لماذا تتكرر الهجمات الإسرائيلية في سوريا؟
تشكل الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا أهم ملامح التعاطي الإسرائيلي مع الأزمة السورية منذ عام 2011م، فمنذ ذلك التاريخ شنت إسرائيل مئات الهجمات على الأراضي السورية، بدعوى الرد على التهديدات والتحركات الإيرانية في سوريا.
ورغم ما تخلفه تلك الهجمات من ضحايا بشرية، وأضرارا مادية كبيرة، فضلا عن انتهاكها للسيادة السورية، تبدو وكأنها أمرا معتادا مع استمرار تكرارها، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات، حول غياب الرد الحاسم على الهجمات الإسرائيلية على سوريا؟، ولماذا تغض القوى الدولية والإقليمية الطرف عن تلك الممارسات؟، أم أن التأييد المستمر لسياسات إسرائيل، دفعها للإمعان في انتهاك سيادة الدول، والقوانين الدولية؟.
وللإجابة عن تلك الأسئلة، من الأهمية مناقشة الرؤى المختلفة حول غياب الردود الدولية والإقليمية على الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للأراضي السورية، وذلك في النقاط التالية.
استراتيجية ثابتة:
في الوقت الذي تنفي فيه إسرائيل مسؤوليتها عن تنفيذ هجمات على الأراضي السورية، تحرص في وقت آخر على ترسيخ فكرة ارتباط تلك الهجمات بمواجهة التهديدات الإيرانية والجماعات الإرهابية المتواجدة بالأراضي السورية، في حين تشي دوافع إسرائيل بأن الأخيرة تتخذ من سوريا ساحة مواجهة استباقية مع إيران، حيث يعكس تكرار الهجمات الإسرائيلية؛ وجود استراتيجية إسرائيلية ثابتة تجاه التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا، والذي تعتبره إسرائيل خطرا مهددا لأمنها، إذ يأتي بإيران إلى حدودها مباشرة.
وتحاول إسرائيل عبر هجومها المتكرر على الأراضي السورية فرض وضع أمني خاص خارج حدود مرتفعات الجولان المحتلة، يتمثل في منع إقامة بنية تحتية هجومية لإيران أو للميليشيات التابعة لها في نطاق حدود إسرائيل الشمالية، والحيلولة دون تمركز أي من الجماعات الإرهابية هناك، واستباق محاولات تنفيذ هجمات على إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية.
إضافة إلى رغبة إسرائيل في عرقلة جهود النظام السوري على التعافي، وتعطيل مساعيه لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، وإعاقة فرص تنامي قدراته العسكرية، تمكنه من تهديد أمن إسرائيل في حال ما استقرت الأوضاع السورية.
أهداف أبعد من الساحة السورية:
على الرغم من أن الأهداف المعلنة للهجمات الإسرائيلية، تأتي في سياق مواجهة التهديدات الإيرانية، والحيلولة دون ترسيخ الوجود العسكري الإيراني في سوريا، من خلال سعي إسرائيل إجهاض أي مساعي لإنشاء قواعد عسكرية أو نشر أسلحة إيرانية في الموانئ أو المطارات السورية؛ إلا أن أهداف تلك الهجمات تبدو أبعد من الساحة السورية، تتمثل فيما يلي:
(*) محاولة إسرائيل تأكيد قدرتها على استهداف الأراضي السورية في أي وقت، وأنها قادرة على حماية مصالحها الأمنية والإستراتيجية، والقيام بتنفيذ عمليات استباقية بصورة انفرادية، لإجهاض أي تحركات عدائية إيرانية حتى خارج الحدود السورية.
(*) تكريس فكرة العدو المشترك مع العرب، باعتبار إيران مشعلة حرائق المنطقة، وإسرائيل هي ما تحاول إطفائها، وأن على جميع دول المنطقة إنهاء تعدي إيران على سيادتها ومواطنيها، بحسب قول وزير الدفاع الإسرائيلي، “بيني غانتس”، الأمر الذي يساعد في تصعيد الخطر الإيراني مقابل تهميش القضية الفلسطينية، ومحاولة صرف الانتباه بعيدا عن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
(*) الحيلولة دون تمدد إيران عسكريا داخل سوريا، بما يغيّر من توازن القوى في المنطقة، ويزيد من المخاطر المهددة للمصالح الأمريكية، إذ يعد تقليص الوجود الإيراني في سوريا هدفا أميركيا كما هو إسرائيليا، فالولايات المتحدة لن تسمح بتحويل سوريا إلى قاعدة إيرانية لمواجهة إسرائيل، ولا ترغب كذلك في رؤية إيران تقترب من البحر المتوسط أكثر.
وتظل إيران ورقة إسرائيل الرابحة في التقارب إلى الدول الخليجية، التي لا ترغب في استمرار تمدد النفوذ الإيراني من سوريا إلى العراق ولبنان واليمن، حيث تعتبر دول الخليج؛ التصدي للتهديدات الإيرانية من أهم أولوياتها.
لكن يثير الشكوك أكثر من الصمت الإقليمي والدولي على استمرار الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، هو ردود أفعال الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، والتي تشير إليها النقطة التالية.
حسابات معقدة:
من الملاحظ أن عملية الرد على الهجمات الإسرائيلية للأراضي السورية تخضع لعدة اعتبارات، منها ما يتعلق بالنظام نفسه، وإيران وروسيا والولايات المتحدة، وذلك على النحو التالي:
(&) بالنسبة لرد الفعل السوري، لا يأتي بالمستوى الذي يتناسب مع الهجمات الإسرائيلية كما وكيفا، خاصة وأن سوريا تحوز منظومة الصواريخ الروسية (S 300)، لكن لا تزال غير مفعلة إلى الآن، كما أن الدفاعات السورية لا تتمكن من مواجهة الهجمات الإسرائيلية، فلماذا لا تستخدم روسيا أنظمتها الدفاعية في صد تلك الهجمات؟.
أيضا في الوقت الذي تري فيه سوريا أنها تحتفظ بحق الرد على العدوان الإسرائيلي على أراضيها، والذي تراه يأتي بتنسيق أمريكي، ضمن عمليات دعم التنظيمات والمجموعات الإرهابية المتواجدة على الساحة السورية، ترى أن تلك الاعتداءات لن تنجح في تحقيق أهدافها!، دون القيام بردود فعل قوية يمكنها تشكيل خطورة ملموسة على الطائرات الإسرائيلية!.
ورغم إشكالية الوجود الإيراني في سوريا، إلا أن الوضع السوري بالوقت الحالي لا يسمح للرئيس السوري “بشار الأسد”، بالتخلي عن تحالفه مع إيران، في ظل الحاجة إلى بقاء القوات الإيرانية، طالما بقيت القوات الأمريكية في سوريا واستمرار سيطرة الجماعات المدعومة من تركيا على محافظات سوريا الشمالية.
(&) أما إيران لديها قناعة بأن إسرائيل تمثل التحدي الرئيس أمام ترسيخ وجودها العسكري في سوريا، لكن طهران ليس بإمكانها الرد على هجمات إسرائيل التي تستهدفها في سوريا، بل إنها تحاول تفادي وقوع صدام مباشر مع إسرائيل تنتهزه الأخيرة فرصة للانقضاض على المصالح الإيرانية، في سوريا وفي غيرها، ولعل أهمها البرنامج النووي الإيراني، التي طالما هددت إسرائيل بضربه.
في الوقت ذاته ليست إيران في وضع يمكنها من الضغط على موسكو لردع إسرائيل، في ظل حاجة إيران إلى الدعم الروسي في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، ورغم أهمية الحفاظ على المكتسبات الإيرانية في سوريا، إلا أنها تأتي ضمن مجموعة أوسع من الأهداف، والتي قد لا تكون بالضرورة متسقة مع المصالح السورية والروسية، فالملفات الإيرانية ليست محصورة بالساحة السورية، التي تعتبرها إحدى أوراق الضغط، سواء ما يتعلق بدورها الإقليمي أو في المحادثات المتعلقة ببرنامجها النووي.
(&) بينما يأتي رد الفعل الروسي نظريا أكثر منه عمليا، فرغم تأكيد موسكو رفضها الهجمات الإسرائيلية للأراضي السورية، بل وتصفها بالهجمات غير الشرعية، إلا أن الرد لا يتخطى الإدانة اللفظية، دون ترجمة حقيقية؛ معتبرة الرد باستخدام القوة، يمثل عملا غير بناء، وفق تصريحات السفير الروسي في لبنان ” ألكسندر زاسيبكين”.
وبالرغم من امتلاك روسيا قدرة فعلية على منع الهجمات الإسرائيلية، إلا أنها لا تفعل أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات الإسرائيلية، خاصة منظومة الصواريخ الروسية (S 300)؟.
والواضح أن الرد الروسي يرتبط بالأساس بالحفاظ على المصالح الروسية في سوريا دون ضرر، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الجهات الفاعلة هناك، إذ أنأن أن التصعيد مع إسرائيل لا يحقق أهداف روسيا الحيوية، بل يمكن أن يؤدي إلى حرب أوسع نطاقا لا ترغب فيها، فرغم أهمية العلاقات بين إيران وروسيا، إلا أن الأخيرة ليست ملتزمة بحماية المصالح الإيرانية في سوريا.
في الوقت ذاته لا ترى روسيا تناقضا بين دعمها لسوريا، وشراكتها مع إيران، وتحالفها مع إسرائيل، فالمصالح الروسية تقتضي عدم استبعاد أحدها لصالح الآخر، كما أن هناك تفاهما بين موسكو وتل أبيب، يمنح الأخيرة مجالات أوسع للتحرك على الأراضي السورية لمواجهة التهديدات الإيرانية.
بالمقابل أعربت إسرائيل عن تفهمها لأهمية الوجود الروسي في سوريا، والذي يرتبط بالقواعد العسكرية الروسية، وتأمين الوصول إلى البحر المتوسط، ورغبة إسرائيل في تجنب الصدام مع دولة كبرى ترى أنها جارها الشمالي بشكل ما، ولذلك تعمل على عدم الإضرار بالمنشآت العسكرية الروسية، وضمان سلامة المواطنين الروس في سوريا.
بالنهاية، على الرغم من أن الأراضي السورية تبدو منطقة مصالح متعارضة لعدد من القوى الإقليمية والدولية؛ إلا أن جميع الأطراف الضالعة في الأزمة السورية تعرف كيف تستخدم أدواتها لتعزيز مصالحها، وتحرص على عدم الصدام المباشر بينها، ما يجعل سوريا نموذجا صارخا للتدخلات الإقليمية والدولية، مما يزيد من تعقيد الأزمة السورية ويطيل أمدها.
ويظل الشعب السوري مضطرا لتحمل ممارسات جميع الأطراف الفاعلة على أراضيه، فدائما هو من يدفع الثمن، لكن السؤال الذي يظل مطروحا دون رد، هو: إلى متى ستظل سوريا ساحة مستباحة، لتسوية الحسابات الإقليمية والدولية؟، وإلى متى ستظل إسرائيل تعربد في سوريا والمنطقة دون حساب أو عقاب؟!.