هجمات أبوظبي .. قراءة في الرسائل والدلالات

على الرغم من توجه دولة الإمارات العربية المتحدة لترميم العلاقات مع إيران وتعظيم المصالح المشتركة مع مختلف القوى الإقليمية سعيا لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، إلا أن الاستهداف المتعمد لمصالح أبوظبي عبر ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران قد يهدد ذلك التقارب ويؤثر على بيئة الأمن الإقليمي بشكل عام وأمن منطقة الخليج خاصة.
وفي هذا الصدد؛ يستقرئ هذا التحليل رسائل ودلالات هجوم ميليشيا الحوثي الأخير على مواقع بأبوظبي ومدى ارتباطها بالجانب الإيراني.
تصعيد متدرج:
صاحب التقدم الميداني لقوات الجيش اليمني و”ألوية العمالقة الجنوبية” على جبهات شبوة وجنوب مأرب تصعيدا متدرجا من قبل ميليشيا الحوثي تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة في محاولة لتخفيف الضغط ووقف تقدم القوات الشرعية.
ففي الثالث من يناير أعلن التحالف اختطاف ميليشيا الحوثي لسفينة شحن تحمل العلم الإماراتي في البحر الأحمر وعلى متنها معدات لمستشفى ميداني سعودي كان في خدمة المواطنيين اليمنيين بجزيرة سقطرى، ورفضت الميليشيا إطلاق سراح السفينة وطاقمها بدعوى حملها لأسلحة، كما رفضت تنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر بالإجماع والقاضي بتحرير السفينة.
وفي السابع عشر من يناير الجاري أعلنت سلطات أبوظبي وفاة هنديين وباكستاني وإصابة 6 آخرين بينهم مواطنين مصريين، جراء انفجار 3 صهاريج نقل بترولية بمنطقة المصفح، بجانب هجوم آخر استهدف الإنشاءات الجديدة بمطار أبوظبي الدولي مع رصد أجسام طائرة صغيرة، كما أعلن التحالف العربي تصدي دفاعات السعودية بنجاح لعدد 8 مسيرات مفخخة انطلق بعضها من مطار صنعاء الدولي.
وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي احتفاظ دولة الإمارات بحق الرد على الهجوم وأنه لن يمر دون عقاب، فيما طالبت مندوبة الدولة لدى الأمم المتحدة السفيرة لانا نسيبة بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإدانة التصعيد غير القانوني لميليشيا الحوثي.
وفي المقابل ذكر “المتحدث العسكري” باسم الميليشيا يحيى سريع أن العملية استهدفت مطاري دبي وأبوظبي ومصفاة المصفح وذلك باستخدام “5 صواريخ باليستية ومجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة”، وأشار إلى إمكانية توسيع “بنك الأهداف” الحيوية داخل دولة الإمارات مع استمرار المعارك بدعم التحالف.
أبرز ردود الفعل الدولية:
أدان عدد من القادة والزعماء ووزراء الخارجية، الهجوم الإرهابي الغادر على منشآت مدينة بأبوظبي، حيث أعرب رئيس جمهورية مصر العربية الرئيس عبدالفتاح السيسي عن تعازيه لحكومة وشعب دولة الإمارات الشقيقة، وذلك خلال اتصال هاتفي بأخيه ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد، مؤكدا على دعم وتضامن مصر مع دولة الإمارات وما تتخذه من إجراءات ومشددا على ارتباط أمنها وسلامتها بالأمن القومي المصري.
خليجيا، تلقى الشيخ محمد بن زايد اتصالات من عاهل مملكة البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهد دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، مؤكدين تضامنهم ووقوفهم إلى جانب دولة الإمارات قيادة وحكومة وشعبا في كل ما تتخذه من إجراءات للدفاع عن أمنها واستقرارها، كما عبرت كل من دولة قطر وسلطنة عُمان عن مواقف مشابهة.
وأدان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الهجوم الإرهابي، وعبر لنظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد عن تعازيه لضحايا الهجوم، كما أكد وزير الدفاع لويد أوستن لولي عهد أبوظبي، التزام الولايات المتحدة بأمن دولة الإمارات ودعم قدرتها في الدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات.
وحرصت تل أبيب على إظهار دعم وتأييد دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك في مواقف منفصلة عبر عنها كل من الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية.
وفي المقابل تناقلت وكالات أنباء إيرانية تصريحات قادة ميليشيا الحوثي واحتفت بالهجوم في مقالات ورسوم كاريكاتير. وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي حتى الآن من قبل الجانب الإيراني، التقى وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان مؤخرا بمتحدث ميليشيا الحوثي محمد عبد السلام بمسقط في العاشر من يناير الجاري، وذكرت وسائل إعلام نقلا عن قناة “المسيرة” التابعة للميليشيا أن عبدالسلام التقى الأحد الماضي في طهران عدة مسئولين إيرانيين على رأسهم رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.
الرسائل والدلالات:
تعد أبرز الرسائل المباشرة التي تتوخى ميليشيا الحوثي إيصالها لدول التحالف والمجتمع الدولي من خلفها أنها تتعامل بندية وبمنطق الفاعل الدولي عبر استهداف مناطق ومنشآت ذات رمزية وقيمة استراتيجية بعاصمة الإمارات في الهجوم الحالي (والعاصمة السعودية الرياض في مراحل مختلفة من عمر الأزمة اليمنية)، بوصفه ردا على استهداف تمركزات الميليشيا بالعاصمة اليمنية صنعاء، وأبرزها داخل مطار العاصمة الدولي، وفي ذات الإطار تتطلع الميليشيا لاكتساب صفة شرعية باعتبارها “الطرف” الأبرز في اليمن وبزعم استقلاليتها عن توجيهات النظام الإيراني وحرسه الثوري وميليشيا “حزب الله”.
وتكمن الرسالة الثانية، التي يسعى توصيلها تنظيم الحوثس الإرهابي في أنه قادر على تهديد أمن وسلامة المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات، مع استمرار مشاركتها في التحالف، وبالتالي رأي التنظيم وفق تقديراته الخاطئة على أن ما فعله يمثل رسالة سلبية بالنسبة للاستثمارات الأجنبية والشركات الدولية العاملة بالدولة مفادها أن مصالح دولة الإمارات تظل تحت طائلة التهديد.
وفي المقام الثاني يدلل الهجوم على محاولة الميليشيا تشتيت جهود التحالف ودفع دولة الإمارات لسحب ثقلها المشارك في التحالف في ضوء ما تقدمه بجوار المملكة العربية السعودية من دعم وإسناد جوي لقوات الشرعية، فضلا عن جهودها في تسليح وتدريب قوات العمالقة التي قادت عملية تحرير محافظة شبوة وتنفذ مع قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية عملية “حرية اليمن السعيد” المنطلقة في جنوب محافظة مأرب.
وفي سياق الدلالات الرمزية، أطلقت ميليشيا الحوثي على الهجوم الإرهابي “عملية إعصار اليمن” والتي ربما جاءت انعكاسا لعملية تحرير شبوة والمعروفة بـ”إعصار الجنوب”. وذكرت الميليشيا تعدد آليات الاستهداف مع التركيز على وجود “عدد كبير”من الطائرات المسيرة، وهو ما يشير إلى وجود مخزون لدى الحوثيين من الطائرات المسيرة يمكنها من إطلاق عمليات أخرى تعمل على تشتيت الدفاعات الجوية باستخدام تكتيك ثلاثي (كثافة عددية، مسيرات صغيرة الحجم، ارتفاع جوي منخفض)، ويعزز احتمالية نقل تكنولوجيا تصنيعها من قبل إيران وبالتبعية ميليشيا “حزب الله” إلى ميليشيا الحوثي.
استراتيجيا، تتبنى إيران خيار المقايضة مع دول الخليج حول أمنها على المستوى الوطني بمقابل تهديد أمنها الجماعي بتوسيع نطاق الاستهداف لدول التحالف ما لم تغير موقفها من الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن، مستغلة في ذلك الموقف الدولي الداعي للإنهاء الفوري للحرب في اليمن.
ويتزامن ذلك مع بروز توجه سعودي لدمج اليمن في محيطه الخليجي (ربما جرى التفاهم بشأنه خلال جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لدول الخليج قبيل قمة الرياض منتصف ديسمبر الماضي)، صاحبه حضور إماراتي ملحوظ في إسناد جهود المملكة والقوات الشرعية، وذلك باعتبار اليمن عمقا استراتيجيا لمنطقة الخليج.
ويدلل على ذلكما ذكره المتحدث باسم التحالف العميد تركي المالكي في تصريحاته بمدينة عتق مركز محافظة شبوة يوم الثلاثاء 11 يناير معلنا تحرير كامل أراضي المحافظة وانطلاق عملية “حرية اليمن السعيد” ومؤكدا أن التحالف سيساند اليمن حتى تصبح “في مصاف الدول الخليجية” وأن جهود العملية تتجاوز المفهوم الحربي التقليدي وتؤسس لمرحلة التقدم والازدهار بعد القضاء على الأفكار التوسعية والخبيثة في اليمن.
وختاما؛ لا شك أن اليمن تتجاوز كونها ميدانا لتجارب الأسلحة الإيرانية أو منصة تهديد تستهدف أمن دول الخليج العربي فحسب، وإنما يمثل دور إيران وحضورها في اليمن تهديدا للسلم والأمن الدوليين بالنظر لموقع اليمن الجيوسياسي واستمرار سيطرة ميليشيا الحوثي على مواقع حيوية مثل المطارات والموانئ الاستراتيجية في محافظة الحديدة على الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، علاوة على امتلاك الميليشيا تقنيات عسكرية رخيصة التكلفة وعالية المخاطر.
ويفسح التطور الأخير المجال للحديث عن بيئة الأمن الإقليمي في ظل انتشار الميليشيات المسلحة وما باتت تمتلكه من قدرات، ومدى استثمار القوى الإقليمية لها (إيجابا أو سلبا) وتوظيفها في تعزيز مصالحها ومد نفوذها على حساب معادلة الأمن القومي العربي، وهو ما يستدعي دعم منظومة العمل الجماعي الخليجي وتطوير العمل الجماعي العربي بصفة عامة لمجابهة التهديدات المشتركة.