزلتها الدولية بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة.

وبالنظر إلى البدائل الأخرى كفنزويلا، حال عدم موافقة الرياض على زيادة الإنتاج، فإنها ستظل غير كافية لسد حاجة الأسواق الغربية، وإيران التي وإن وقع الاتفاق النووي فإنها لن تصبح سوقا للعرض والطلب على النفط فور توقيعها، فقد يستغرق الأمر عدة أشهر، لذا فالوحيدة التي ستعوض نقص النفط الروسي خلال فترة وجيزة هي دول الخليج، وبالأخص السعودية، خاصة وأن شعبية الرئيس الأمريكي في تراجع مستمر بسبب سياسة بايدن الخارجية غير المحسوبة والتي تنعكس آثارها على الداخل الأمريكي، كما هو الحال في أفغانستان وأوكرانيا، وحتى سياسته المتشددة والجامدة منذ البداية تجاه المنطقة والتي تكلفه الكثير حاليا، مع قرب انتخابات التجديد النصفي للرئيس، وهي عوامل كافية في حد ذاتها للضغط على الديمقراطيين وبايدن لسرعة السيطرة على أسعار النفط.

وقد توظف واشنطن علاقتها بفنزويلا ( العضو في منظمة أوبك ) للضغط على بقية الدول لزيادة الإنتاج، خاصة مع وجود مرونة في الموقف الإماراتي، أو الاستعانة بأحد الوسطاء لتقريب وجهات النظر بينهما مثل قطر أو بريطانيا، وهي الأقرب.

وختاما، الولايات المتحدة رغم أنها أخذت زمام المبادرة بالاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية، إلا أنها لا تريد بأي حال الاستمرار فيها بمفردها، وإلا كان النفط المحلي أو القادم من فنزويلا أو قطر وغيرها من الدول المتوسطة الإنتاج كفيل بتحقيق الاكتفاء الذاتي الأمريكي والتحسن التدريجي في الأسعار، إلا أنها تخطط لانضمام الدول الأوروبية إليها بعد ضمان البديل الآمن والكافي لاحتياجات السوق الأوروبية ولتحقيق التوازن في الأسعار بأقصى سرعة للضغط على روسيا التي تعتبر صادرات الطاقة المتنفس الوحيد لاقتصادها بعد العقوبات الأخيرة، وتخفيف الضغوطات في الداخل الأمريكي.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى