أي تأثير على روسيا بعد حرمانها من “سويفت”؟
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو» توقيع حزمة من العقوبات المالية والاقتصادية على روسيا الاتحادية، كان أهمها استبعاد عدد من البنوك الروسية من نظام ” سويفت”، وذلك بهدف زيادة عزل روسيا عن النظام المالي الدولي جراء غزوها المستمر لأوكرانيا.
ما سبق،-الإجراء العقابي- يشير إلى أن البنوك الروسية لن تكون قادرة على التواصل بشكل آمن مع نظيرتها خارج حدودها، كما سيتعين عليها تنفيذ معاملاتها مع شركائها الأجانب بالطريقة القديمة، أي عن طريق الفاكس، وهو أمر يستغرق وقتا طويلا للغاية. وبحسب الاتحاد الأوروبي، تشمل العقوبات حاليا نحو 70% من البنوك الروسية، والتي تعتبر مندمجة بعمق في النظام المالي العالمي، مما يعني أن ضرر العقوبات يمكن أن يتخطى حدودها
تأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة عن سؤال الساعة، وهو: أي تأثير لحجب روسيا عن نظام سويفت؟، بالتالي يكون من الضرورة الإجابة أيضا عن سؤال يسبقه، وهو: وما المقصود بنظام سويفت المالى؟
ما هو نظام سويفت؟:
نظام السوفيت، هو شريان مالي عالمي يسمح بانتقال سلس وسريع للأموال عبر الحدود. فهو نظام مراسلة آمن تستخدمه آلاف البنوك حول العالم بهدف إجراء تحويلات بسيطة لتسوية معاملات عملائها أو تبادل الأوراق المالية أو الأسهم أو السندات الحكومات. ويرسل هذا النظام أكثر من 40 مليون رسالة يومية، إذ يتم تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات. وكلمة – SWIFT -، هي اختصار لـ “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك”، وقد أنشئ هذا النظام عام 1973 ومركز هذه الجمعية بلجيكا، ويربط نظام سويفت 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة. ويهدف «سويفت» إلى تقديم أحدث الوسائل العلمية في مجال ربط وتبادل الرسائل والمعلومات بين جميع أسواق المال من خلال البنوك المسئولة عن تنفيذ ذلك في مختلف الدول. كما أن منظومة سويفت لا تحتفظ بالأموال أو تحولها، لكنها تسمح للبنوك بإبلاغها بالتبادلات التي تهمها. وقد تم حجب نظام سويفت عن دولة واحدة في التاريخ، هي إيران عام 2012 كجزء من تدابير استهدفت احتواء البرنامج النووي الإيراني، وهو أقوى الأسلحة المالية التي يمكن أن تُعاقب به دولة، إذ سيقطع البلاد عن جزء كبير من النظام المالي العالمي.
تداعيات “سويفت” على روسيا:
تعد روسيا ثاني أكبر دولة بعد الولايات المتحدة من حيث عدد مستخدمي نظام “سويفت”، حيث تنتمي حوالي 300 مؤسسة مالية روسية إلى النظام، أي أن أكثر من نصف مؤسساتها المالية أعضاء في “سويفت”، وذلك بحسب بيانات جمعية “روسيفت” الروسية. كما تحتل روسيا المرتبة السادسة عالميا في رسائل الدفعات في سويفت، ويتراوح متوسط الدفعات السنوية لها بين 600 و800 مليار دولار (وهو رقم مرتفع بالنظر إلى أن الناتج الإجمالي لروسيا بلغ 1.5 تريليون دولار عام 2020)، وتستخدم روسيا هذا النظام عند تصديرها لمنتجات الطاقة التي تشكل 40 % من ميزانيتها الحكومية بقيمة 200 مليار دولار، والتي تتمثل بأرباحها العالمية من صادراتها النفطية، بحسب وكالة “بلومبيرغ.
وعليه، يؤدى وجود هذه العقوبات إلى بعض الآثار السلبية للاقتصاد الروسى، فسوف يستعصي على البنك المركزي الروسي استخدام احتياطياته الأجنبية التي يزيد حجمها على 630 مليار دولار، وسيفقد قدرته على تسييل أصوله، وتعويض أي عقوبات مستقبلية، مما يعني زيادة احتمالية هبوط قيمة الروبل الروسي وزيادة التضخم.
هذا بالإضافة إلى شل حركة تجارتها مع معظم دول العالم، حيث أن صادرات روسيا لكل السلع من النفط مرورا بالمعادن والحبوب ستتعرض لعراقيل وتعطل بالغ، بسبب العقوبات الجديدة والمتصاعدة التي فرضها الغرب، مما سيوجه ضربة للاقتصاد الروسي. وقد بدأت طلائع العقوبات تظهر أثرها على الساحة الروسية، فقد سجلت العملة المحلية “الروبل” تراجعاً ملحوظا خلال الأيام الماضية. فقد انخفض الروبل نحو 26% أمام الدولار الأميركي.
وعلى الرغم من أن بعض البنوك الروسية الكبرى، مثل (غازبرومبنك) الذي يتعامل مع المدفوعات الضخمة للنفط والغاز، لم تتعرض لحجب كامل بموجب العقوبات- إلا أن المحللين رأوا أن الوقت الذي سيستغرقه أمر التحول لأنظمة جديدة لا يزال بحاجة إلى وقت.
ومن منظور اقتصادي، نرى أن تلك العقوبة لن تطول أو بمعنى أخر لم تؤتى بنتائجها السلبية بشكل بالغ على الاقتصاد الروسي، لأنها ستنعكس وبقوة على الدول الموقعة لها وسيلحق أذى كبيراً بشركاتهم وبنوكهم، حيث أن طرد روسيا من النظام العالمي الحيوي، الذي يمرر يوميا نحو 42 مليون رسالة ويعد بمثابة شريان الحياة لبعض من أكبر المؤسسات المالية العالمية، ستنشأ عنه أضرارا كبيرة وسيرفع معدلات التضخم لمستويات أعلى، وسيدفع روسيا للاقتراب أكثر وأكثر من الصين التي تخشى منها الولايات المتحدة ودول أوروبا، مما يحمي المعاملات المالية من رقابة الغرب لها.
وبالتالي، قد تتسبب هذه الخطوة أيضا في تشجيع إقامة نظام سويفت بديل يهدد هيمنة الدولار الأمريكية في نهاية المطاف. كما أن الأمر قد يؤدى أيضا إلى نشوء تداعيات أوسع نطاقا، منها الوقوع فى أزمة طاقة في أوروبا، وهو سيناريو تخشى أوروبا منه وتسعى إلى تجنبه. كما إن قرار استبعاد بعض البنوك من شبكة سويفت وليس كلها- قد يدفع بعض الكيانات الروسية إلى التحول لبنوك ومؤسسات كبرى متعددة الجنسيات غير خاضعة للعقوبات، ومثل هذا التحول قد يسبب مشكلة للبنوك العالمية.
رد فعل روسيا تجاه الحجب:
يعيد نظام الحجب عن نظام سويفت إلى الأذهان ما حدث فى عام 2014 عندما ضمت شبه جزيرة القرم، حيث لم تقف موسكو مكتوفة الأيدي بعد صدور دعوات لفصلها عن نظام “سويفت” حينها، قامت موسكو بتطوير بنية تحتية مالية محلية لمواجهة مثل ذلك التهديد من خلال إنشاء شبكة خاصة كنظام بديل للتراسل هو “إس.بي.إف.إس” (SPFS) ، الخاص بتحويلات مصرفية ونظام مير (Mir) للدفع بالبطاقات على غرار أنظمة “فيزا” و”ماستر كارد”.
كما أنه بديلاً لشبكة سويفت أنشأت روسيا شبكة خاصة بها اسمها نظام نقل المراسلات المالية وبلغ عدد الرسائل المرسلة عبر “إس.بي.إف.إس” نحو مليونين في 2020 تعادل خُمس حركة التراسل الداخلية الروسية، ويستهدف البنك المركزي رفع النسبة إلى 30 % في 2023. غير أن الشبكة الروسية التي تقيد عدد المراسلات وتعمل في أيام العمل الأسبوعية فقط واجهت صعوبة في ضم أعضاء أجانب إليها وترسيخ نفسه في المعاملات الدولية.
ما سبق يشير يشير إلى أن الحظر سيجبر البنوك الروسية على مزيد من الابتكار في التواصل مع النظام المالي. فمن الممكن أن تصبح المؤسسات متعددة الجنسيات التي لها عمليات ضخمة في العملات والبنوك المتصلة بشبكة سويفت المراكز الجديدة للتعاملات المالية من روسيا مع الخارج، وهذا ما قد يرجح سبب عدم ذعر روسيا من هذه العقوبة، على العكس أكد البنك المركزي الروسي على استقرار النظام المصرفي، وأشار المركزي إلى زيادة نطاق الأوراق المالية التي يمكن أن تستخدم كضمان للحصول على قروض منه.
في النهاية، يتضح أن حظر روسيا من نظام “سويفت” سلاح ذو حدين، فهو عقوبة اقتصادية على روسيا بالتأكيد لها أثارها السلبية، ولكن لن يسلم الغرب من شظاياها، لأن بنوكهم من أكثر مستخدمي هذا النظام المالي للتواصل مع البنوك الروسية .كما أن استثمارات بعض الشركات والدول الأوروبية في روسيا، ستواجه ضررا كبيرا نتيجة الحجب، لذلك فإن بعض الدول الأوروبية لا توافق على عقوبة سويفت.
كما أن هناك حلول بديلة لـ Swift وإن كانت أقل فاعلية وأكثر تكلفة. وختاما، تشير العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا بعد 2014 إلى جعل بوتين يصلح الثغرات في اقتصاده، فعلى مدى السنوات الثماني الماضية، حول روسيا إلى حصن اقتصادي، ولا يمكن للعقوبات إلا أن تتسبب فى ضرر محدود فى الأجل خاصة فى ظل امتلاك روسيا في الوقت الراهن احتياطيات كبيرة من الذهب النقد الأجنبي.