في أي مرحلة تُستخدم الجماعات المتطرفة بالأزمة الأوكرانية؟
قد تكون مرحلة استدعاء الجماعات الجهادية والتكفيرية في الأزمة الأوكرانية من قبل أعداء روسيا، مؤجلة إلى حين السيطرة الروسية الكاملة على العاصمة كييف. فتلك المرحلة يعتبرها الدارسون بمثابة الأخيرة في عمر الحرب الروسية على أوكرانيا.
فمن المحتمل بعد السيطرة الكاملة على العاصمة كييف من قبل الروس، وعدم قدرة الأوربيون والولايات المتحدة الأمريكية على المواجهة العسكرية المباشرة مع موسكو في أوكرينا- يستخدم أنصار أوكرانيا، الجهاديين وعلى رأسهم الشيشانيين الذين يعرفون طبيعة الجغرافيا ويتحدثون لغة أصحاب الأرض، وذلك من منطلق قلب الطاولة على الروس.
وبالتالي، قد تسعى الأطراف غير المعنية مباشرة في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، بكل الوسائل للعب دور ضد الجيش الروسي الذي نجح بالسيطرة على مساحات واسعة ومدن كثيرة في الأراضي الأوكرانية، وهذه الأطراف لا تريد دخول الحرب من موقع التحالف أو إسناد حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي بل من موقع الانتقام مما تلقته من ضربات موجعة ومؤلمة على يد الجيش الروسي في الشيشان وسوريا، وغيرها من المناطق التي شهدت صدامات مسلحة مع المجموعات المتطرفة.
وعليه، يمكن القول إن استعداد أطراف لا علاقة مباشرة لها بالنزاع الأوكراني الروسي، والذي تصطف فيه عديد القوى الدولية جزء كبير منها مساندا للرئيس الأوكراني وقوى أخرى تساند روسيا- يُشكل متغير جديد في التعاطي مع الأزمات الكبرى التي تخرج عن نطاق استعمال المجموعات المسلحة في خلق النزاعات وإدارتها، لأن الحرب الحالية مواجهة عسكرية مباشرة لا وجود فيها لأطراف ثانوية يمكن لها القيام بدور في تغيير واقع المعارك على الأرض مع تقدم كاسح للجيش الروسي في مختلف الجبهات على الأراضي الأوكرانية.
ثأر الشيشان:
حالة الاصطفاف العسكري في المعارك الحالية الدائرة بين الجيش الروسي والجيش الأوكراني، وغياب تام لأي فكرة بالتدخل من قبل دول أوروبا الغربية أو حلف الناتو لمساندة الجيش الأوكراني، والإبقاء على حجم المساندة العسكرية في مستوى التسليح والدعم اللوجستي- تطرح فرضيات فتح الأبواب لقوى شبه عسكرية للدخول في المعارك ضد الجيش الروسي، من منطلق ثأر قديم مازالت جراحه متمددة في جسد المجاهدين الشيشان تحديدا، والذين لم تكتفي روسيا بهزيمتهم في بلدهم والقضاء عليهم، بل كانت المعارك التي خاضتها القوات الروسية في سوريا موجهة ضد هذه المجموعات التي انضوت تحت رايات الجماعات الإرهابية في شمال وشرق سوريا متحالفة مع تنظيم القاعدة، وارتبط بعضها بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ووجدت تحالفات فرضها واقع الميدان مع جماعات جهادية متناثرة في الشمال السوري وقرب الحدود مع تركيا.
يذكر أن، الجماعات الإرهابية الشيشانية المتواجدة في سوريا، والتي تخضع لحالة حصار جراء فشلها في إسقاط النظام السوري رفقة بقية المجموعات الإرهابية المنتشرة في الأراضي السورية- تمركزت في تلك الدولة بعد إعلان مؤتمر علماء المسلمين، الذي عقد بالقاهرة في الـ 13 من يونيو 2013 بمباركة وحضور الرئيس المخلوع محمد مرسي، وقيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من سبعين من زعماء الجماعات الإرهابية المتطرفة[i]، والذي، قال بيانه في ذلك الوقت “وجوب الجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة، وما شأنه إنقاذ الشعب السوري من النظام، ووجوب العمل على وحدة المسلمين في مواجهة الجرائم واتخاذ الموقف الحازم الذي ينقذ الأمة وتبرأ به أمام الله”.
هذا الموقف، الذي أعلنه من أطلقوا على أنفسهم علماء الأمة وألقاه الشيخ محمد حسان أمام الحضور في القاهرة، شكل منعرج التحاق الإرهابيين والمتطرفين من مختلف الجنسيات بالأراضي السورية، وخاصة الشيشانيين الذين وجدوا فرصة مناسبة لاستمرار التواصل الجهادي مع الجماعات المتطرفة واستمرار دورهم في تحقيق مشروعهم بالسعي لإقامة إمارات إسلامية والانتقام من روسيا وحلفائها في كل ساحة حرب ممكنة.
الجهاد في أوكرانيا:
لم تتأخر قيادات جماعة الإخوان عن بدء إصدار الفتاوى بواجب الجهاد في أوكرانيا ضد الجيش الروسي، حيث ذكر القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة التونسية([ii]) نور الدين الخادمي، المقيم في قطر في مداخلة نشرها على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، قائلاً إن” الجهاد في أوكرانيا ضد الجيش الروسي نصرة للمظلوم الذي اعتدي عليه، وواجب الإغاثة الإسلامية للشعب الأوكراني أمر لا يقبل النقاش أو الرد، لأن أوكرانيا هي المعتدى عليها من الروس، والدافع الأساسي لهذه الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا النزعة الديكتاتورية القيصرية لروسيا، وانخراط روسيا في مشروع الثورات المضادة بوجودها في ليبيا وسوريا وبعض المناطق الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، هو تموقع روسي بدعم الثورات المضادة التي تواجه الثورات العربية التي انطلقت منذ عشر سنوات، وأوكرانيا تشهد تحررا شعبيا ضمن ما يعرف بسيادة الشعوب على أراضيها وخياراتها، ومواجهة هذا العدوان الروسي على أوكرانيا من مصلحتنا في أن لا تتزايد الديكتاتوريات وتتمركز أكثر في العالم، وما دخل روسيا في ليبيا والمشروع المضاد للثورة الليبية والانتقال الوطني التحرر الديمقراطي في ليبيا، ودعمها للثورة المضادة والانتقال التحرري من الاستبداد، فإن “حرب أوكرانيا في ميزان الشريعة الإسلامية” تظهر أن هذه الحرب عدوان على أوكرانيا، ولها تداعيات خطيرة على المصالح العالمية والمصالح الإسلامية، وعلى مستوى الانتقال التحرري الديمقراطي للأقطار العربية الإسلامية التي تشهد هذا الانتقال والمسار الثوري والإصلاحي، ومن حق الشعوب أن تحقق انتقالها الديمقراطي الإصلاحي، وفي هذه الحرب لا بد أن ينحاز فيها المسلمون إلى الشعوب ولا إلى الديكتاتوريات التوسعية، والمسلمون معنيون ومأمورون بمنع العدوان ومنع البغي والاستبداد والديكتاتورية، ولكل مسلم ومسلمة دور في هذه الحرب، من حيث فضح ظلمها، ومن حيث إنكارها والانتصار للمظلوم والمعتدى عليه وواجب ردها والتصدي لها”.
فتح أبواب الجهاد:
الفتوى السابقة، تظهر أن السياق العام لجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الجهادية التكفيرية، ممتلئ برغبات دفينة لدى هذه الجماعات، حيث تسعى جاهدة بأن تجد لها موطئ قدم في الحرب ضد القوات الروسية في محاولة استعادة دور فقدته مع هزيمة مشاريع تقسيم سوريا، وإسقاط نظامها، واندحار الجماعة في كل الساحات التي فرضوا فيها قسرا لتمرير عمليات تدميرها.
بالتالي، مع بدء زوال الحرج من غياب الوازع الشرعي لتبرير الجهاد تصبح آليات البحث عن انتقال هؤلاء، وفي مقدمتهم المجاهدين الشيشان إلى أوكرانيا الخطوة الثانية التي لن يتأخر السعي إليها في أقرب الآجال، ولا تبدو الحاجة للبحث عن تهييج إعلامي أو تكرار نفس أساليب الحشد للجهاد في سوريا التي استعملتها جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة اتحاد علماء المسلمين حينها بعقد المؤتمرات، وإصدار مئات الفتاوى، باعتبار الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بل ستمر الحكاية بمن حضر ومن تواجد وبأقل ضجيج ممكن في هذه المرحلة، لأن تكرار نفس المنهجية الإعلامية الدعائية التي ساروا عليها في سوريا سيضعهم في موقف فاضح أمام العالم الإسلامي، الذين يعانون من قطيعة كبرى معه بعد أن كُشف كذبهم وفضائحهم، وسيكون الفعل الجهادي فيما بعد رسائل تحفيز لمن سيغرر بهم للالتحاق بالمحارق الجديدة، وللقوى التي يريدون أن يستعيدوا حظوتهم لديها، خاصة الإدارة الديمقراطية في واشنطن، التي راهنت عليهم، ودعمتهم بكل قوة من أجل تمرير مشاريع الفوضى الخلاقة أو ما سمي بالربيع العربي قبل فشله وانهيار الجماعات التي حاولت تمريره بالعنف رغما عن إرادة شعوب المنطقة.
وعليه، يمكن القول إن انتقال هذه الجماعات إلى أوكرانيا سيمر عبر العديد من العواصم دون ضجيج، والجماعات الجهادية التكفيرية، وأولها المجاهدين الشيشان سيكون اندماجهم في المعارك سهلا بحكم معرفتهم بطبيعة المنطقة، وتقاربهم اللغوي والاجتماعي مع سكان المنطقة، مما سيعطيهم مساحة عمل كبيرة لمساندة الجيش الأوكراني، الذي يواجه بصعوبة التقدم الروسي، ولن تكون هناك خيارات كثيرة في حال انهياره، وسقوط منظومة الحكم غير التحول لحروب العصابات والجماعات المسلحة، بهدف ضرب الوجود العسكري الروسي، ومن سيتحالف معه من الأوكرانيين، وهذه الاحتمالية تعطي للجماعات الجهادية التكفيرية فرصة للعمل واستقطاب المسلمين الأوكرانيين، ومن ثم إعادة بناء القاعدية الجهادية على تخوم الاتحاد الروسي، التي كانت وما تزال أحد المشاريع التي عملت الولايات المتحدة على إيجادها بالتوازي مع تفكيك يوغسلافيا في تسعينات القرن الماضي، والذي لعب فيه المجاهدون العرب، وعناصر الجماعات الإرهابية دورا خطيرا في المعارك، وتقسيم يوغسلافيا لعدة دول، منها البوسنة ذات الأغلبية الإسلامية التي تخلصت منهم وألقت بهم خارج حدودها وجردتهم من جنسيتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
تأسيسا على ما سبق، وفي النهاية يمكن القول، سيكون العالم في انتظار إعلان النفير، وخروج الجماعات الجهادية من التردد، وبالتالي ستحاول كل الأطراف التي تورطت سابقا في مشاريع الجهاد المؤجر، التسابق لتقديم خدماتها مع ارتفاع منسوب العجز الأمريكي الأوروبي في مساندة أوكرانيا، وفشل مخططات حلف الناتو في مساندة الجيش الأوكراني- أي أنه مع انتظار إعلان الانهيار أو سقوط العاصمة كييف، يتحضر تجار الجهاد لإعلان نصرتهم للشعب الأوكراني في مواجهة الروس الذين تحولوا من الشيوعيين الكفار إلى القيصرية الديكتاتورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
. بيان اعلان الجهاد في سوريا 18 يونيو 2013 اجتماع القاهرة لاتحاد علماء المسلمين ـ موقع الجزيرة نت [i]
. حرب اوكرانيا في ميزان الشريعة”، موقف نور الدين الخادمي تسجيل فيديو على صفحته الرسمية موقع التواصل الاجتماعي فييس بوك في 6 مارس 2022.[ii]