مستقبل العلاقات المصرية – الجزائرية بعد زيارة تبون للقاهرة
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية يوم الاثنين 24 يناير 2022 ، الرئيس عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية، وتعتبر الزيارة الأولى للرئيس الجزائري إلى بلده الثاني مصر منذ توليه مهام الرئاسة، حيث جاءت الزيارة فى سياق تمكين الروابط التي تؤكد على عمق وحرص البلدين على دعم العلاقات والتباحث حول كل القضايا محل الاهتمام.كما كانت هذه الزيارة في إطار تعزيز العلاقات وتوحيد الرؤى وتعزيز المصالح المشتركة باعتبارهما دولتين في الشمال الأفريقى والبوابتين الرئيسيتين للقارة ولديهما علاقات وثيقة بقارتهم الأفريقية ، فضلاً عن عملهما المشترك في الاتحاد الأفريقي. بالاضافة الى قوة العلاقات الاقتصادية الوثيقة التي تربط بين البلدين ، ولذلك أخذت الزيارة أهميتها لدفع العلاقات وتفعيل الآليات بين البلدين ، وتؤكد على أن العلاقات المصرية الجزائرية تتسم بقدر كبير من القوة والتماسك ، حيث تتمتع الدولتين بجذور تاريخية وهناك أفق كبيرة للتعاون بين البلدين منذ قديم الأزل، فقد ساندت مصر الجزائر في ثورته العظيمة في مواجهة الاستعمار الفرنسي عام 1954، وساعدت الجزائر مصر فى ما بعد هزيمة 1967 حتى تحقيق نصر أكتوبر 1973 . وتزايدت قوة العلاقات المصرية الجزائرية في أعقاب تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2014، حيث شهدت نموًا متزايدا في السنوات الأخيرة، حيث كانت الجزائر أول زيارة للرئيس المصري إلى خارج البلاد بعد اعتلائه سدة الحكم في يوليو 2014. وانطلاقا مما سبق ، نستعرض العلاقات الاقتصادية بين البلدين على الصعيد التجارى والاستثمارى ، وأهم ما ورد من ملفات هامة على طاولة النقاش فى تلك الزيارة الهامة .
العلاقات التجارية بين البلدين:
بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والجزائر نحو 7.392 مليون دولار خلال عام 2021 ، بنسبة زيادة تصل الى 4.15% عن بعد أن كان نحو 492 مليون دولار فى عام 2020 . حيث ارتفعت الصادرات المصرية وخاصة غير البترولية إلى الجزائر لتسجل 7.317 مليون دولار بعد أن كانت 7.265مليون دولار فى عام 2020 ، لتعتلي مصر المرتبة 15 لأهم الدول المصدرة للجزائر،وذلك على الرغم من التأثير السلبي لجائحة كورونا على الاقتصاد الجزائري، والاستراتيجية التي تتبناها الجزائر حالياً للحد من الواردات في ضوء تراجع الاحتياطي النقدي لديها. كما تمثلت الصادرات المصرية للجزائر خلال عام 2021 في مواد غذائية بقيمة 49 مليون دولار أمريكي، وزيت الصويا (39 مليون دولار)، وأسلاك النحاس ( 22 مليون دولار)، كذلك المنسوجات والأقمشة، ومثلت هذه الصادرات أكثر من 50% من إجمالي الصادرات المصرية للجزائر. كما ظهرت بعض المنتجات الجديدة المصدرة للجزائر من بينها أعلاف الحيوانات والورق المقوى.
تطور صادرات مصر الى الجزائر خلال الفترة من 2011 وحتى2020
وزادت الواردات المصرية من الجزائر بنسبة 1.1% لتصل قيمتها 75.4 مليون دولار بعد أن كانت 74.6 مليون دولار، لتعتلي مصر المرتبة 24 لأهم الدول المستوردة منها.ويعد الغاز السائل بأنواعه من أهم الواردات الجزائرية لمصر، حيث بلغت تلك الواردات نحو 71.5 مليون دولار أي ما يمثل 95% من إجمالي الواردات ككل خلال تلك الفترة. ورغم تحسن معدلات التجارة بين الجانبين الا أنها مازالت أقل من المطلوب، فمازال التبادل التجاري الحالي بين البلدين بحاجة الى مزيد من الدعم حتى يرتقي لمستوى العلاقات الوطيدة بين البلدين؛ وذلك من خلال إعادة تفعيل مجلس رجال الأعمال المصري-الجزائري المشترك والقيام بزيارات متبادلة لرجال الأعمال في الجانبين، والمشاركة في المعارض الدولية، وإيفاد العديد من البعثات التجارية، فضلاً عن دور منطقة التجارة الحرة القارية التي وقعت عليها مصر والجزائر فى دعم ودفع العلاقات التجارية الإفريقية ومن بينها مصر والجزائر خلال الفترة المقبلة .
العلاقات الاستثمارية:
بلغ حجم الاستثمارات المصرية في الجزائر إلى 3.8 مليار دولار، بينما وصل عدد الشركات الجزائرية العاملة في مصر ما يقارب 60 شركة برأس مال مصدر 112 مليون دولار منه مساهمة ومشاركة برؤوس أموال جزائرية في حدود 51 مليون دولار. وتعتبر المستويات المتميزة والخبرات الواسعة للشركات المصرية العاملة في الطاقة والكهرباء والمناجم بالجزائر، والتي ساهمت في نقل الخبرات والتدريب والتكنولوجيا الحديثة للشركات الجزائرية،وان كانت مازال هناك حاجة الى ضرورة العمل على زيادة حجم الاستثمارات بين البلدين من خلال التسويق والترويج الجيد للفرص الاستثمارية في البلدين وطرحها أمام المستثمرين، والتركيز على القيمة المضافة للاستثمارات المتبادلة .
ملفات على طاولة النقاش:
إن زيارة رئيس الجزائر عبد المجيد تبون لمصر سيكون لها تأثيرا على تقوية العلاقات المصرية والجزائرية على المستويين الاقتصادي والسياسي، ولا سيما أن هناك العديد من القضايا الإقليمية والمشتركة التى تم طرحها أثناء اللقاء ،حيث تناولت الزيارة قضايا استراتيجية تشمل أربع ملفات بارزة هي دعم العلاقات الاقتصادية، والقمة العربية، والأزمة الليبية، والحوار الفلسطيني ، وذلك فيما يلى :
(*) تعزيز التعاون الاقتصادى: تطرقت مصر والجزائر خلال اللقاء الى سبل التطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، وتعزيز أطر التعاون والتنسيق إزاء كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي هذا الإطار أكد الجانبان على أهمية الاستغلال الأمثل لجميع الفرص المتاحة لتعزيز التكامل بينهما، حيث أن تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين سيسهم في إنفاذ المنتجات المصرية والجزائرية إلى أسواق غرب وشرق وشمال أفريقيا وأيضا إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية. كذلك تم طرح ضرورة عودة عمل اللجنة العليا المشتركة، حيث وجه الرئيسان بضرورة الاستعداد لعقد الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة على مستوى رئيسي الوزراء بالبلدين في أقرب وقت فرصة للجانبين لبحث العقبات التي تقف أمام تعزيز العلاقات الاقتصادية خاصةً وأن الدورة الأخيرة كانت قد عقدت عام 2014 في القاهرة. وتم خلالها التوقيع على 17 مذكرة تفاهم بين البلدين، شملت العديد من القطاعات، منها في مجال تنمية الصادرات وحماية المستهلك والتعاون بين بورصة الجزائر والبورصة المصرية، والتأمين وإعادة التأمين، ومذكرة التفاهم في مجال الخدمات البيطرية بين البلدين ومذكرة تفاهم للتعاون بين البلدين في مجال التكوين والتدريب المهني.
(*) القمة العربية: تسعى الجزائر للحصول على دعم مصر لإنجاح مؤتمر القمة العربية المزمع تنظيمه بالجزائر، حيث يرى المحللون تخوف الجزائر من فشل القمة وسط التوترات القائمة ومن أبرزها الخلافات الجزائرية المغربية، وتبني الجزائر لعودة سوريا إلى الحاضنة العربية. ويأتي هذا التخوف على خلفية تصريحات وزير الخارجية الجزائري العمامرة بأن من يسعون لتقويض القمة العربية إن فشلوا في مسعاهم سيعملون على أن يكون التمثيل هزيلا. ولإنجاح القمة ستكون هناك تشاورات مع الدولة الكبرى في المنطقة وهي( مصر) حيث أن ضمان التوافق الجزائري المصري يضمن مشاركة جميع الدول العربية في القمة بتمثيل عال من قيادات الدول العربية.كما يشكل تنظيم القمة العربية بالجزائر أهمية كبرى للرئيس تبون الذى يسعى لاستثماره سياسيا وشعبيا وتوظيفه لتأكيد وتعزيز مكانة الجزائر على الصعيدين العربي والإقليمي.
(*) الملف الفلسطينى: أن القضية الفلسطينية، هى على رأس الأولويات، والقرارات الأخيرة التى أصدرها الرئيس عبد المجيد تبون تبين ذلك، حيث دعا جميع الفصائل الفلسطينية إلى الجزائر من أجل إيجاد حلول وتوافق بينها لصالح القضية، وذلك قبل بحث إمكانية إطلاق مبادرة لتحقيق المصالحة. كما أوضح أن الرئيس الجزائري، في زيارته للقاهرة، يريد أن يستفيد من خبرة مصر في الملف الفلسطيني.
(*) الأزمة الليبية: تناول اللقاء عدة مشاورات حول رؤية القاهرة للمرحلة المقبلة في ليبيا، وبحث موقف الجزائر حول الأزمة، خاصة في ظل آلية دول الجوار (مصر الجزائر تونس( . حيث يعتبر الملف الليبي من أكثر الملفات التى تؤثر فى البلدين مصر والجزائر، حيث تدعم مصر ومعها الجزائر كل الخطوات الإيجابية نحو حل سياسي شامل للأزمة الليبية، يقوم على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، مع توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وتوحيد البنك المركزي الليبي، وصولًا إلى إزالة كل أشكال الخلاف التي لحقت بالمشهد الليبي منذ عام 2011 حتى اليوم.كما تمثل مكافحة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، هدفا مشتركا للجزائر ومصر، حيث تستهدف تلك الجماعات الإرهابية البلدين، باعتبار الجزائر من أكبر الدول العربية مساحة، ومصر هي أكبر الدول العربية سكانًا وتمثل ربع سكان العالم العربي، ولهذا يتعاون البلدان الشقيقان فى مكافحة الإرهاب الذى ينتشر فى دول الجوار، خصوصا فى ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء التى باتت من الوجهات المفضلة للجماعات الإرهابية، منذ القضاء على دولة داعش في سوريا والعراق، هو ما يفرض على البلدين التعاون من أجل إجهاض مخططات تلك الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وتأسيسا على ما سبق، تأتي الزيارة انطلاقا من متانة العلاقات المتجذرة بين الشعبين الشقيقين، ورغبة قيادتي البلدين لتوسيع مجالات التعاون والارتقاء به إلى مستوى نوعي يجسد الانسجام التام والإرادة المشتركة، بما يسهم في تحقيق الاندماج والتكامل بين البلدين ، والتنسيق الاستراتيجي بينهما وزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. كما أن زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون للقاهرة ستزيد من تعزيز التعاون الثنائي وإعطاء ديناميكية جديدة لزيادة حجم التجارة والاستثمار البيني بين البلدين، خاصة في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها مصر والجزائر. كما أن النموذج المصري في الإصلاح الاقتصادي والتحول الرقمي وعمليات التطوير والتنمية وما تحقق في مصر خلال السنوات الماضية نموذج ملهم للجزائر وغيرها من البلاد التي تحاول أن تحقق طفرة ومعدلات نمو اقتصادي، وكل ذلك يؤكد على أن العلاقات المصرية الجزائرية تستعد لمرحلة جديدة بالكامل وتتسم بالازدهار على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية.