حدود التنافس التركي _ الإيراني حول سوريا
قام وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” بزيارة لطهران، في نهاية نوفمبر 2021، التقى خلالها نظيره الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان”، والرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، بهدف وضع رؤية إستراتيجية مشتركة، لتطوير التعاون ورسم خريطة طريق شاملة جميع القضايا الإقليمية والأمنية، وتحديدًا بالملف السوري وما يشهده من تطورات.
وتسعى تركيا باستمرار لتوسيع نفوذها ودورها إقليميًا، وتدور إستراتيجيتها حول ممارسة دورًا محوريًا في جميع الاتجاهات، وقد رأت أنقرة أن سوريا هي بوابتها الأمثل لتحقيق هذا الهدف، بل وتخويلها القدرة على تحديد مستقبل المنطقة ككل، وتستمر تركيا في دعمها لفصائل المعارضة السورية، بينما عملت طهران على دعم نظام الرئيس السوري “الأسد”، لتستطيع التحكم بالملف السوري، وسعت لسلب هذا الدور القيادي من أنقرة، كفرصة لاستعمال هذا الأمر كورقة ضغط عند تعثر التفاوض مع الغرب حول برنامجها النووي.
وبناءًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل لتوضيح مدى التقارب أو التنافر بين سياسات تركيا وإيران تجاه الأزمة السورية، وأثر حالة التنافس بينهما في ظل تفاهم أمريكي- روسي على مسار الحل السياسي للملف السوري.
خلافات متعددة:
تعتبر أنقرة أن صعود إيران وسعيها للعب دور إقليمي محوري في سوريا، يجعلها المنافس الأوحد لها بالمنطقة العربية الإسلامية، وهناك تباين في سياسات الدولتين حول عدة نقاط متعددة، تتمث فيما يلي:
(*) توجهات سياسات أنقرة وطهران تجاه الحرب الأهلية السورية: حيث سعت إيران من بداية الأزمة السورية لدعم الرئيس السوري “بشار الأسد”، والحفاظ على بقائه في السلطة، بينما كانت تركيا هي راعية المعارضة السورية من البداية، وساهمت في حصولهم على اعتراف دولي بهم، كما قدمت أنقرة الدعم اللوجستي لقواتها لمواجهة تنظيم الدولة “داعش”.
(*) التنافس على مشاريع تصدير الطاقة لأوروبا: تتميز سوريا بوضع جيوسياسي بالشرق الأوسط، يجعلها نقطة وصل بين مناطق الجزيرة العربية الغنية بمصادر الطاقة وأوروبا، من ناحية وأخرى، وتعتبر سوريا معبر حيوي يتدفق عبرها الغاز والنفط إلى أوروبا، وفي هذا الصدد، تتطلع تركيا للعب دورًا هامًا في نقل الطاقة لدول الإتحاد الأوروبي، وهدفت قطر لذلك بمشروع اقترحته على الرئيس السوري عام 2009، مفاده نقل الغاز منها إلى أوروبا مرورًا بسوريا وتركيا، إلا أن هذا الاقتراح القطري قوبل بالرفض، بينما كان الطرح المنافس لذلك هو “اقتراح طهران”، فرغبت إيران بنقل الغاز من حقل القبة الشمالية، بمد أنابيب مرورًا بالعراق ثم سوريا إلى البحر المتوسط، وتم التوقيع على هذا المشروع منذ 2012، إلا أن التنفيذ الفعلي قد تأخر بسبب تداعيات الأزمة السورية، وقد حاولت تركيا الضغط على الأسد باستمرار حتى يرفض مشروع خط الأنابيب الإيراني، ويقبل بالطرح القطري، الذي يحقق مصالح تركيا بلا شك، للهيمنة على خطوط نقل الغاز لأوروبا.
(*) التمدد المذهبي”الهلال الشيعي”: لدعم إيران نظام بشار الأسد بُعد مذهبي، يتمحور حول إستراتيجية إقليمية ترمي إلى ضم كل من “سوريا ولبنان والعراق”، الأمر الذي يثير حفيظة تركيا بترسيخ نفوذ إيران”الجمهورية الإسلامية” في المنطقة، في ظل رغبة تركيا أن تنفرد بهذا الدور المحوري، كما أن سياسات حزب العدالة والتنمية المناهضة لنظام الرئيس “بشار الأسد” على أساس أنه من “العلويين”، قد أظهرت أنقرة كطرف فاعل في “المحور السني” المعادي للشيعة.
نقاط الاتفاق:
ترتبط تركيا بإيران في العديد من الاتجاهات، لاسيما العلاقات البينية والروابط الثقافية التي تجمعهم، ويوجد تفاهم بينهما حول عدة نقاط، من أهما:
(&) تعدد العلاقات الإستراتيجية: توفر طهران أكثر من ثلث احتياجات أنقرة من الطاقة، بعد صفقة الغاز المُقدرة بـ 22 مليار دولار، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين حسب تقارير عام 2019 وصل إلى 6 مليار دولار، وبالرغم من انخفاضه لتداعيات فيروس كورونا خلال عام 2020، إلا أن السلطات الإيرانية قد أعلنت عن توقيع 6 مذكرات للتفاهم مع أنقرة، تهدف إلى تعزيز مستويات التبادل التجاري بينهما، وصولًا إلى 30 مليار دولار.
(&) مواجهة خطر التفاهم الأمريكي الروسي: حيث أن التفاهم بين واشنطن وموسكو في الملف السوري، يعني مزيد من الضغط على النفوذ التركي والإيراني، ورغبة في تقليص تواجد الدولتين في سوريا، ما يشير إلى ضرورة التعاون بين أنقرة وطهران، وهناك استعداد للتعاون العميق بين البلدين حول الملف السوري وكذلك العراقي، كما أن تركيا لا تزال تقف داعمة لطهران في التوصل لاتفاق نهائي بالملف النووي، رافضة اتهام الغرب لها بدعم الإرهاب.
(&) هاجس مشترك حول السياسة الأمريكية لدعم الأكراد: تشهد الساحة السورية صراع متكرر بين ميليشيات شيعية موالية لطهران، والقوات الكردية “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تتعاون مع واشنطن في محاربة “داعش”، كما أن تركيا تصنف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على أنها تنظيم إرهابي، لا فرق بينه وبين تنظيم الدولة أو القاعدة، وترغب تركيا في تكبيل جناحه العسكري، وحرمان الأكراد من أي تطلعات انفصالية جديدة بالمنطقة، الأمر الذي قد يشجع أكراد تركيا وأكراد إيران أيضًا، للمطالبة بالاستقلال أو على الأقل الحكم الذاتي، مساواة بأكراد سوريا ومن قبلهم كردستان العراق، الذي حقق ذلك ضمن تداعيات نهاية الحرب الأمريكية على العراق.
سيناريو معقد:
تأسيسًا على ما سبق، تظل الأمور معقدة إلى حد ما، فتتوافر فرص متعددة للتعاون، بينما تتعدد نقاط التنافس والخلافات، إلا أن الواقع يفرض عليهما الوصول إلى تفاهم، في ظل توافر ذلك بين واشنطن وموسكو، حفاظًا على نفوذهم، إضافًة إلى أن الخلاف بينهما سواء كان مذهبي أو صراع على مشاريع لتصدير الطاقة لأوروبا، يحول دون تحقيق أي تقدم في الملف السوري، ويؤثر سلبًا على سوريا كضحية لكل هذه السياسات الدولية المتناقضة.
وختامًا، قد يلقى التنسيق الثنائي بين تركيا وإيران دعمًا روسيًا يتسم بالحذر، فعلى الرغم من أن العلاقات بين موسكو وأنقرة تصل في أغلب الأحيان لوضع من الصعب حلحلته، خاصًة حول مستقبل الوضع في “إدلب”، وتحتاج روسيا إلى تركيا وإيران، خاصًة في ظل تزايد الضغط الغربي عليها فى عدة جبهات، بما قد يؤدي لمزيد من التنازلات الروسية في الملف السوري لصالح أنقرة وطهران.