هل عاد “داعش” من جديد في سوريا؟

قلق ومخاوف بين الخبراء والمحللين، وأطراف دولية وإقليمية، منذ وقوع الهجوم علي سجن غويران فجر الجمعة الماضي، جاء الهجوم من قبل عناصر تابعة لداعش، بهدف تحرير وإطلاق صراح عناصرهم من السجن، الذي يوصف بأنه أكبر سجن للدواعش في العالم، حيث يضم 3500 من عناصر وقيادات التنظيم، سواء من سوريا أو العراق أو جنسيات آخري، رفضت دولهم عودتهم إليها.
بالنظر إلي ملابسات الهجوم علي السجن، الذي وصف بأنه الأعنف والأضخم من نوعه والأكثر تنظيما، منذ إعلان أمريكا القضاء علي التنظيم، كقوة مسيطرة علي مناطق كاملة من سوريا والعراق.
نجد أن الهجوم جاء نتيجة خرق أمني، وفق ما ورد عن مصادر مطلعة، حيث أدخل أحد عملاء داعش من الأمن، عناصر من التنظيم بزي قوات سوريا الديمقراطية، وبسلاح كاتم للصوت، في ذات الوقت طوقت سيارات مفخخة أطراف السجن، بالتزامن مع تلك الأحداث، كان هجوم يحدث في الرقة علي قوات سوريا الديمقراطية، من قبل مجموعة أبو عمشة الموالية لتركيا لإشغال القوات.
تأسيساُ على ما سبق، نطرح عدة تساؤلات، وهي: هل تطور الأحداث في سوريا يشير إلي احتمالية عودة داعش إلي من جديد؟، وما دور التحالف الدولي في سوريا لمنع مثل هذه الأحداث؟، وما حدود علاقة تركيا بداعش، التي ساعدت علي تكرار مثل هذه الأحداث وغيرها، سواء في سوريا أو العراق؟.
إعلان وجود بعد ضعف:
الواقع بالأرقام يؤكد أن هذه العملية ليست الأولي، ولن تكون الأخيرة من قبل عناصر تابعة لداعش، فسوريا تعرضت لـ 342 عملية في مناطق سورية مختلفة العام الماضي فقط، ولكنها ذات تأثير محدود، كما تعرض العراق كذلك لعمليات في نفس الفترة، بما يعني أن التنظيم ما يزال حي كأي تنظيم إرهابي آخر في المنطقة، ولكن لم يعد له الفاعلية والقدرة، علي إنشاء دولة تضم وتسيطر علي مساحات كاملة، داخل سوريا أو العراق كما كان الحال من قبل.
عليه، تحجيم والسيطرة علي التنظيم، سيعتمد علي قدرة قوات قسد في مجابهته والقضاء عليه، خاصة في المناطق المأهولة بالسكان، خاصة بعد أن تسلل بعض من عناصر التنظيم مختبئين الآن، ومحصنين داخل المناطق السكنية، فالسجن الذي تم اقتحامه وسط منطقة مأهولة بالسكان، وهذا معوق أمني خطير يحول دون إمكانية تحصين السجن أمنيا، من أي هجوم محتمل في المستقبل.
إضافة لما سبق؛ تقوم القوات السورية بالمواجهات علي عدة أصعدة، حيث تقاتل ضد ميليشيات تابعة لإيران وتركيا، وعناصر تابعة لتنظيمات صغيرة ناشئة، كما تحاول السيطرة علي نشاط هيئة تحرير الشام، والعمليات التي تقوم بها ضد المقاتلين الأجانب، فضلا عن محاولة القضاء علي ظاهرة الذئاب المنفردة، التي انفجرت نتيجة تفكيك بعض التنظيمات، وانتشار الأفكار المتطرفة في المجال العام.
سياسات دولية فاشلة:
بعد أن قرر التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة أمريكا، تغيير سياساته لمحاربة الإرهاب في المنطقة، واقتصار دوره علي تقديم التدريب والمساعدة فقط، وتقليص قواته علي الأرض بشكل شبه كامل، ترك المجال لمحاولات تمدد بعض التنظيمات وعلي رأسها داعش، فبالمقارنة بعدد العمليات التي قامت بها داعش عام 2021، نجد أنها تضاعفت عن عدد العمليات التي قامت بها 2020 في نفس المنطقة، مما يؤكد سياسات التنظيم الذي مازال علي جاهزية، لينتهز الفرصة للإعلان عن نفسه من جديد، خاصة أن هناك أطراف إقليمية تعمد وتدعم، عدم الاستقرار في المنطقة (إيران، تركيا).
تأسيسا علي ما سبق؛ لن يستطيع المجتمع الدولي التخلص من خطر داعش سوى بحل كل المسائل الأمنية العالقة، تنفيذا لإستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، كمشكلة مخيم الهول، التي باتت صداع في رأس المجتمع الدولي، خاصة بعد أن أعلنت سوريا في وقت سابق عن نيتها أخلاء المخيم، والجدير بالذكر أن هذا المخيم يضم أكثر من 72 ألف شخص مُحملين بأفكار التنظيم سواء أشبال أو نساء أو أطفال، وما يمثله ذلك من قنبلة موقوتة، خاصة مع رفض أغلب الدول الغربية، عودة رعاياهم من هذا المخيم إليها، لذا يمثل هذا المخيم خطر علي العمق العراقي والمنطقة، لتسلل بعض عناصره عبر الحدود، وتمكنه من القيام بعمليات داخل العراق في العام الأخير، بمساعدة بعض الميلشيات والعملاء.
عليه؛ فلن يحدث القضاء علي تنظيم داعش نهائيا، دون الوصول لحلول جذرية، لمسببات بقاءه، وقدرته علي تكوين مجموعات وتمركزات، علي مناطق حدودية من سوريا والعراق، والدول غير المستقرة.
دور تركي مشبوه:
تتحدث الشواهد عن دور تركي مشبوه، لدعم وتمويل داعش وتوفير الحاضنة العسكرية واللوجستية للتنظيم، عن طريق استقبال عناصر التنظيم داخل تركيا، وتسهيل وصولهم إلي الأماكن الحدودية، وتسللهم بالتالي إلى سوريا، لتحقيق رغبة تركية في السيطرة علي الشمال السوري، وتحقيق عدم الاستقرار في المنطقة نتيجة لسياسات حزب العدالة والتنمية المعادى للنظام في سوريا، ولدول الشرق الأوسط، خاصة مع تصعيد سياسي معلن من قبل تركيا، لدعم الأخوان الهاربين من بلادهم عندها، والسماح لهم بعقد الندوات والمؤتمرات وتصعيد لهجة العداء ضد دول المنطقة التي تخلصت منهم، خاصة أن هذه المجموعات اغلبها من عناصر الجانب المسلح، الذي أعلن قتال الدولة المصرية عقب أحداث 30 يونيو 2013.
فضلا عن معلومات تؤكد تعامل تركيا مع داعش، في شراء وتصدير الغاز، لتوفير التمويل اللازم لاستمرار عملياتهم، كما تم الكشف عن مناطق تجنيد لعناصر تابعة لداعش داخل تركيا، في حي الفاتح وفي مناطق أخري، لذا المؤشرات تؤكد نشاط تركيا الحالي، لدعم والتحالف من كل العناصر المتطرفة، لضرب الاستقرار في الشرق الأوسط.
كما أكدت تحقيقات أمنية أن النساء الفارين من مخيم الهول، يتجهون مباشرة إلي تركيا بتنسيق مع السلطات التركية، خاصة بعد التوغل التركي في مناطق شرق الفرات، مما يؤكد علي العلاقة بين عناصر داعش، والاحتلال التركي داخل سوريا، ووجود خطة تركية محكمة، لاستمرار حالة عدم استقرار المنطقة، لخدمة أطماع تركيا التوسعية.
أخيرا؛ لا يبدو أن الأوضاع الأمنية ستهدأ، في القريب العاجل في سوريا أو العراق، فيما يتعلق بقدرة داعش علي القيام بعمليات، وأن كانت ذات تأثير محدود ويمكن السيطرة عليها، – مع عدم قدرته علي السيطرة علي مناطق تمكنه، من قيام دولته التي يطمح إلي عودتها-.
لذا ستستمر العمليات الداعشية، لعدم وجود رؤية واضحة لدحر واقتلاع كل مسببات الإرهاب، من محاسبة الدول الداعمة والممولة له، وحل المشكلات المزمنة المتعلقة بعودة المقاتلين الدواعش، ومحاسبتهم في بلادهم، ووضع حلول عاجلة لأطفال الدواعش، الذين نشأوا علي الفكر المتطرف فأصبحوا قنابل موقوتة، وأبعاد أماكن السجون التي تضم دواعش إلي مناطق صحراوية، غير مأهولة بالسكان لضمان السيطرة الأمنية عليها، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المخترقة، من عملاء تابعين لداعش ولقوى معادية إقليمية.