هل تتمسك روسيا بالبقاء في سوريا خلال عام ٢٠٢٢؟

على مدار السنوات العشر الماضية؛ عملت روسيا على استعادة علاقاتها مع حلفائها الإقليميين التقليديين، وفي مقدمتهم سوريا، فقد سعت إلى تحقيق شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهو ما نجحت فيه بالفعل منذ الانخراط في الأزمة السورية وحتى وقتنا هذا، الأمر الذي أثيرت على إثره العديد من التكهنات حول مصير التواجد الروسي في سوريا، وما إذا كانت ستكتفي بما حققته من مكاسب على مدار السنوات الماضية، خاصة بعد إعلان الإدارة الأمريكية استراتيجيتها الجديدة، والتي خصصتها لمواجهة الصين وروسيا، وخروج منطقة الشرق الأوسط من دائرة اهتماماتها، وبالتالي لم يعد هناك مسمي للتنافس الروسي الأمريكي في سوريا، وأيضا بعد تحقق نوع من الاستقرار في الملف السوري بعد الانتخابات الأخيرة، وانخفاض وتيرة العنف بما يكفل أمن واستقرار الحدود الجنوبية لروسيا.

وفي هذا الإطار؛ يناقش هذا التحليل احتمالات خروج روسيا من سوريا بحلول العام الجديد، وتفرغها لمواجهة الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في بقاع أخرى أهم من عدمه، وذلك بالوقوف على المصالح والمكتسبات التي حققتها موسكو في دمشق في السنوات الماضية.

دوافع روسية:

لكي نستطيع الحكم على مستقبل التواجد الروسي في سوريا، وهل سيستمر أم لا، يتوجب النظر إلى أهداف التدخل الروسي من الأساس، والنتائج التي حققها جراء ذلك، ومن ثم الحكم على جدوى خروجه من بقائه، وهو ما سيتضح من خلال النقاط الآتية:

(*) بدأ التدخل الروسي في سوريا في سبتمبر ٢٠١٥ لمساندة نظام الأسد، من خلال التمركز في طرطوس البحرية وحميميم الجوية، وكان قد برر المسئولون الروس بأن حماية الأمن القومي الروسي تبدأ من دمشق، فلطالما كانت الحدود الجنوبية الروسية مصدرا للقلق، وهو ما قد نستدل عليه من الموقف المتفرد لموسكو في ذلك الوقت للتدخل المباشر في سوريا دونا عن دول المنطقة التي شهدت ثورات أيضا، لذا قد يكون الهدف في البداية هو حماية القاعدة البحرية الروسية، والتي سمح حافظ الأسد بإنشائها في ميناء طرطوس في السبعينات، وفي نفس الوقت توسيعها لتصبح قاعدة بحرية دائمة، بعد أن كانت روسيا تحظى فقط بحق إرساء السفن داخل الميناء، كما ان روسيا لا تملك قواعد عسكرية كثيرة خارج حدودها، لذا فوجود تلك القاعدة سيمكنها من مراقبة التطورات في الخارج، كذلك السيطرة على شرق البحر المتوسط والجزء الشرقي من الشرق الأوسط حتى حدود إيران، وإذا استمرت علاقاتها الجيدة بإيران، سيكون ذلك بمثابة طوق أمني، كما أنشأت قاعدة عسكرية جديدة في منطقة السخنة وسط سوريا، لحماية آبار البترول التابعة للحكومة السورية.

(*) كما خدم في نفس الوقت الاستراتيجية الروسية في ذلك الوقت، والتي تهدف لإلهاء المجتمع الدولي عن اعتدائها على السيادة الأوكرانية، وغزوها لشبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، هذا بالإضافة إلى مطالبة المجتمع الدولي بخروجها من الأراضي الجورجية، والتي تحتل روسيا ما يقارب ٢٥٪ منها.

(*) هذا فضلا عن هدف آخر قد يكون معنويا بعض الشيء، تمثل في إظهار موسكو حليف وقائد على استعداد دائم لحماية حلفائها، في محاولة لسحب البساط عن الهيمنة الأمريكية في المنطقة في إطار التنافس الدولي، وبناءا على ذلك أصبحت روسيا ملاذا للدول التي تريد حسم حروبها، وهو ما شهدناه من خلال تدخلها في ليبيا لاحقا. ووفقا لوجهة نظر أخرى، فقد يكون بوتين حصل على الضوء الأخضر من قبل واشنطن باعتباره أفضل من التواجد الإيراني.

(*) والأهم أن التواجد الروسي في سوريا لم يكن مكلفا إلى حد كبير، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أشار إلى أن العمليات العسكرية في سوريا ذات كلفة رخيصة، باعتبارها تمثل في نفس الوقت تدريبا للقوات والأسلحة الروسية، مما أتاح أيضا سهولة تسويق الأسلحة دوليا وإقليميا.هذا بالطبع دون إغفال الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لسوريا بالنسبة للشركات الروسية كمركز لإنتاج ونقل النفط والغاز، وبالتالي سيتم تعويض النفقات عن طريق التحكم في السوق النفطية السورية وشركات إعادة الإعمار. وفي هذا الإطار، عبر مسئولون روس عن مجموعة أهداف عسكرية بما فيها تجربة وتسويق أسلحة وتقنيات عسكرية روسية حديثة، وتسخير الشركات الأمنية الخاصة لتكون الذراع غير الرسمي لروسيا للتدخل في مناطق أخرى لتعزيز سياستها ونفوذها واعتباره النموذج الروسي الجديد الواجب مراقبته وخصوصا بعد نجاحه في ليبيا.

ماذا عن انسحاب روسيا من سوريا؟:

وفقا للمدير العام للمجلس الروسي للعلاقات الخارجية أندريه كورتونوف، فإن القرار الروسي بالانسحاب من سوريا وما سيصاحبه من إعلان الانتصار السياسي والعسكري مرهون بوجود حكومة سورية صديقة، تحافظ على وحدة الأراضي السورية، ويفضل أن تكون علمانية، وتحترم الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الموقعة مع روسيا، كما تحافظ على المكتسبات الروسية التي حققتها طيلة الأعوام الفائتة، ولكن نظرا لعدم توافر البدائل التي تحقق هذه الشروط وفقا للروس، وانعدام الثقة في المعسكر الغربي بأكمله، فمن الصعب في الوقت الراهن أن يتم أي ترتيبات أو اتفاقيات نافذة تضمن للروس مصالحهم من عدة جهات، وإن كان تواجد إيران قد يحقق التطلعات الروسية بعض الشيء، إلا أن الغرب لن يسمح بانفراد إيران بسوريا بشكل كامل، والتي تجمعها بالغرب خلافات أزلية.

كما أن الهدف الروسي من التواجد في سوريا هو أكبر من أزمة سوريا نفسها أو حماية نظام الأسد، بل يتعدى ذلك إلى التنسيق مع الولايات المتحدة والاعتراف الغربي بشرعية تواجدها والمكتسبات التي حققتها ودورها ” البناء ” في سوريا، وهو ما قد يصعب حصوله على المدى القريب، لذا عملت روسيا مؤخرا على تنويع قنوات التواصل في سوريا بين المعارضة السورية والمجتمع المدني، وهو ما ينظر إليه كونه أداة لترسيخ وتأمين نفوذها أكثر، وليس رغبة منها في الحل أو التوفيق أو الخروج، وبالتالي فمن السابق لأوانه الجزم بأن روسيا ستنسحب من سوريا

حسابات أخرى:

يعتبر بوتين سوريا كمركز نشاط للكرملين، ونقطة الانطلاق لإبراز قوته في أوروبا وأفريقيا، ومن الناحية العسكرية ستبقي روسيا في سوريا لمدة لا تقل عن تسعة وأربعين عاما وفقا لاتفاقية بين موسكو ودمشق، كما يسمح موقع سوريا الاستراتيجي في شرق المتوسط لإبراز قوة روسيا في الجزء الجنوبي لحلف الناتو.

والحقيقة أن الولايات المتحدة رغم خروج المنطقة ككل من نطاق أولوياتها، إلا أنها تعلم تمام العلم خطورة استمرار التواجد الروسي في سوريا على الهيمنة الأمريكية، وبالتالي قد تحاول إخراج روسيا من المنطقة أو إلهائها على أقل تقدير، وهو ما قد يكون ضمن أهداف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لأنها في هذه الحالة ستكون صدرت مشكلات الإرهاب إلى حدود روسيا، وهي مسألة حساسة بالنسبة لموسكو، فبعد خروج القوات الأمريكية من كابل سيصبح خطر الإرهاب على بعد خطوات من الحدود الروسية ومنطقة آسيا الوسطى ككل، مما يجعلها _ روسيا _ تنشغل بذلك وتخفف من اهتمامها بسوريا. وعلى الجانب الآخر؛ قد يتمثل التواجد الروسي في سوريا والعراق خطة استباقية لمواجهة الإرهاب لحفظ الأمن القومي الروسي. وقد أشار الرئيس بوتين صراحةً إلى الخطر الذي يشكّله الإرهابيون العائدون إلى روسيا، بعد مشاركتهم في القتال إلى جانب التنظيمات المتطرّفة في سوريا، وأن مهمة العسكريين الروس في سوريا “ليست مساعدة الشعب السوري فحسب، وإنما حماية المصالح الروسية “، من خلال “عدم السماح بعودة الإرهاب إلى روسيا”.

وفي إطار المخاوف الروسية من الإرهاب، واستغلال واشنطن تاريخيا لهذه التفصيلة، يذكر أن مستشار الأمن القومي بريجينسكي، كان قد أشار في تصريح له أنه عرض خطة على الرئيس جيمي كارتر بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، كتب فيها”لدينا الآن فرصة لإدخال الاتحاد السوفييتي في حرب فيتنام خاصة به “لكي يبتعد عن منطقة بلاد الشام.

ووفقا لمسئولين أمريكيين، فإن الموقف الأمريكي في هذا الصدد حاليا أقوى مما كان عليه في ٢٠١٩، لأنه في ذلك الوقت رفض الرئيس بوتين الخطة التي تضمنت مقايضة روسية أمريكية حول سوريا، لأنها كانت في نهاية فترة ترامب، لأنبوتين ظن أنه لا داعي للتفاوض، أما الآن، فواشنطن قد تعمل على التنسيق مع حلفائها الإقليميين والأمم المتحدة للحوار مع الجانب الروسي، خاصة وأن موسكو حاليا غارقة في الملف السوري.

وفي الختام، رغم عدم إعلان الإدارة الأمريكية حتى الآن استراتيجيتها بشأن سوريا، إلا أنه من غير المرجح أن تكون ضمن أولوياتها، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار مساعي بوتين في سوريا، وفي المقابل ترى موسكو أن الشرق الأوسط بعد الانسحاب الأمريكي هو الساحة الأنسب لمواجهة استراتيجية واشنطن الجديدة والتي خصصت لمواجهة موسكو وبكين، لذا يمثل البقاء في سوريا وبقاء سوريا مستقرة مسألة وجودية بالنسبة لموسكو، لأن خروجها من سوريا يعني خروجها من المنطقة ككل، كما أن استقرار سوريا سيكون بمثابة استقرار لحدودها الجنوبية.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى