ماذا ينتظر “بوريس جونسون” بعد جلسة البرلمان؟

في الـ 17 من يناير الجاري قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمام جلسة للبرلمان، إنه “لن يستقيل”، مطالباً الجميع بانتظار نتائج التحقيقات في القضية. فمنذ “فضيحة الحفلات” يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ضغوطا متزايدة لدفعه للتخلي عن منصبه، خاصة بعد أن وصل الأمر إلى وجود دعوات جديدة من داخل حزب المحافظين _ الحزب الذي ينتمي إليه جونسون _ لحثه على تقديم استقالته.
وكانت أقيمت جلسة للبرلمان البريطاني لاستجواب رئيس الوزراء على خلفية “فضيحة الحفلات” التي عقدت في مقر إقامته في داونينج ستريت، خلال عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا العام 2019.
وعلى هذا، يحاول هذا التحليل رصد أهم التجاوزات للقواعد الصحية التي قام بها بوريس جونسون على حد وصف البريطانيين، وكيفية تعامل جونسون مع الموقف، هذا بالإضافة إلى توضيح موقف البرلمان البريطاني، مع وضع سيناريوهات لمصير منصب بوريس جونسون بعد جلسة البرلمان ونتائج التحقيقات المنتظرة.
واقع الأزمة:
صدر خلال الأسابيع الماضية عدد من التقارير الصحفية التي أدانت رئيس الوزراء البريطاني بإخلاله بقواعد الإغلاق العام التي فرضتها حكومته لمواجهة فيروس كورونا، كان من بينها وأهمها الحفلة التي أقيمت في داونينغ ستريت ( مقر الحكومة ) في مايو ٢٠٢٠، والتي حضرها عدد من الموظفين الحكوميين والوزراء في حكومة جونسون، كذلك الاحتفال الذي أقيم عشية تشييع جنازة الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث في أبريل ٢٠٢١، واعتذرت الحكومة في داونينغ ستريت لقصر باكينجهام معتبرة الحفلات ” مؤسفة جدا “، وغيرها من الاحتفالات التي أقيمت في ظل قواعد الحجر الصحي، والتي أعرب الشارع البريطاني أيضا عن استيائه منها.
وبعد أسابيع من إنكار بوريس جونسون للاتهامات الموجهة له، قدم في ١٢ يناير ٢٠٢٢ اعتذارا رسميا في البرلمان، وذلك عن حضوره حفلة واحدة على الأقل نظمها موظفوه في مايو ٢٠٢٠، بينما كان يخضع البريطانيون للحجر المنزلي في إطار قواعد الإغلاق العام، وقال خلال جلسة لمجلس العموم، إن الفعالية التي جرت في حديقة ١٠ داونينغ ستريت كانت من الناحية التقنية ” ضمن القواعد “، ولكن كان عليه أن يدرك مشاعر الجمهور تجاه الأمر. كما قال إنه لم يخبره أحدا أن الحفل الذي أقيم في حديقة داونينغ ستريتفي مايو 2020 كان ضد قواعد الإغلاق التي تشهدها بريطانيا. ووفقا لبعض المحللين، فإن اعتذار جونسون لن ينهي المسألة، ولكنه يتيح له بعض الوقت لكسب دعم حزبه على الأقل في انتظار نتيجة التحقيق قبل أن يتخذوا قرارهم، بدليل انه بعد انتهاء استجوابه عمل الالتقاء ببعض النواب في مجلس العموم لحشد الدعم له.
بالتزامن مع ذلك، يجرى تحقيق داخلي بقيادة سو غراي ( موظفة رفيعة المستوى في الحكومة وتابعة للخدمة المدنية )لمعرفة ما إذا كان جونسون وموظفوه انتهكوا القانون، مع علمهم بتدابير الإغلاق المرتبطة بالحد من فيروس كورونا، ويتوقع صدور تقرير بذلك الأسبوع المقبل.
غضب بريطاني:
عبر بعض النواب المعارضين عن رغبتهم بتقديم جونسون لاستقالته عن منصبه واصفين إياه ب ” ذي الوجهين ” الذي يمرح في الوقت الذي يطالب فيه الناس بالبقاء في منازلهم، كما طالبه بالتخلي عن منصبه أيضا بعض النواب داخل حزبه المحافظين، وقد واجه رئيس الوزراء البريطاني نحو ثماني مطالبات بالتنحي خلال جلسة الاستجواب التي حضرها في مجلس العموم، حيث قال زعيم حزب العمال كير ستارمر إنه على رئيس الحكومة الاستقالة بعد الآن، وخاصة بعد الأعذار ” المثيرة للسخرية ” على حد وصفه، وعلق أيضا على مشهد اعتذار جونسون بأنه ” مثير للشفقة ” لرجل خرج عن الطريق الصحيح بعد أشهر من الخداع، كما قال أحد أعضاء البرلمان المعروفين بأنهم أشد منتقدي جونسون، وهو روجر جيل، إن جونسون قد أصبح ” في عداد الموتى ” من الناحية السياسية، كما حذرت الوزيرة ريتشيل ماكلين في تصريحات إعلامية إنه حال انتهاء التحقيق وأثبت أنه جرى انتهاكات لأي قوانين فستكون هناك عواقب.
كما يتعرض بوريس جونسون إلى ضغوط من داخل حزب المحافظين نفسه لحثه على تقديم استقالته، فقد قال أحد النواب في مجلس المحافظين ويليام راج إن على جونسون الاستقالة قبل أن تنشر سو جراي تقريرها عن حفلات داونينغ ستريت، وقال زعيم حزب المحافظين عن أسكتلندا أنه سيكتب إلى اللجنة،لأن موقف رئيس الوزراء ” لم يعد ممكنا ” الدفاع عنه، على اعتبار أن جونسون وحكومته هم من وضعوا قواعد الإغلاق وكانوا هم أول من أخل بها، كما كتب إد في زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار إلى شرطة العاصمة طالبا منها التحقيق في حضور جونسون لحفل ٢٠ مايو ٢٠٢٠.
إلا أنه في المقابل يوجد من دافع عن جونسون من نواب المحافظين، حيث أعرب كريستوفر تشوب عن تأثره بشدة بحديث رئيس الوزراء، حيث قال إنه ” لم يسمع اعتذارا بمثل هذه الشدة من قبل “، كما أنه يعتقد أنه كان ” صادقا حقا “، واحتشد أيضا وزراء حكومة جونسون لدعمه بما فيهم نائب رئيس مجلس الوزراء دومنيك راب ووزير الصحة ساجد جاويد، وقالا إن رئيس الوزراء قدم ” سردا واضحا وكافيا ” لما حدث واعتذر، وفي وقت لاحق قال متحدث باسم داونينغ ستريت إن رئيس الوزراء لم ير البريد الإلكتروني الذي يدعو الموظفين للحفل في ٢٠ مايو ٢٠٢٠.
وحاليا البريطانيون في انتظار نتيجة التحقيق الذي تجريه المسئولة في الخدمة المدنية سو جراي حول مزاعم انتهاكات رئيس الحكومة، بإقامة حفلات في داونينغ ستريت، وإخلاله بقواعد الإغلاق العام، كما أكدت أنها ستعلن نتائج التحقيق في أقرب وقت ممكن، ومن المنتظر صدوره خلال الأسبوع المقبل.
منصب مهدد:
بالنظر إلى مجموعة الضغوط الآخذة في التزايد على رئيس الحكومة لتقديم استقالته، والتي يقابلها دعوات من داخل حزب المحافظين لطرح الثقة مرة أخرى في رئيس الحكومة، فإننا أمام سيناريوهين:
السيناريو الأول، سحب الثقة من رئيس الحكومة: وقد يدعم هذا السيناريو إرسال عدد من النواب آخذ في التزايد رسائل إلى لجنة ١٩٢٢ ( وهي اللجنة المؤثرة المكونة من أعضاء في مجلس المحافظين، وتحكم في الخلافات حول رئاسة الحزب، كما تنظم مسابقات مجلس المحافظين لتسجيل انعدام الثقة )، وسيكون ذلك بمثابة تحد كبير لجونسون حال وصول عدد النواب إلى ٥٤ نائبا، خاصة بعد خسارة حزب المحافظين للانتخابات التشريعية الفرعية في منتصف ديسمبر الماضي لأحد معاقله في دائرةنورث شروبشير، والتي أعلن جونسون مسئوليته عن خسارتها، واستطلاعات الرأي التي تظهر تراجع التأييد لرئيس الحكومة مؤخرا، فضلا عن أزمة شقة جونسون التي كلف تجديدها دافعي الضرائب ٢٨ ألف جنيه إسترليني، هذا فضلا عن عدم تمتعه في الأصل بكاريزمية كبيرة مقارنة بسابقيه.
السيناريو الثاني، بقاء رئيس الحكومة في منصبه:لأن حالات استقالة رئيس الحكومة أو إقالته غير معتادة كثيرا في بريطانيا، في ظل تمسك جونسون بمنصبه، فقد سبق وطالبوا تريزا ماي بالاستقالة إلا أن ذلك لم يتم، كما أن هذا الإجراء يتطلب توقيع ٥٤ نائبا على الأقل من حزب المحافظين على رسالة إلى لجنة ١٩٢٢ لسحب الثقة من قيادة الحزب، وهو ما قد يبدو صعب من الناحية العملية في ظل وجود مؤيدين كثر لاستكمال جونسون مدته المتبقية، في ظل الانقسامات داخل الحزب بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي واتفاق البريكست، الأمر الذي يصعب من مهمة اختيار قيادة جديدة للحزب، وبالتالي أي طلب من قبل البرلمان للإطاحة برئيس الحكومة يتطلب موافقة حزب الأغلبية البرلمانية، والذي قد لا يقبل أي هزيمة _ وإن كانت معنوية _ أمام بقية الأحزاب من خلال الإطاحة بزعيمه رئيس الحكومة، كما قد يقدم في أسوأ الحالات أشخاصا في الحكومة أو موظفين ككبش فداء باعتبارهم من تسبب في خرق الإجراءات الصحية، كما فعلت أليغيرا ستراتون مستشارة جونسون وقدمت استقالتها.
وختاما، فإن جونسون يصارع في الوقت الراهن على عدة جبهات للبقاء في منصبه بعد تعالي الأصوات الطالبة برحيله حتى من داخل حزبه، في انتظار نتيجة التحقيق التي يتمنى أن تكون لصالحه، معتمدا في الوقت ذاته على عدم توافر الأغلبية المطلوبة (٥٤ على الأقل ) لسحب الثقة منه، ودعم حزب المحافظين له علي الأقل،وقد يكون جونسون قادرا على تجاوز أزمته من خلال إقالة بعض الأفراد، وكل ذلك كفيل بإعطائه فرصة استكمال مدته في منصبه.