“رع” يعقد حلقة نقاشية حول تداعيات الأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط

استضاف “مركز رع للدراسات الاستراتيجية”، الدكتور “وحيد سمير إسماعيل”، خبير الشؤون العربية، في حلقة نقاشية بالمركز بحضور الخبراء والباحثين، للحديث عن تداعيات الأزمة الأوكرانية، وتحديد انعاكاساتها على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، والعالم بشكل عام، وقد دشن الحاضرون نقاط متعددة خلال النقاش من بينها مردودات الأزمة على سوريا والدول العربية، وإسرائيل، وتركيا وإيران، وصولًا لتأثيرها على مستقبل النظام العالمي.
في البداية، حدد الباحث “محمد صابر” – الباحث بوحدة دراسات الأمن الإقليمي بالمركز، مجموعة من التدعيات على الشرق الأوسط من جراء الأزمة، حيث أوضح أن لتصعيدات الأزمة الأوكرانية انعكاسات عديدة على الشرق الأوسط من جميع النواحي (اقتصاديًا، وسياسيًا واجتماعيًا، إلخ..)، والتي يمكن توضيح بعضها كالتالي، على سبيل المثال لا الحصر:
(*) أولًا– التوتر بالعلاقات بين موسكو وتل أبيب: في حال غزو روسيا لأوكرانيا فإن العلاقات الروسية الإسرائيلية مهددة خاصة فيما يدور بسوريا، فتعتبر حدود تل أبيب مع الأخيرة حدودًا مع روسيا عمليًا، وتحتاج إسرائيل في هجماتها على الأراضي السورية التي تزعم بأنها موجهة لمواقع الميليشيات والنشاطات إيرانية، إلى تنسيق استخباراتي مع روسيا باستمرار، لذلك تتوخى إسرائيل الحذر مؤخرًا في التعامل مع “كييف”، لاسيما في الإعلان عن رفض إسرائيل بيع نظام “القبة الحديدية” لأوكرانيا، حيث أن بيع المعدات التكنولوجية لـ “كييف” بات يضع “تل أبيب” في مواجهة مع روسيا، ومن البديهي أنه في حال فرض الناتو عقوبات على موسكو، أو توترت العلاقات بشكل أكبر، فإن إسرائيل ستكون في صف حليفتها التقليدية “واشنطن”، بما يؤدي لتوتر علاقات الأولى بروسيا، بما يحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات ضد إيران في سوريا، وقد اتضحت مظاهر ذلك التوتر على الخطاب الروسي تجاه الهجمات الإسرائيلية في سوريا بالآونة الأخيرة، وتستطيع روسيا أن تقوم برد فعلي، لاسيما وعلى أقل تقدير تفعيل منظومة الصواريخ الروسية (ٍS 300 ) ضد الطائرات الإسرائيلية.
(*) ثانيًا– تفاقم الخلافات بين روسيا ودول الناتو في الشرق الأوسط: انعكس ذلك على المناورات الروسية في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، والتي أطلقت عليها “مناورات للبحث عن غواصات العدو”، وكان الناتو يجري مناورات في البحر المتوسط، وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية وصول قاذفات روسية إلى مطار حميميم في سوريا، ومزودة بـ “صواريخ كيجنال فرط الصوتية”، ما يصعب رصدها بواسطة الدفاعات الجوية، ويمكن استخدامها لتدمير أهدافًا على بعد (2000 كم)، وإغلاق البحر المتوسط بشكل كامل، بما يحمل رسائل من روسيا بتواجدها القوي في المنطقة، ويعتقد الباحث “محمد صابر” أن من هذا المنطلق يمكن تفسير التواجد الأمريكي في سوريا على أنه ليس فقط لمواجهة الإرهاب، وإنما أيضًا كجزء من تطورات العلاقة بين روسيا والناتو.
(*) ثالثًا– مردودات على العلاقات بين روسيا وتركيا: بيد أن تركيا عضو بالناتو، فإنها تتخذ موقفًا مزدوجًا تجاه الأزمة الأوكرانية، فتدعم أوكرانيا وتمدها بالطائرات المسيرة “بيرقدار”، وترغب في أن تتولى الوساطة بين “موسكو” و “كييف”، من جانب وآخر، هناك توتر بلا شك يهدد العلاقات التركية – الروسية، في حال أقدمت موسكو على غزو أوكرانيا، واضطرت تركيا لتطبيق أية عقوبات يفرضها الناتو على روسيا، وبعد أن تحسنت العلاقات بين البلدين بشكل كبير، وتفهمت موسكو مخاوف أنقرة من المسألة الكردية، فقدمت لها تنازلات في شمال غرب سوريا، وزودتها أيضًا بمنظومة (S 400 ) الروسية، ولا يمكن تجاهل اعتماد تركيا على موسكو في تغطية أكبر جزء من حاجاتها من الطاقة من الخارج، ومسألة السياحة الروسية التي تعود على الاقتصاد التركي بمكتسبات هامة، بما يضع تركيا في مأزق، بين حاجتها لروسيا وعضويتها بالناتو، لذلك فإن العلاقات التي تطورت بين بوتين وأردوغان مهددة حاليًا، وبالأخص في حال قررت روسيا غزو أوكرانيا.
(*) رابعًا– تحقيق مكتسبات إيرانية عديدة من الأزمة: أما إيران فيرى الباحث أنها على النقيض مع تركيا، ترى في الأزمة الأوكرانية وتفاقم الوضع، فرص متعددة أمام طهران بالشرق الأوسط، فقد وضعت الإدارة الأمريكية الأزمة أهم أولويتها، وتسعى مؤخرًا للوصول للاتفاق مع إيران، ما يعني أن الأزمة الأوكرانية قد سرعت من وتيرة الوصول للاتفاق النووي، بل وفي صالح طهران، التي لم تعد تحتاج أبدًا للتنازل عن أي من مطالبها وقد ازداد موقفها التفاوضي قوة، كما تتوفر لها مجموعة مكتسبات متعلقة بمحال تصدير النفط، وأن يكون ذلك معلنًا وليس كما في الفترة السابقة، ودون وقوع عقوبات على الدول المتعاملة مع طهران، كما أن وضع إسرائيل في مأزق مع روسيا في حال التصعيد، يخدم المصالح الإيرانية بشكل كبير في أن يحد من الهجمات الإسرائيلية ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا، ويمكن هذه الميليشيات من التحرك بحرية أكبر في الشرق الأوسط، تحت مظلة الحماية الروسية.
وتعقيبًا على ذلك، تحدث الدكتور “وحيد سمير إسماعيل” – خبير الشؤون العربية، عن تأثير الأزمة الأساسي والذي سينصب على فكرة التحالفات، والتي لها مجموعة أبعاد اقتصادية وسياسية وعسكرية، كما جرى الحديث عن العلاقات الروسية –التركية، أو العلاقات الروسية _الإسرائيلية، لها الكثير من الأبعد، على سبيل المثال تركيا ، في ظل محاولتها للموازنة بين علاقاتها بـ “موسكو”، اقتصاديًا وحتى الصداقة بين بوتين وأردوغان من جهة، وبين عضويتها في الناتو الذي يُعد خصمًا لروسيا من جهة أخرى، وهنا تجدر الإشارة لأهمية النظر لخارطة التحالفات، والبعد الاقتصادي بالأساس، على سبيل المثال أيضًا “ألمانيا” تعتمد على الغاز الروسي، لذلك قد تبحث عن بديل، ولذلك فذلك الآثر سيكون هامًا على التحالفات.
وفي ذلك الإطار، أكد الدكتور “أبو الفضل الإسناوي” – المشرف العام على المركز، أن إيران رابح كبير جدًا من الأزمة الأوكرانية، مؤكداً أن طهران استعادت قوتها التفاوضية بشكل كبير جدًا في مفاوضات “فيينا”، في ظل حالة الإنكسار الثانية للولايات المتحدة بعد أزمة الانسحاب من أفغانستان، الآن تواجه أزمة أوكرانيا، وبالتالي يعتقد الدكتور “أبو الفضل” أن إيران ستفرض شروطها فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، كما أشار إلى احتمالات تغير شكل الدعم الروسي لـ “بشار الأسد”، خاصًة وأنه بعد إعلان اسرائيل اتجاهها نحو “التحالف الأمريكي”، يعتقد الدكتور أن روسيا ستقوم بإمداد “الأسد” بصواريخ بعيدة المدى، وبالتالي خريطة التفاعلات على الأرض السورية ستتغير، ومن المُحتمل أن يتم استهداف اسرائيل بضربات من سوريا، كما أنه في حال فرض عقوبات اقتصادية على روسيا فلن يؤثر ذلك عليها، ويمكن هنا الاستشهاد بالنموذج الإيراني، أي أن هذه العقوبات لن تؤثر على روسيا بشكل كبير، ومن المحتمل أيضا أن تنحاز فرنسا ومعها ألمانيا للتحالف الروسي، وبالتالي فقد تتغير خارطة التحالفات داخل أوروبا، وهو ما يعني أن شكل النظام الدولي في المستقبل القريب سيختلف بشكل كبير جدًا.
من جهبة أخرى، تحدث الدكتور “عبدالناصر سعيد” – نائب مدير المركز لتطوير المحتوى العلمي والمتابعة، عن المكتسبات الإيرانية من الأزمة، حيث أشار إلى أن روسيا تغازل إيران، في دعوتها لها للإنضمام في منظمة “معاهدة الأمن الجماعي”، الأمر الذي يضع طهران تحت حماية المظلة الروسية، بما يعزز الموقف التفاوضي الإيراني، في نفس الوقت تحاول إيران توسعة مطالبها من الغرب بشكل عام، بدايًة بإلغاء العقوبات واسترداد كامل الأموال المُجمدة، وتخصيب اليوأرانيوم.
كما يؤكد الدكتور “عبدالناصر” سعي النظام السوري أيضًا للإستفادة من مجريات الأزمة، في اعتراف سوريا كأول دولة على المستوى العربي بالجمهوريتين الإنفصاليتين في شرق أوكرانيا ” دونيتسك – لوغانسك “، بحاول النظام السوري الاستفادة لتعزيز قوته في سوريا وإبداء مقازمة للهجمات الإسرائيلية، ولذلك نحن نتجه نحو تغير بالفعل لخريطة القوى على المستوى العالمي، وتضغط روسيا على هذه النقطة تحديدًا، وحديث روسيا في خطاب بوتين الثلاثاء 22 فبراير الجاري، أن روسيا تحاول استعادة اراضي الإمبراطورية الروسية القيصرية، يؤكد ذلك، ويرى أيضًا أنه لا بد من البحث عن دور للدول العربية.
في إطار الحديث عن دور دول الخليج العربي، يعقب الباحث “ضياء نوح” – رئيس برنامج دراسات الخليج، أنه إدراكًا لفكرة تغير خريطة توازنات القوى عالميًا، وانعكاس ذلك على المنطقة، وفيما تدلل مؤشرات عدة أن الوصول لاتفاق بشأن النووي الإيراني بات وشيكا، فإن تحركات خليجية حثيثة، تسعى من خلالها لتوفير كفة وازنة لقوة إيران، باعتبار أن الأخيرة هي الخصم الرئيسي للخليج عاملا بارزا، فهناك تحركات تجاه كل من اسرائيل، وتركيا وسعي لدفع المغرب للاشتباك بصورة أكبر مع تفاعلات المنطقة. ترتيبات المشهد الأمني تتكيف مع تلك التحولات خاصة مع ضم اسرائيل للقيادة المركزية الامريكية، مما يعني أن “تل ابيب” طرف امني في المنطقة من البحر الأحمر لمياه الخليج العربي.
ومن ناحية التأثير على خارطة التحالفات الأوروبية، تحدثت الباحثة “وردة عبدالرازق” –رئيسة برنامج الدراسات الأوروبية والأمريكية، مؤكدة أن الولايات المتحدة تضغط على دول أوروبا، لاتخاذ موقف حازم تجاه روسيا، على سيبيل المثال ان إيقاف خط غاز “نورد ستريم 2” يضر ألمانيا بشكل كبير ورغم ذلك قبلت، لكن ليس بوقفه بشكل نهائي، وإنما بتعليقه مؤقتا تحت الضغط الأمريكي، الذي بالتأكيد كان كبيرًا، وتعتقد الباحثة أن ذلك يعتبر خطوة في سياق الموقف الأوروبي عامة بهدف للتهدئة فقط لحين إشعار آخر، كما حاولت فرنسا إبداء اعتراضها نوعا ما. على خلاف بريطانيا التي ترى في الأزمة الأوكرانية فرصة لاستعادة مكانتها بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وجاء موقفها في سياق الموقف الأمريكي _ حيث منعت واشنطن روسيا من استخدام الدولار_ وفرضت على خطى العقوبات الأمريكية عقوبات على بعض المستثمرين والشركات في بريطانيا.
وختامًا، يعتقد الدكتور “عبدالناصر” أن فرض العقوبات على روسيا لن يؤثر سلبًا بها، بل وعلى العكس قد يحقق لها مكاسب، منها أن يدفع موسكو إلى التوجه نحو اكتفاء ذاتي من المواد الغذائية، وما تستورده من اوروبا وواشنطن، وتطوير منجاتها.
كما انتهي الدكتور “أبو الفضل” قائلاً أن التحالف الروسي الصيني يمثل ضربة لـ “الدولار”، ويعتقد أن واشنطن ستكون الخاسر الأول في الاساس من فكرة فرض العقوبات على روسيا، كما أشار أيضًا لأهمية متابعة خطوة عودة سوريا للجامعة العربية، كمؤشر هام في حال حدث ذلك أن الدول العربية في حالة توافق مع روسيا، وأشار الدكتور “سمير إسماعيل”، أن هذه التحولات في النظام الدولي كانت بدايتها منذ 2011، وأن ذلك ترسخ أكثر بعد أن بدأت الأزمة الأوكرانية، وفي ذلك هناك ترقب لتحولات كبيرة.