تحديات صعبة: هل يتمكن “أردوغان” من تصفير المشاكل قبل الانتخابات؟
مع بداية عام ٢٠٢٢، من المؤكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية ينظرا إلى العام الجديد كونه فرصة لمزيد من التحضيرات ولملمة الأوراق التي بعثرت إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة، والأمر نفسه ينطبق على بقية الأحزاب التركية بمختلف توجهاتها، لأن كل ما سيتخلل هذا العام سيكون بمثابة برنامج انتخابي ودعاية سياسية للمرشحين في الانتخابات المرتقبة في ٢٠٢٣، وبالأخص أردوغان الذي يعي تماما أنه عليه تصحيح مسار سياسته الداخلية والخارجية خلال العام الحالي، وفي حال حدوث العكس، سيكون الثمن باهظا بالنسبة له ولحزبه. وعلى هذا، تحاول هذه الورقة رصد مجموعة التحديات الداخلية والخارجية التي يتوجب على أردوغان التعامل معها قبل انطلاق الاستحقاق الانتخابي، والتي ستحدد طريقة التعامل معها نتيجة الانتخابات القادمة.
واقع متغير:
بالتزامن مع التغير في المشهد السياسي والاقتصادي، شهدت الخريطة السياسية في تركيا تغيرا ملحوظا، فقد اختلف الأمر تماما عما كان عليه في السابق خلال انتخابات ٢٠١٨، والتي شهدت بدورها تقدما ملحوظا قبل الانتخابات لصالح أردوغان وحزبه، خاصة بعد النجاح في مواجهة المحاولة الانقلابية الفاشلة في ٢٠١٦، الأمر الذي انعكس على شعبية أردوغان لاحقا بالإيجاب، مما أسفر فوزه في الانتخابات من الجولة الأولى. ولكن مؤخرا، فقد شهدت الساحة السياسية الحزبية انشقاقات عديدة ( انشق حزب الجيد عن حزب السعادة، كما انشق على بابا جان عن حزب العدالة والتنمية )، وهو ما يشير إلى تزايد عدد الأحزاب إلى ١١٠ حزباً تقريباً خلال ٢٠٢١، مقارنة بـ ٢٧ حزباً في ٢٠٢٠، وذاك وفقا لبيانات أصدرها مكتب المدعى العام لمحكمة الاستئناف العليا في تركيا. كما أثبتت استطلاعات عديدة للرأي تراجع فرص أردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة بناءا على تراجع شعبيتهم إلى أدنى مستوياتها منذ ٢٠١٥، وفقا لمركز متروبول للأبحاث.
كما طرأت تغيرات عدة على الوضع الاقتصادي، والذي كان قبل تداعيات فيروس كورونا أفضل حالا مما هو عليه في الوقت الراهن، فقد خلفت جائحة كورونا آثارا سلبية جمة على الاقتصاد التركي فيما يتعلق بمعدلات التضخم، كذلك الليرة التركية التي تراجعت قيمتها لأكثر من الضعف.
أولويات داخلية:
هناك تحديات داخلية تضعف فرص أردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة، محاولات حلحلتها أصبحت في غاية الأهمية وعلى درجة كبيرة من الصعوبة، هي كالتالي:
(*) تحدي كسب دعم الكتلة التصويتية الجديدة: للحصول على دعم تلك الفئة الجديدة من الشباب التي ظهرت بقوة على خريطة الناخبين، بعد أن تخطت فئة الشباب الذين يحق لهم التصويت لأول مرة ٦مليون شاب، وهو عدد لا يستهان به، ومن خلاله قد يضمن أردوغان نتيجة إيجابية في الانتخابات حال نجح في استقطابهم، لأن الشباب دائما ما يتطلع للتغيير لنظام لم ير غيره في الحكم، كما أن الكثير من الشباب غير راض عن سياسة أردوغان، لذا فقد يتوجب على أردوغان أولا إجراء تغييرات في بعض الأسماء التي ستعتبر واجهة للحزب والحكومة في المرحلة المقبلة، لأن بعض الشخصيات قد طالها نوع من الاغتيال المعنوي من قبل المعارضة والإعلام، واتهامهم بقضايا فساد وما شابه. وفي هذا الصدد أعلن أردوغان عن نيته تقديم أسماء وشخصيات جديدة في الانتخابات القادمة سواء للبلدية أو البرلمان أو حتى الحكومة تتضمن كوادر شابة. وثانيا تحسين الأوضاع الاقتصادية، وأهمها توفير فرص أكثر للعمل.
(*) تحدى التغيير في خريطة التحالفات الحزبية: وفي هذا الصدد يكون أمام أردوغان وحزبه تحديين رئيسيين؛ يتمثل الأول في العمل على إنهاء الخلافات الداخلية داخل حزب العدالة والتنمية، والتي بدت واضحة في الفترة الأخيرة، وصل بعضها إلى حد الانشقاق عن الحزب أمثال علي بابا جان وغيره، في حين تمثل الثاني في محاولة ضم حزب جديد إلى تحالف الشعب ( مكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية برئاسة دولت بهتشلي)، مثل حزب السعادة والذي يشارك أردوغان الأيديولوجية، خاصة مع احتمال لجوء حزب الشعب الجمهوري ( المعارض ) إلى التحالف مع الأكراد أو حزب الجيد وبعض الإسلاميين، وبذلك ستتشكل كفة قوية ضد أردوغان الذي لن يعد التحالف الإسلامي والقومي الوحيد في هذه الحالة. فحزب السعادة رغم أنه يمثل كتلة تصويتية صغيرة، إلا أنها قد تكون كافية للحسم في الانتخابات، وقد تتضح نية أردوغان في إقناع كرم الله أوغلو زعيم حزب السعادة خلال لقائهم نوفمبر الماضي، والتي رجح محللون بعدها احتمالية انضمام حزب السعادة للتحالف الحاكم، خاصة وإن حاول أردوغان إلى جانب ذلك التحالف مع بقية الأحزاب الإسلامية، بالتوازي مع احتفاظه بمواقفه التي تكسبه دعم الإسلاميين، وأيضا العمل على إظهار نقاط ضعف للمعارضة، وهو ما حدث بالفعل منذ أيام من خلال محاولة إظهار فشل رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو في مواجهة أزمة الثلوج الناتجة عن الاضطرابات المناخية وآثارها.
(*) تحدي تحسين الوضع الاقتصادي: خاصة بعد الانهيار الذي شهدته الليرة التركية مؤخرا، والآثار السلبية التي تركتها جائحة كورونا على بعض المعدلات الاقتصادية كالتضخم والفقر والبطالة، ورغم إعلان أردوغان عن تفاؤله بالمؤشرات الإيجابية الاقتصادية بعد تحسن قيمة الليرة إلى حد ما، الأمر الذي اعتبره محللون مجرد دعاية انتخابية، وأي التحسن في الوضع الاقتصادي سيكون مجرد تحسن مؤقت وهش، هذا فضلا عن سياسته نحو الإصرار على تخفيض سعر الفائدة على اعتبار أنها ستنتهي بالاقتصاد التركي إلى اقتصاد قوي على المدى الطويل وإن واجهته بعض المعرقلات الحالية، لكن مع هذا قد تولد هذه السياسية مؤشرات متهالكة للدخول والأسعار وغيرها، تجعل من الصعب معالجة آثارها على المدى القريب، الأمر الذي سينعكس بدوره على اختيار الناخبين الأتراك.
أولويات خارجية:
حقيقة، إن جزءا من المشاكل الاقتصادية في تركيا ما هي إلا نتاج لسياسة أردوغان الخارجية في السنوات الأخيرة، من مقاطعة لدول الخليج ومصر، وتحديه للولايات المتحدة في عهد ترامب وأوروبا، الأمر الذي أسفر عن حزمة من العقوبات أثرت بالتأكيد على الميزانية والاقتصاد التركي، بالإضافة إلى تدخلاته العسكرية في بقاع مختلفة في سوريا وليبيا وأذربيجان، والتي بالتأكيد كلفت الخزينة التركية بدرجة كبيرة.
لكن مع استفحال الأزمة الاقتصادية في تركيا، وضغط الإدارة الأمريكية الجديدة، وبعد المصالحة الخليجية في مطلع العام الماضي، أشار أردوغان إلى أنه يحاول العودة إلى مبدأ تصفير المشكلات كأهم مبادئ السياسة الخارجية التركية، وهو ما بدى واضحا من خلال التحركات التركية الأخيرة، تجاه المصالحة مع الدول الخليجية بعد زيارة ولي عهد أبوظبي وزيارة وزير الخارجية التركي منذ أيام للبحرين، وتوقيع أنقرة لاتفاقيات تعاون على أصعدة مختلفة مع كلتا الدولتين، كما تعمل السياسة الخارجية التركية حاليا على مواصلة سياسة التفاهمات مع مصر والمملكة العربية السعودية، وما قد يصاحبه من إعادة النظر في سياستها في ليبيا وسوريا، فضلا عن حرص أردوغان على استعادة العلاقات مع إسرائيل، لتخفيف الضغوط الأمريكية من ناحية وفي شرق المتوسط من ناحية أخرى. ولكن على ما يبدو أن سياسة تصفير المشكلات لن تتم بهذه السهولة وفقا لوجهات نظر داخلية وخارجية، لأنها ترى أنها سياسة مؤقتة لتخفيف الضغوطات الداخلية والخارجية، ولن تخرج عن كونها دعاية سياسية.
ولا شك أن تصحيح مسار العلاقات مع الخليج سيرمي بآثاره الإيجابية على الاقتصاد التركي من خلال الاستثمارات الخليجية، وفي نفس الوقت يعمل على إرضاء الفئات الداخلية التي انتقدت السياسة الخارجية التركية، كما أن استعادته للعلاقات الجيدة مع أوروبا والولايات المتحدة سيؤدي إلى دعمه سياسيا وماديا، خاصة بعد الدور التركي في تأمين مطار كابل بأفغانستان والتعامل مع حركة طالبان، والتوقعات الأمريكية بأن أنقرة سيكون لها دور إيجابي في الأزمة الأوكرانية، وهو ما قد يفسر سحب واشنطن يدها عن مشروع إيست ميد الذي يضر بالمصالح التركية في شرق المتوسط، وإمكانية بيعها أنقرة مقاتلات إف ١٦.
وفي النهاية يمكن القول، إن أردوغان وحزبه يصارع على عدة جبهات في الداخل والخارج لمحاولة لملمة أوراقه الداخلية والخارجية قبل موعد الانتخابات القادمة في ٢٠٢٣. ورغم أن السياسة الخارجية التركية الإيجابية قد تكون استعادت عافيتها بعض الشئ حتى وإن كان بصورة شكلية أو مؤقتة وأيا كان الهدف من ذلك، غير أن الملفات الداخلية يشوبها نوع من التعقيد أكثر، خاصة مع عدم وضوح خريطة التحالفات الحزبية بشكل نهائي حتى الآن، وعدم إعلان المعارضة التركية عن مرشحها في الانتخابات، فضلا عن ظهور فئة الشباب ككتلة تصويتية لا يستهان بها، وهي في رأينا الأهم، لأنه حال كسب تأييدها ستكون البديل الأقوى حال فشل أردوغان في ضم أحزاب جديدة للتحالف، وقد يكون إجراء إصلاحات اقتصادية جدية المدخل لذلك.