الموجة التضخمية والقطاع الخاص
عبد الفتاح الجبالي
هناك توجه فى القطاع لرفع الأسعار بين 10% و15% فى ضوء الأوضاع الجديدة وارتفاع الخامات عالميا مما انعكس على أسعار مواد البناء كان هذا تصريح أحد المسئولين بقطاع التطوير العقارى تعليقا عما يحدث بالأسواق حاليا. وقد تزامن هذا التصريح مع الجدل الشديد الذى شهدته الأسواق عقب قيام وزارة الصناعة والتجارة بإلغاء رسوم الإغراق على الواردات من حديد التسليح لأغراض البناء وكذلك خام البليت وبعض منتجات الالمونيوم، بعد ان ارتفعت أسعارها بالسوق المحلىة بصورة كبيرة، الامر الذى كان يتطلب بالضرورة زيادة المعروض منه حتى تهدأ الأسعار، إلا ان البعض رفض القرار بحجة انه يتعارض مع حماية الصناعة الوطنية. وهو ما يجعلنا نتساءل عن الدور الذى يمكن ان يلعبه القطاع الخاص فى هذه الازمة، وبعبارة أخرى هل سيستغل الوضع ويقوم برفع الأسعار تماشيا مع ما يحدث عالميا؟ ام انه سيحاول امتصاص الصدمة والتأقلم مع الأوضاع الجديدة؟
ومن المفارقات ان الحديث عن رفع الأسعار يأتى أساسا من القطاعات التى تعانى ركودا شديدا، خاصة القطاع العقارى. إذ يرى البعض أن الظروف الحالية غير مشجعة على تثبيت الأسعار، فى ضوء الزيادات المستمرة فى تكاليف المدخلات سواء تعلق ذلك بأسعار الطاقة او غيرها من مستلزمات الإنتاج. وعلى الرغم من الوجاهة النظرية فى هذه المقولة فإنها ليست صحيحة على الاطلاق فمازالت معظم التكاليف الأخرى ثابتة ومعقولة الى حد كبير فمازال العامل المصرى من أرخص الأجور خاصة مع رفض تطبيق الحد الأدنى للأجور من جانب معظمهم. ومازالت أسعار مدخلات الإنتاج، رغم زيادتها خلال الفترة الماضية، مناسبة تماما إذا ما قورنت بالبلدان المنافسة. خاصة فى ضوء الامتيازات الأخرى التى يحصل عليها هذا القطاع.
من هذا المنطلق يجب العمل على تثبيت أسعار المنتجات الرئيسية والتى يستهلكها السواد الأعظم من الجمهور، وهى مسألة تحقق مصلحة الطرفين فمن جهة تتيح للمستهلك السلعة بأسعار مناسبة، ومن جهة اخرى تؤدى الى زيادة الطلب عليها ومن ثم تنشيط عجلة الإنتاج وإعادتها للدوران مرة اخرى. وبعبارة اخرى يجب المواءمة بين اعتبارات الربح من جانب المستثمرين وحق المواطن فى الحصول على السلعة بأسعار مناسبة، وكما ذكر وبحق البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة إذا كان هناك انتصار للرأسمالية على الصعيد العالمى فيجب ألا يكون ذلك مشجعا للجشع الإنسانى.
وهناك إمكانات هائلة لتنفيذ هذا الاقتراح حيث تتسم السوق المصرية بسمة مهمة فى هذا المجال وهى ارتفاع هامش الربح بصورة كبيرة، خاصة فى مجالات السلع الاستهلاكية والغذائية، والذى يتراوح بين 40% و75% فى حين لا يتجاوز نظيره بالأسواق العالمية 8% فقط. وهذا سبب منطقى فى ضوء كون السلع غير القابلة للتداول ليست محكومة بعوامل السوق الدولية وبالتالى فأسعارها تتحرك بحرية فى الأسواق الداخلية بينما السلع الأخرى تتأثر بعوامل السوق الدولية، وهذا الاختلاف النسبى فى الأسعار يشجع على إنتاج المزيد من السلع للأسواق المحلية وليس العكس. وبالتالى فإن تخفيض الأرباح بنسبة معقولة لن يوثر على حجم الاستثمارات التى يقوم بها القطاع الخاص، بل على العكس من ذلك تماما.
وفى هذا الإطار قامت الحكومات باتخاذ العديد من الاجراءات والسياسات الهادفة الى ازالة القيود والمعوقات التى تحول دون قيام هذا القطاع بدوره فى العملية الانتاجية ولذلك أفسحت المجال واسعا له للدخول فى معظم مجالات النشاط الاقتصادى فأصبح يسيطر سيطرة كبيرة على انتاج وتداول عدد كبير من السلع والخدمات الاستهلاكية والوسيطة والاستثمارية ومن ثم أصبح المتحكم الأساسى فى المعروض من السلع بالأسواق وقادراعلى التحكم فى الأسعار التى تباع بها،وأصبح يسهم بنحو 70 % من الناتج القومى.وخلال السنوات الماضية زاد وزن القطاع الخاص تدريجيا فى الاقتصاد مع حدوث تحولات كبيرة فى الهيكل القطاعى. مع ملاحظة التغيير فى الهيكل القطاعى لناتج القطاع الخاص حيث تراجعت الزراعة والصناعات التحويلية لمصلحة العقارات والتشييد. وهو ما يتضح من التوجهات الاستثمارية للقطاع الخاص خلال خطة عام 2021/2022والتى تركزت فى الاستثمارات العقارية والغاز الطبيعى والزراعة والاتصالات. الأمر الذى يشير إلى عدم قدرة هذا القطاع على إدارة عجلة الاقتصاد القومى فى ظل غياب الاستثمار العام حيث مازال يسير فى ركاب الاستثمارات العامة دون أن يبادر بالولوج إلى المجالات الاستثمارية المختلفة، وهى إحدى السمات الأساسية للقطاع الخاص حتى الآن. وذلك على الرغم من صدور العديد من التشريعات المهمة على راسها قانون الاستثمار الجديد رقم 72 لسنة 2017؛ وكذلك قانون تفضيل المنتج المصرى وقانون الكهرباء, وقانون تنظيم الضمانات المنقولة, وقانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية؛وقانون المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وغيرها من القوانين.
ناهيك عن بعض السياسات الأخرى مثل تحرير سعر الصرف وغيره، وكلها أمور تهدف الى تهيئة البيئة للاستثمار الجاد وزيادة قدرة المستثمرين على تقدير العوائد والمخاطر الاقتصادية المتوقعة فى المستقبل مع تأكيد مبدأ الشفافية، بما يضمن إرساء مبدأ سيادة القانون وحماية حقوق الملكية وتنفيذ العقود والأحكام، وكذلك الالتزام بالاتفاقيات الدولية. مما يساعد على إزالة المعوقات التى تعوق قدرة بعض المؤسسات على الاضطلاع بمهامها. ويمكن الاستثمار (العام والخاص) من التفاعل مع آليات السوق والمنافسة فى ظل مناخ يتسم بالشفافية، وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة. وهو ما يؤدى فى النهاية الى تسهيل بناء القواعد الإنتاجية والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة الامر الذى يؤدى الى تهدئة الأسعار وحصول المستهلك على السلعة الجيدة بالأسعار.
نقلاً عن جربدة الأهرام.