رسائل الردع: ما هي دلالات زيارة الرئيس السيسي لـ “أبو ظبي”؟

قام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة مفاجئة صباح اليوم الموافق 26 يناير 2022 لدولة الإمارات العربية المتحدة، أثارت اهتمام وسائل الإعلام المحلية والدولية، وحظيت باهتمام واضح من وسائل الإعلام الخليجية بشكل عام والإماراتية بشكل خاص.

اكتفت أغلب التغطيات الإعلامية بالإشارة للبيان الصحفي عن الزيارة الصادر عن رئاسة الجمهورية المصرية، والذي جرى التأكيد فيه على أن زيارة السيد الرئيس للشقيقة الإمارات تأتي في إطار خصوصية العلاقات المصرية الإماراتية، وما يجمع الدولتين من روابط أخوية تاريخية وعلاقات تعاون وتنسيق متبادل على جميع الأصعدة، وتحدث البيان عن أنه من المنتظر أن يبحث السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مع شقيقه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، جوانب العلاقات الثنائية الوثيقة والممتدة بين مصر والإمارات، فضلًا عن التشاور والتنسيق حول التطورات الأخيرة للقضايا الإقليمية، وذلك في ضوء ما تتطلبه المرحلة الراهنة من تضافر الجهود من أجل حماية الأمن القومي العربي والتصدي لمحاولات زعزعة استقرار وأمن الدول العربية.

لا شك أن هذه الزيارة “غير المرتبة من قبل” والتي جاءت بصورة مفاجئة للمراقبين تثير كثير من علامات الاستفهام حول توقيتها من ناحية، ومضمون ما يمكن أن تتضمنه من مناقشات، علاوة على الرسائل التي تحملها من الشقيقة الكبرى لمصر لواحدة من أهم دول الخليج العربي، وهي الإمارات العربية المتحدة، التي طالما كان لها مواقف مُشرفة في إسناد  الموقف المصري في كثير من الأزمات التي تعرضت لها مصر تاريخياً، وبالخصوص خلال السنوات الأخيرة، بل تخطى الأمر مرحلة الإسناد، لمرحلة العمل الثنائي المشترك على الأرض لمجابهة كثير من التحديات الطارئة للأمن القومي العربي في عدد من الملفات الإقليمية.

دلالات التوقيت:

تأتي هذه الزيارة في توقيت مهم ودقيق لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعرضت خلال أقل من أسبوع لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة، من جانب جماعة الحوثي اليمنية، استهدفت بالأساس أعيان مدنية ومواقع استراتيجية حساسة بالدولة، ممثلة في مطار أبو ظبي الدولي خلال الهجمة الأولى، وحاولت استهداف قاعدة الظفرة الأمريكية خلال الهجمة الثانية، بالمخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني بالأساس، علاوة على اعتبار هذا السلوك من منظور القانون الدولي عملاً من أعمال العدوان، التي تستوجب تفعيل المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس، فى مواجهة أي عدوان تتعرض له الدولة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي.

لذلك جاءت هذه الزيارة في سياقات مضطربة للأمن الإقليمي والخليجي بشكل عام بعد تصاعد هجمات الحوثيين على السعودية والتطورات العسكرية الأخيرة في اليمن والتي نجحت فيها ألوية العمالقة بإسناد من قوات التحالف العربي في تحرير شبوة وعدد من المناطق الاستراتيجية في الساحل الغربي الواقع تحت سيطرة الحوثيين منذ 2015، غير أن المتغير الجديد والذي يستدعي الاهتمام ويثير القلق، هو دخول الأراضي الإماراتية ضمن بنك الأهداف المستهدفة من جانب الحوثيين، رغم قيام أبو ظبي بسحب قواتها من اليمن منذ 2019، فرغم كثير من التهديدات السابقة من جانب الحوثيين للإمارات، إلا أنها لم تجرؤ على استهدافها، واكتفت بالتركيز على الجبهة السعودية، وحاولت الجماعة الحوثية- بمساعدة بعض الأطراف الإقليمية – اللعب على مساحات التقاطع بين السعودية والإمارات في الملف اليمني، على أمل أن تحصد من خلاله خلافاً أو تباعداً في مواقف البلدين، يمكن من خلاله إضعاف موقف التحالف، لكن حساباتها كانت خاطئة، حيث استمرت الإمارات والسعودية يعملان بتناغم وتنسيق مشترك، ووفق رؤية استراتيجية لسياقات الموقف في اليمن ومدى خطورته على أمن الخليج ككل.

كان مهماً خلال هذه المرحلة الحرجة وتلك السياقات المُرتبكة، أن تُظهر مصر معدنها الحقيقي، وتعكس حقيقة رؤيتها للأمن القومي الخليجي، والذي يقع ضمن دوائر الأمن القومي المصري الرئيسية، فمواقف التنديد والإدانة الدبلوماسية وحدها لا تكفي في هذه المواقف الصعبة، بل أن التحرك المباشر هو المطلوب، للوقوف على أبعاد الموقف والاستماع لرؤية الدوائر الإماراتية المختلفة، وتقيمها للموقف، ومناقشة خيارات الحركة للرد على هذا العدوان السافر، وما يمكن أن تقدمه مصر من دعم للأشقاء في الإمارات على المستوىين السياسي أو الاستراتيجي. لذلك نُثمن عالياً هذه الخطوة التي قامت بها القيادة المصرية، والتي تعبر عن إدراك وبصيرة ثاقبة بكثير من التحديات الطارئة التي تحيط بالأمن القومي العربي، عبر دوائره المختلفة، ولعل القمة المصرية الجزائرية التي عقدت وانتهت قبل ساعات من هذه الزيارة، قد رسمت ملامح تعاون مشترك مصري جزائري لسد كثير من الثغرات التي تواجه الأمن القومي العربي والأمن الأفريقي بشكل عام، وكلها دوائر متصلة ومتقاطعة، وتلعب فيها مصر دوراً ناظماً وفاعلاً ويعول عليه لدرء المخاطر وبناء الثقة في القدرة على المواجهة الحقيقة.

خمسة رسائل مهمة للزيارة:

إن القراءة المتأنية لهذه الزيارة، ودلالات توقيتها، والسياقات المحيطة بها، لاشك تعطيها أهمية كبيرة، على اعتبار ما تحمله من رسائل استراتيجية كثيرة، أهمها ما يلي:

(*) أن مصر مُتيقظة للمخاطر المختلفة في دوائر أمنها القومي، وعلى رأسها الدائرة الخليجية، وأنها ستتحرك إذا لزم الأمر، دفاعاً عن هذه الدوائر الاستراتيجية.

(*) أن الإمارات حليف وشريك استراتيجي لمصر، وأن هذا الوضع يستوجب أن تكون القيادة المصرية جنباً إلى جنب مع القيادة الإماراتية في أوقات الخطر.

(*) ردع الأطراف الإقليمية، العابثة بأمن الدول العربية، وتأكيد قدرة مصر على الوصول لأبعد نقطة تماس، وفق تحركات جماعية وثنائية مشتركة.

(*) توصيل رسالة للمجتمع الدولي وللقوى المعنية بأمن الخليج وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بضرورة التحرك العاجل لوقف هذه الهجمات، سواء بالردع السياسي أو بالردع العسكري للأطراف التي تقوم بهذه الاعتداءات المتكررة، والدول التي تدعمهم.

(*) تطمين الداخل الإماراتي بأن مصر ملتزمة بموقفها الاستراتيجي تجاه دول الخليج بشكل عام، وتجاه الإمارات بشكل خاص، ليس فقط من واقع الأخوة العربية، بل من واقع المصالح الاستراتيجية والروابط التاريخية الممتدة والمشتركة.

أجندة الزيارة والتوقعات الإماراتية منها:

لا شك أن مثل هذه الزيارات المفاجئة تكون أجندتها غير معلنة، لكن ومن خلال تحليل السياقات المحيطة بها، نتوقع أن يكون موضوع الهجمات الحوثية على الإمارات، هي المحور الرئيسي  لهذه الزيارة، بجانب بحث قضايا ثنائية وإقليمية مشتركة، ضمن دوائر الاهتمام، خاصة في ظل نتائج زيارة الرئيس الجزائري الأخيرة للقاهرة والتي انتهت قبل هذه الزيارات بساعات قليلة، والتي تم خلالها مناقشها قضايا مهمة تخص الشأن العربي والأفريقي، منها الملف السوري، وموقف القمة العربية القادمة بالجزائر وغيرها.

 

واضح من تركيز الإعلام الإماراتي على الزيارة والاحتفاء الكبير بها، أن هناك توقعات كبيرة منها، ورهان على أن يكون للقاهرة دوراً ما في صياغة استراتيجية الرد المحتملة على هذه المخاطر، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي، ونتوقع أن يكون من بينها ما يلي:

(&) دعم التحركات الإماراتية الهادفة للرد على هذه الهجمات، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، وخاصة على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بحكم الثقل الدبلوماسي المصري وقنوات التأثير المتعددة لمصر في الدوائر العالمية.

(&) تنشيط عملية تبادل المعلومات، ودعم قدرات الإنذار والتحذير المُبكر، إزاء أي هجمات مستقبلية محتملة، بما تملكه مصر من خبرات وإمكانيات مُتقدمة في هذا المجال.

(&) دور مصري فاعل في دفع المسار السياسي فيما يتعلق بالوصول لحل في اليمن، ونقله من حالة الجمود الحالية، عبر الضغط على الأطراف الدولية المؤثرة، من أجل إجبار الحوثيين على الجلوس لمائدة المفاوضات، وفق مقررات استوكهلم والمبادرات الدولية والإقليمية ذات الصلة وعلى رأسها مبادرة الرياض. على اعتبار أن إنهاء النزاع في اليمن وتحقيق معادلة مُستقرة بين أطرافه السياسية المتصارعة، سيقود لدرء مثل هذه المخاطر.

(&) استمرار مصر في جهودها الخاصة بتأمين الملاحة الدولية بالبحر الأحمر وتشديد عملية المراقبة الخاصة بعمليات نقل الأسلحة للداخل اليمني، خاصة فيما يتعلق بخطوط تهريب أجزاء الطائرات المُسيرة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

وفي التقدير، أن هذه الزيارة التي قام بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لدولة الإمارات الشقيقة، ليست مجرد زيارة تضامن فقط، ضمن أطر بروتوكولية معروفة، لكنها زيارة مهمة،  عكست أبعاداً كثيرة، وصدرت كثير من الرسائل ، وربما ترسم ملامح قادمة للحركة المصرية الإماراتية المشتركة، إزاء قضايا الأمن الإقليمي، إدراكا من جانب مصر أن جانب من عملية الدفاع الاستراتيجي المُتقدم عن المصالح الحيوية للدولة يعتمد على رسائل الردع المباشرة، وغير المباشرة ، ومدى اقتناع وإدراك الخصوم لها، لذلك نعتقد أن الرسائل الخمس التي نعتقد أن هذه الزيارة قد نجحت في تصديرها، أو على الأقل نجحت في إعادة التأكيد عليها، قد تعيد صياغة بعض خطوط التعاون والشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وأبو ظبي وتثبيت وتأكيد متانة التحالف الاستراتيجي بين البلدين.

 

د.أكرم حسام

خبير في الشؤون الخليجية، دكتوراه علوم سياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ٢٠١٣، عمل في عدة مراكز بحثية داخل مصر أخرها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وعمل خبير في الأمن الإقليمي بالعديد من مراكز الدراسات بدول الخليج. شارك بأوراق بحثية في بعض المؤتمرات الدولية، بدعوة من مركز نيسا بالولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن (2017-2018)، ومعهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الإيطالية بروما (2019-2020).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى