لماذا طغت الملفات الاقتصادية على أعمال القمة الأفريقية الـ 35؟
بعد غياب عامين بفعل انتشار جائحة كورونا، انطلقت فعاليات القمة الأفريقية الـ35 على مدار يومي (5-6 فبراير2022)، والتي عقدت بمشاركة عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، وغياب أربع دول علقت عضويتها مؤخرا بسبب الانقلابات التي جرت فيها وهي مالي والسودان وغينيا كوناكري وبوركينا فاسو، فما هي أبرز الملفات والقضايا التي طرحت على طاولة مباحثات ونقاشات القمة؟، هذا ما نحاول بيانه فيما يلي.
ملفات شائكة:
جرت القمة الأفريقية هذا العام، تحت شعار “بناء المرونة في القارة الأفريقية: تسريع رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية”، حيث تناولت القمة مجموعة من القضايا والموضوعات المتشابكة، كونها تحمل مضامين متعددة، تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة الأفريقية، جنبا إلى جنب مع حالة السلم والأمن، وجهود مواجهة التداعيات الناجمة عن انتشار جائحة كورونا، فضلا عن تداعيات ظاهرة تغير المناخ وعملية التكامل الاقتصادي والاندماج القاري، وهي قضايا تعج بها الساحة الأفريقية، غير أننا في هذا المقال نستعرض أهم الملفات الاقتصادية التي طرحت في القمة، وهي.
(*) التداعيات الاقتصادية للانقلابات العسكرية: من الملاحظ أن الانقلابات العسكرية صارت حدثاً شائعاً ومتكرراً في القارة الأفريقية، بل يكاد تكون أحد السمات المميزة للأوضاع السياسية التي يشهدها العديد من دول القارة، فمنذ منذ حصول الدول الأفريقية على الاستقلال في خمسينات القرن العشرين،تجاوز عدد الانقلابات التي وقت في أفريقيا حاجز الـ201 انقلاب، منها أربعة انقلابات وقعت خلال عام 2021 أهمها: مالي وغينيا وأفريقيا الوسطى، وهي بذلك تتصدر الترتيب العالمي لعدد الانقلابات.
وعادة ما تؤثر الانقلابات العسكرية على اقتصادات القارة، فمع سيادة حالة عدم اليقين السياسي؛يتقلص الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الرئيسية كالزراعة والنفط والتعدين، مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الرئيسية باختلاف أنواعها،وتتزايد أعداد المشردين واللاجئين والنازحين من أماكن النزاع إلى أماكن أخرى أكثر استقرارا، ولعل ذلك يفسر لماذا تضم إفريقيا وحدها نحو ثلث عدد اللاجئين على مستوى العالم، كما يترتب على ذلك أيضا عددا من الآثار الاقتصادية السلبية الأخرى، مثل: تدنِّي معدّلات النمو الاقتصادي، وارتفاع مستويات الفقر، وتدنِّي متوسطات دخول الأفراد، وتدهور البنية التحتية، وتفكّك الأُسَر نتيجة تزايد حالات القتل والتشريد.
(*) التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا: قبل ظهور جائحة كورونا المستجد (كوفيد- 19)، توقع صندوق النقد الدولي أن تضم القارة الأفريقية(6) اقتصادات من أسرع (10) اقتصادات نموًّا في العالم في عام 2020، وهو أمر مهم بالنسبة لقارة تضم أكبر عدد من الفقراء في العالم يقدر بأكثر من 422 مليون نسمة، غير أن انتشار جائحة كورونا أدى إلى زيادة معاناة القارة الأفريقية أكثر، وهي مثقلة بالأعباء في الأساس، فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، خسرت الدول الإفريقية منذ ظهور هذه الجائحة وحتى بداية مارس 2020، ما يقدر بنحو 29 مليار دولار، وحتى الآن تجاوزت الخسائر الاقتصادية حاجز الـ 70 مليار دولار،ومازالت الخسائر مستمرة مع تفشى هذا الوباء،خاصة مع تراجع معدلات النمو الاقتصادي لمعظم دول القارة، والتي حققت بعضها معدلات نمو سلبية،مما يصب سلبا فيغير صالح خطط وأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا.
(*) عدم عدالة توزيع اللقاحات: مع تفشي فيروس كورونا في العالم، وظهور بعض اللقاحات المستخدمة في مكافحته، اتجهت العديد من دول العالم إلى تطعيم مواطنيها بتلك اللقاحات، غير أن غالبية الدول الأفريقية لم تكن لديها القدرة على توفير أيا منها، وقدرت منظمة الصحة العالمية أن 10% فقط من البلدان الأفريقية، يمكنها تلقيح ما نسبته 40% من مواطنيها بحلول نهاية عام 2021، غير أن تقارير أشارت إلى أن ما تم تطعيمهم من من الأفارقة تصل نسبتهم من 6% إلى 7% فقط،حتى أكتوبر 2021، ما جعل من مسألة توفير اللقاحات مسألة مهمة على أجندة مباحثات القمة الأفريقية.
ولا يزال من المنتظر أن يولي القادة الأفارقة أهمية كبيرة للتصدي لجائحة كورونا، والعمل على تفعيل مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا، والقيام بالمزيد من الشراكات لتصنيع اللقاحات بدول لقارة، التي تعاني من عدم العدالة في توزيع للقاحات، فضلا عن التصديق لإنشاء وكالة الأدوية الأفريقية، كما يتطلع قطاع عريض من الأفارقة للحصول على رد من القادة الأفارقة، بخصوص ما فرضته مجموعة من الدول الغربية من قيود على السفر من ثمانية أفريقية، أبرزها جنوب إفريقيا بعد اكتشاف متحور “أوميكرون”.
(*) الآثار الاقتصادية المتوقعة لتغير المناخ: على الرغم من أن القارة الأفريقية الأقل انبعاثا لغاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة لا تزيد عن 4% من إجمالي الانبعاثات الكربونية الملوثة للبيئة عالميا، إلا أن القارة تعتبر أولى ضحايا تداعيات التغير المناخي، ربما أكثر من الدول الصناعية والمتقدمة، المنتجة لأكبر نسبة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
ففي حالة حدوث السيناريو الأسوأ للتغير المناخي، وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية أربع درجات في الثلاثين عاما القادمة، ستكون أفريقيا أكثر القارات تضررا بسبب ارتفاع الحرارة، وانتشار موجات جاف واسعة في معظم أنحاء القارة،خاصة مع زيادة احتياج المزروعات للمياه وزيادة نسب تبخر مياه الأنهار وانخفاض مناسيبها ومنها النيل.
ربما يؤدي التغير المناخي إلى اختفاء الأنهار الجليدية في شرق أفريقيا خلال عقدين، جراء الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وما يصاحب ذلك من آثار مثل القحط والفيضانات، والذي بدوره يردي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للقارة بمقدار 3%، بحلول منتصف القرن الحالي، ومن المتوقع أن يتعرض ما بين 75 و 250 مليون شخص في القارة إلى زيادة الإجهاد المائي، وبالتالي يشكل تغير المناخ تهديدا خاصا لاستمرار النمو الاقتصادي وسبل كسب العيش للسكان الضعفاء.
مستقبل التكامل القاري في أفريقيا:
برغم صعوبة الملفات الآنية المطروحة للنقاش على طاولة مباحثات القمة الأفريقية الـ 35، لم يغب الحديث عن الموضوعات المتعلقة بمستقبل القارة، فقد ناقش قادة أفريقيا عدد من القضايا المستقبلية، يأتي من أهمها ما يلي:
(&) مستقبل «مبادرة إسكات البنادق»: وهي مبادرة أطلقت عام 2013، من أجل إنهاء النزاعات المسلحة في القارة في أفق عام 2020، وإن اضطرا لاتحاد الأفريقي لتمديد أفق هذه المبادرة حتى عام 2030، بسبب الصعوبات التي تواجهها على أرض الواقع، وتزايد بؤر التوتر في القارة.
(&) مستقبل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية: تم توقيع اتفاق إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية تحت مسمى “اتفاق التكتلات القارية في أفريقيا”،بعد مفاوضات استمرت قرابة عشر سنوات (منذ عام2008)، وفي اختتام فعاليات قمة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الرواندية كيجالى في مارس 2018،حيث وقعت مصر و43 دولة أفريقية ليصل إجمالي عدد الدول الموقعة على الاتفاق إلى 44 دولة .
ويعد إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية خطوة كبيرة نحو إقامة السوق الأفريقية المشتركة، وصولاً إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي الإفريقي، مما يساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي الأفريقي وتعزيز التنمية المستدامة، وزيادة معدلات النمو لكافة الاقتصاديات والشعوب الإفريقية تماشياً مع أجندة رؤية إفريقيا 2063، ولكن تعطلت مرحلة تنفيذ المنطقة حيز التنفيذ بسبب وباء كورونا، إلا أن تم إعلان دخولها حيز التشغيل في يناير 2021، وأصبح على الدول الأفريقية البدء الفعلي في تطبيق التزامات التخفيضات والإعفاءات الجمركية المقررة .
(&) مستقبل التطورات الراهنة في القارة: حيث تشهد القارة الإفريقية اختلالاً في اقتصادها الكلي وانخفاضًا في القدرة التنافسية بسبب انعكاسات وباء كورونا، هذا بالإضافة الى هيمنة الدول العملاقة اقتصاديًّا كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين على السوق التجارية الإفريقية، ولعل فهم السياقات العامة للقارة سيجعل إدراك مبررات إنشاء المنطقة أكثر وضوحًا.
يضاف الى ذلك ما تسببه المشكلات والاضطرابات السياسية من تعطيل لعمل بعض الدول بالتكتلات الإقليمية الأفريقية، حيث تم تعليق عضوية مالي في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) بعد انقلاب عام 2021، وأصدرت الجماعة عقوبات عليها، كذلك الحال تم تعليق عضوية غينيا من قبل (الإيكواس) وهو ما يؤثر سلباً على خطط وأهداف استكمال مراحل التكامل الاقتصادي الإقليمي على المستوى الأفريقي.
تأسيساً على ما سبق، يتضح تضخم حجم الملفات الاقتصادية على طاولة أعمال القمة الإفريقية الـ35 المنعقدة في أديس أبابا، والتي واجهت بالفعل جملة من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية الشائكة والمعقدة، كما أن هذه القضايا تشكل تحدياً للاتحاد الإفريقي كمنظمة إقليمية قادرة على حلها بروح إيجابية تتوخى مصلحة القارة ودولها، خصوصاً ما يتعلق بتحويل قراراتها إلى برنامج عمل حقيقي، والقدرة على تنفيذها.
وفي الوقت الذى انشغلت القمة بشكل رئيسي بالوضع الأمني في القارة الذى يستدعي نهجًا جديدًا حقيقيًا يجب أن يراعي هيكل السلام والأمن وعلاقته بالعوامل الجديدة المزعزعة للاستقرار في إفريقيا، فما تعانيه القارة من أزمات مثل الأزمات الأخيرة في عدد من دولها في الساحل الغربي، إضافة إلى مواجهة جائحة كورونا، وانتشار الإرهاب، وتفشي الفساد، وإصلاح المنظمة، وتجاوز حالة الانقسام المتعلقة بمساعي منح إسرائيل صفة العضو المراقب، كلها أمور تشكل تحدياً للاتحاد في هذه المرحلة التي يفترض أن توحّد فيها القارة قواها وسياساتها لمواجهة تحديات هائلة تواجه العالم اليوم، وبالتالي تظل الملفات الاقتصادية رهينة الوضع الأمني والسياسي بالقارة، تنتظر تحقيق السلم والأمن حتى يمكن بعدها الحديث عن خطط اقتصادية قابلة للتطبيق.