كيف يتأثر سعر القمح بعد الغزو الروسي لـ “أوكرانيا”؟

تطرح عملية الغزو الروسي لأوكرانيا صباح اليوم الـ 24 من فبراير 2022، وكذلك تداعياتها المحتملة خلال الساعات المقبلة سواء على الداخل الأوكراني أو ما يتعلق بالتأثير خارج حدود الدولة،- العديد من التساؤلات حول انعكاسات الضربات الروسية على أوكرانيا، وكذلك حدود ورد الفعل الأوكراني على أسعار القمح، خاصة وأن الدولتين من كبار المصدرين حول العالم، وكذلك تأثيرها على أسعار الخبز في الدول المستهلك للقمح من تلك الدولتين.

وعليه، ووفقا للخبراء فإن عمليه الغزو الروسي لأوكرانيا بدأت منذ انطلاقها تثير حالة من عدم اليقين في سوق الأقماح العالمية بما تحمله تلك الضربة من مخاطر وعواقب واسعة، ليس فقط على المستوى الأوروبي، بل أبعد بكثير لدرجة عبوره لحدود دول الشرق الأوسط وأنحاء أخرى، وهو ما يبشر بأزمة غذاء أو بالأحرى مهدداً الأمن الغذائي في عديد من الأنحاء، وتلك المناطق التي تعتمد في غذائها على القمح الروسي والأوكراني.

تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق إلى أهمية روسا وأوكرانيا كمنتجين للقمح عالميا، كذلك التداعيات المحتملة للغزو الروسي لأوكرانيا على أسعار القمح والحبوب على المستويين العالمي والشرق أوسطي، وكذل على دول إفريقيا.

أهمية عابرة للحدود:

يعود الاهتمام المتزايد بالأزمة بين روسيا وأوكرانيا لكونهما لاعبين رئيسيين في سوق الحبوب العالمي وخاصة القمح، حيث تعتبر روسيا المنتج الأول عالميا للقمح، بحجم إنتاج يتجاوز 40 مليون طن مترى لعام 2020-2021، بينما تحتل أوكرانيا المرتبة السادسة عالميا بحجم إنتاج يصل إلى 18 مليون طن مترى للعام ذاته.

شكل رقم (1) أكبر الدول على مستوى العالم فى انتاج القمح خلال العام 2020-2021

لقد شكلت صادرات الدولتين من القمح 30٪ من التجارة العالمية في العام المالى 2021-2022، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية، وتمثل صادرات البلدين من القمح مجتمعة 206.9 مليون طن .وتشكّل روسيا وأوكرانيا ما يصل إلى ثلث صادرات القمح عالميًّا، حيث تصدر روسيا نحو 20% من صادرات القمح على مستوى العالم، وتعرف أوكرانيا بـ”سلة الخبز في أوروبا“، وهي مسئولة عن 10% من صادرات القمح في العالم، وتمثّل نحو 12% من صادرات القمح العالمية، و16% للذرة، و18% للشعير، و19% لبذور اللفت.

كما صعدت أوكرانيا إلى المراتب المتقدمة في صادرات الحبوب الأخرى مثل الذرة. ويذهب أكثر من 40% من شحنات الذرة والقمح السنوية لأوكرانيا وروسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، مثل دول دول المغرب ومصر ولبنان واليمن وليبيا وماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش، حيث يستورد اليمن وليبيا على التوالي 22% و43% من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا، بينما صدرت أوكرانيا أيضًا في عام 2020 أكثر من 20% من القمح لماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش.

انعكاسات محتملة (إفريقيا-الشرق الأوسط):

من المحتمل في حالة حدوث التوغل الروسي في أوكرانيا، وكذلك تطبيق عقوبات غربية المحتملة، وما يرتبط بهما من تراجع للصادرات الروسية والأوكرانية- أن يحدث أسوأ سيناريو عالمي، يتسبب في حرمان الأسواق العالمية من إمدادات القمح، خاصة وأن من المرجح أن تحجمان الدولتين عن تصدير جزءٍ من حصة القمح تحسّبًا لاحتمالية نشوب حرب على خلفية الأزمة الراهنة.

ففي حالة حدوث هجوم على أوكرانيا، قد يؤدي ذلك إلى استيلاء روسي على الأرض، مما قد يؤدّي لانخفاض إنتاج القمح وسط فرار المزارعين وتدمير البنية التحتية. ووفقا لصحيفة ” وول ستريت الأمريكية ” إن الأضرار التي قد تحيق بالبنية التحتية الزراعية في أوكرانيا قد تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح بين 10% و20%.

هذا فضلا عن تراجع الإنتاج العالمي للدولتين تحسبا للظروف المحتملة للحرب، حيث أكدت البيانات العالمية أن صادرات روسيا من القمح بلغت 2.6 مليون طن خلال شهر يناير 2022، حيث انخفضت من 3.2 مليون طن في الشهر السابق له ديسمبر 2021، مشيرة إلى أن التراجع في صادرات القمح الروسي سببه الارتفاع الحاد في ضرائب التصدير وحصة التصدير المفروضة على الحبوب الغذائية. كما قدرت ستاندرد آند بورز صادرات القمح في العام التسويقي 2021-2022 في روسيا بنحو 36.5 مليون طن، وتوقعت أن يبلغ محصول القمح 77.6 مليون طن، وبالنسبة لصادرات أوكرانيا فقد تراجعت بشكل طفيف خلال شهر يناير 2022، مع انخفاض قيمة الفائض من الاستهلاك المحلي القابل للتصدير من القمح.

وفقاً لما سبق ذكره وما تحمله الأرقام السابقة من دلالات، وفي ظل حالة الإرباك التي يشهدها العالم، أصبحت ثمانية دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مهددة بأزمة فى أسعار القمح والخبز جراء التوترات بين روسيا وأوكرانيا. حيث دفعت التوترات المتصاعدة على حدود روسيا وأوكرانيا العقود الآجلة للقمح المتداولة في شيكاغو إلى الارتفاع بأكثر من 7% خلال شهر يناير 2022، إلى نحو 8 دولارات للبوشل (مكيال الحبوب)، وهو ما أكدته أيضا منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بأن مؤشر الأسعار العالمية للأغذية قد سجل ارتفاعاً.

وبالتالي، وتأسيسا على المخاطر المحتملة في حالة اشتداد الصراع، يتعين على المشترين في الشرق الأوسط دفع المزيد في تكاليف الشحن لجلب القمح من بدائل أخرى مثل الولايات المتحدة أو أستراليا .كما أن حدوث التدخل الروسي في أوكرانيا، والاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود، قد يؤدي إلى حجب كمية كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، ما سيؤثر بلا شك على دول مثل لبنان واليمن وإسرائيل وعمان، مشتري القمح الأوكراني الرئيسين.

خطورة ما سبق على الأسواق المعتمدة على القمح الروسي والأوكراني، أنه يأتي في ظل قفزة أسعار المواد الغذائية العالمية لنحو 28 % في العام الماضي 2021، حين ارتفع متوسط السعر العالمي للحبوب بنسبة 27.3% في سبتمبر 2021 مقارنة مع شهر سبتمبر 2020، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقد مضى. كما بلغ سعر القمح المستخدم في صناعة الخبز 271 دولاراً للطن في نهاية الربع الثالث من عام 2021، بزيادة قدرها 22 %على أساس سنوي. وارتفع السعر في الربع الرابع من عام 2021 بشكل أكبر مع تقلص المخزونات العالمية، حين تعرضت الولايات المتحدة وكندا وروسيا وبقية منتجي منطقة البحر الأسود لأضرار في المحاصيل بسبب الجفاف والصقيع والأمطار الغزيرة، ودفعت مخاوف الحرب العقود الآجلة للذرة بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ يونيو الماضي 2021، كما دفعت عقود القمح الآجلة إلى أعلى مستوياتها.

 وعليه، فإن أي أزمة إضافية في الموارد قد تكون كارثية، خاصة وأنه خلال السنوات العشرين الماضية، عززت المحاصيل الأوكرانية الوفيرة من دور –أوكرانيا- كقاعدة خبز عالمية، إذ أصبح بعض أكبر عملائها هم من البلدان المتضررة اقتصادياً، أو التي مزقتها الحرب أو الدول الهشة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك اليمن ولبنان وليبيا. ومن ثم فإن نقص الحبوب أو ارتفاع الأسعار لن يؤديا إلى تعميق  الأزمة فحسب، بل سيسفران عن عواقب اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها.

تأثيرات عالمية:

يشكل تهديد صادرات القمح الأوكراني، أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي، إذ لا يقتصر التهديد على دول الشرق الأوسط فحسب، بل إن الصين ودول الاتحاد الأوروبي من بين الزبائن الرئيسين للحبوب الأوكرانية، فعلى سبيل المثال صدرت أوكرانيا أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين عام 2020، وهو ما يزيد على ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.

 كما أن أوكرانيا بمفردها يمكن أن تضمن الأمن الغذائي في المملكة المتحدة، التي تستورد أكثر من نصف الحبوب الذي تستهلكه منها. فتكلفة الغزو الروسي لجارتها ستتوسع عالمياً لتدفع بارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تشهد زيادة بالفعل منذ جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، ومن ثم تتمدد المخاطر إلى ما هو أبعد كثيراً من أوروبا الشرقية. حيث صدرت أوكرانيا أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين في عام 2020، وهو ما يزيد قليلًا على ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية في ذلك العام، وفقًا لوزارة الزراعة الأميركية، لذلك قد يؤدي نقص الذرة الأوكراني إلى قيام الصين بشراء الذرة من الولايات المتحدة الأميركية. يضاف إلى ذلك انعكاسات أخرى أكثر خطرا تتمثل في ارتفاع أسعار النفط، وسط مخاوف من فرض عقوبات أميركية على روسيا وتعطيل صادرات الطاقة من أكبر منتج في العالم. ويتوقع مراقبون أنه إذا تصاعدت الأزمة إلى حد إطلاق عقوبات واسعة، فقد تؤدي الضربة إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلات سلسلة التوريد العالمية من خلال التأثير على أسواق السلع، بما في ذلك الغاز الطبيعي والمعادن مثل النيكل والنحاس والبلاتين المستخدم في تصنيع كل شيء من السيارات إلى المركبات الفضائية.

في النهاية يمكن القول، إن التوترات القائمة والحرب المحتملة بين روسيا وأوكرانيا من المؤكد أنها ستؤثر على امدادت وصادرات الدولتين للقمح وغيره من الحبوب، كذلك على أسعاره العالمية. وإن كان الوضع حتى تاريخه ىلم يتأثر بشكل كبير، إلا أن المؤشرات الاقتصادية توحى بارتفاعات طفيفة للأسعار العالمية للحبوب وعلى رأسها القمح. وبالتالي، من المحتمل حدوث ضرر دولي، خاصة في الدول العربية المستوردة للقمح من هاتين الدولتين. وعليه، قد يزداد الأمر سوءا للدول التى تعانى بالفعل من أزمات اقتصادية مثل ليبيا ولبنان واليمن والعراق.

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى