استراتجية الدولة المصرية في تطوير مشروع توشكي

شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي  في الـ 26 من ديسمبر 2021، افتتاح عددا من المشروعات التنموية بمحافظات الصعيد خاصة في مجال الزراعة ومنها مشروع ” توشكي الخير ” هو أكبر مشروع استصلاح زراعى فى منطقة الشرق الأوسط، ويعتبر أحد المشروعات القومية العملاقة التى نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى إعادة الحياة فيها بعد فترة من التدهور أصابت المشروع الذى دشن فى البداية منذ عام 1997، ليحيا المشروع مرة أخرى ضمن خطة البرنامج الرئاسى.

 يذكر أن مشروع توشكى الخير، يتكامل مع مشروعات زراعية كبرى، تنفذها الدولة المصرية في وسط وشمال سيناء والدلتا الجديدة وغيرها، وكلها محاور اقتصادية مهمة وكبرى للجمهورية الجديدة التي يشيدها الرئيس السيسي. حيث يعد المشروع مستقبل مصر للاستثمار الزراعى فى الخير والنماء، خاصة بعد إضافة مساحات زراعية جديدة فى الفترات الماضية لزيادة الرقعة الزراعية لتصبح أراضى زراعية جاهزة للاستغلال الأمثل والتي يمكن أن تحقق طموحات الشباب فى توفير فرص عمل حقيقية لهم، خاصة أنه تم تنفيذه بغرض استصلاح واستزراع وخلق مجتمعات عمرانية جديدة وتخفيف الضغط على الوادى والدلتا.

الأهمية الاقتصادية لمنطقة توشكى:

أولت الدولة المصرية القطاع الزراعي اهتماما بالغا خلال الفترة الماضية، لكونه أحد أهم محاور التنمية الاقتصادية في الدولة المصرية، فهو يوفر خُمس الصادرات السلعية، ويعمل به ربع القوى العاملة في مصر، ويسهم بنحو 15% من الناتج المحلى الإجمالي. وتتميز منطقة توشكى بمناخ دافئ وجاف مما يساعد على سرعة نضج عدد كبير من السلع الزراعية الهامة فى أوقات مبكرة عن مثيلاتها فى الدول المجاورة التى تصب لصالح تعزيز صادرات مصر، وتحقيق الأمن الغذائي بها، منها على سبيل المثال: الفواكه والخضراوات، خاصة تلك المحاصيل التصديرية للأسواق الأوروبية مثل العنب والكنتالوب والفاصوليا الخضراء، كذلك زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل الغذائية الهامة مثل: الذرة – الشعير – القمح. كما يتم الزراعة على مياه الآبار الجوفية المنتشرة على جانبي ترعة الشيخ زايد: الكركديه – الفول السوداني- القمح – الموالح، كذلك يزرع به أكثر من مليون نخلة من أجود أنواع النخيل وتطمح الدولة في زيادة أشجار النخيل بالمشروع إلى نحو 2.5 مليون نخلة.هذا بالإضافة إلى زراعة المحاصيل التي تصلح كعلف للحيوان مما يؤدى إلى توافر اللحوم الحمراء والألبان وتصنيع منتجاتها.

وتتميز المنطقة بإمكانية زراعة القمح، حيث تم البدء به في أكتوبر 2020، بزراعة 30 ألف فدان قمح خلال أول 3 أشهر من بداية المرحلة الأولى، إضافة إلى إنهاء تجهيز حوالي 100 ألف فدان قابلة للزراعة، وجارى تجهيز 100 ألف فدان أخرى بنهاية العام الجاري. ومن هنا تتضح أهمية مشروع توشكى فى إطار شمول التنمية الزراعية، وبناء رؤية جديدة  قائمة على تحقيق الأمن الغذائي وتقليل واردات مصر من الغذاء، وتحقيق فائضا للتصدير وتوفر فرص عمل، في إطار طموحات الجمهورية الجديدة لعام 2025 بشأن الزراعة، وهي تقوم على عشر برامج رئيسية قائمة على التوسع في الاستصلاح والتوسع الرأسي والأفقي في زيادة المحاصيل الاستراتيجية والرقعة الزراعية.

ملامح مشروع توشكي:

تم وضع حجر الأساس لمشروع توشكى الزراعى فى 9 يناير 1997 لاستصلاح واستزراع 540 ألف فدان ، وذلك فى إطار خطة الدولة لتوسيع رقعة المساحة المعمورة من 5 % إلى 25 % من مساحة مصر وخلق مجتمعات عمرانية جديدة وتخفيف الضغط على الوادي والدلتا، وتم تحديد عام 2017 كموعد للانتهاء من المشروع. وتكون مشروع توشكى من محطة لرفع المياه وهى الأضخم فى العالم عن طريق 24 طلمبة من بحيرة ناصر إلى الأراضي الزراعية من منسوب 147 إلى 200 متر فوق سطح البحر، من خلال قناة الشيخ زايد الرئيسية ويتفرع منها أربعة أفرع تم الانتهاء من ثلاثة وتبقى الفرع الرابع عام 2002، بإجمالي أطوال حوالى 200 كم قنوات مبطنة من الأجناب ومن القاع لمنع تسرب المياه، وتم عمل سحارة من 4 أنفاق مربعة بضلع 5.6 متر وطول 800 متر أسفل مفيض توشكى. ويهدف المشروع إلى زراعة 120 ألف فدان (فرع 1)، 120 (فرع (2)، 100 (فرع 3)، 200 (فرع 4) بإجمالي 440 ألف فدان، ثم ارتفعت إلى 100 ألف فدان أخرى فى مشروع المليون ونصف المليون فدان، بالإضافة إلى 30 ألف فدان أخرى على مياه جوفية من خلال حفر 52 بئر تم حفرها سنة 2003، و 50 أخرى 2015، وقد توقف المشروع بسبب عدم ضخ استثمارات به وضعف الاعتمادات المالية المخصصة وانصراف الإرادة السياسية عن طموحات المشروع. فضلاً عن وجود بعض التحديات الأخرى مثل وجود حائط صخري، منع وصول المياه لـ 300 ألف فدان، وكان يجب عبور المياه عبر هذا الحائط لإيصال المياه.واحتاج هذا الحائط إلى 3 ملايين طن مفرقعات لإزالته وكان يمتد إلى 9 كم وبعمق 20 مترا تحت الأرض.

ومرة أخرى تعاد الحياة إلى توشكى بظهور مشروع “توشكى الخير” هو أكبر مشروع استصلاح زراعى فى منطقة الشرق الأوسط، وأحد المشروعات القومية العملاقة التي نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تبنيها بعد فترة من التدهور أصابت المشروع. وقد بدأ العمل به في عام  2020 بتكلفة تقريبية بلغت 6.4 مليار جنيه؛ ليعد أحد أهم المشروعات الزراعية لتوفير ملايين المنتجات الزراعية المختلفة للدولة، وتسعى أهداف التنمية الزراعية فى توشكى الى اضافة رقعة زراعية جديدة لمصر تساهم فى زيادة الصادرات الزراعية، بجانب إقامة مجتمعات زراعية وصناعية متكاملة تقوم على استغلال المواد الزراعية الأولية ثم تمتد لتشمل الصناعات القائمة على الخامات المحلية والتعدين وإنتاج الطاقة وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة لتقليل الكثافة السكانية فى الوادى والدلتا.

ويهدف المشروع الى استصلاح واستزراع حوالى 600 ألف فدان حول منخفضات توشكى. وقد زدادت الزراعة فى منطقة توشكى فى عام 2021 إلى أكثر من 100 الف فدان  بعد أن كانت 50 فدان فى عام 2020 ، وتم وزيادة المناطق الزراعية المستقبلية بمقدار 231 ألف فدان ليصل الإجمالى المستهدف إلى 721 ألف فدان بنهاية 2022، ومن قبلها شرق العوينات بزراعة أكثر من 200 ألف فدان من 220 ألف، وقريبا ترعة السلام بعد افتتاح محطة بحر البقر لزراعة حوالى 500 ألف فدان مزروع منها 50 ألف فدان فقط من مستهدف كان 420 ألف فدان. وذلك عن طريق  استغلال مياه الصرف الزراعى التى تمت معالجتها وفقا للمعايير العالمية فى محطة بحر البقر بعدما كانت غير مستغلة ، فى رى الأراضى الزراعية. كما يشمل مخطط العام للمرحلة الأولى للمشروع 12 منطقة زراعية، بمساحة تصل إلى 325.000 فدان.ووصلت المساحة الإجمالية أسفل أجهزة الري المحوري إلى 100.000 فدان، وإجمالي عدد أجهزة الري المحوري بالمشروع وصلت إلى 1103 جهاز.هذا فضلا عن مشاركة 11 شركة مصرية وطنية فى هذا المشروع . وتوضح الخريطة التالية تحسن ملحوظ فى زيادة الاستصلاح الزراعى بمنطقة توشكى ما بين عامى 2020 و2021.

ولم يقف مشروع توشكى الخير عند الاستصلاح الزراعى فقط ، بل تضمن مشروعات مختلفة تهدف الى تحقيق التنمية الزراعية الشاملة، وذلك كما يلى :-

التنمية الخدمية:

نجح  المشروع فى تنمية خدمية شاملة بالمواقع المجاورة وليس تنمية زراعية فقط، حيث تم إنشاء وإنارة الطريق المؤدى إلى المشروع كما تمت تقوية وإعادة رصف الجسور والطرق الداخلية بين أسوان – أبوسمبل وأبو سمبل – العوينات وتنفيذ المنشآت السكنية والإدارية بالمستعمرة الدائمة بالمشروع عند الكيلو 50٫0 وهى مزودة بمحطة لتنقية مياه الشرب وأخرى لمعالجة مياه الصرف الصحى، كما يتوافر بمنطقة المشروع بعض الخدمات الحيوية مثل: بنك التنمية والائتمان الزراعى – محطة بث إعلامية – محطة للميكنة الزراعية – سوق تجاري- نقطة شرطة – وحدة إسعاف سريعة – مركز طبى. تم تنفيذ 1107 كيلومترات شبكات ري، فضلا عن 99 محطة طلمبات بإجمالي 448 طلمبة و12350 برج هواء و 881 كلم طرق و442 كلم مدقات لأجهزة الري المحوري.

مشروعات التنمية الزراعية والحيوانية:

 من خلال إقامة العديد من الصناعات التكاملية التحويليةالتى تستهدف الصناعات الغذائية للمحاصيل المزروعة بتوشكى . كما يقوم جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بدعم خطط التنمية الشاملة المستدامة للدولة وبالتعاون مع الأجهزة المعنية ومراكز البحوث العلمية المتخصصة، ويشارك الجهاز في تنفيذ العديد من المشروعات الإنتاج الزراعي والإنتاج الحيواني ومنتجات الألبان ومشروعات الإنتاج الداجني والمزارع السمكية والعديد من مشروعات الغذائية ومشروعات الصناعات الثقيلة والمشروعات التعدينية المختلفة إضافة الى العديد من أنشطة الخدمات المتخصصة. كما يتضمن المشروع إنشاء عدة مصانع لتعبئة وتغليف الحاصلات الزراعية.

زراعة محاصيل هامة:

 أن مشروع توشكى يهدف إلى استصلاح مساحات زراعية شاسعة ، بمحاصيل استراتيجية هامة، مثل محصول القمح والذرة والقطن، وبنجر السكر والشعير، والمحاصيل الزيتية . كما تسعى الحكومة الى إضافة مساحة جديدة من الأراضي الزراعية لزيادة زراعة النخيل، وخاصة الأصناف الجديدة مثل البرحي والمجدول، والتي يتم تصديرها إلى الخارج حتى تصل في المستقبل إلى نحو مليون فدان تروى بالمياه السطحية من نهر النيل بالإضافة إلى المياه الجوفية المتوفرة بالمنطقة، ، حيث سيتم إنشاء أكبر مزارع للنخيل في العالم بتوشكى للاستهلاك المحلي والتصدير بزراعة 2.3 مليون نخلة على مساحة 37 ألف فدان.  كما يشمل المشروع زراعة محاصيل مميزة توجه للتصدير . كذلك يتيح المشروع توفير أراض جديدة لم تسبق زراعتها من قبل، وبالتالي يمكن زراعة زراعات جديدة صديقة للبيئة، ليس بها أي نوع من المبيدات، والتي يتم تصديرها إلى الخارج بأسعار عالية، كذلك يوفر فرص  للزراعة العضوية، وهي زراعات نوعية يُمكن تصديرها والاستفادة من عوائدها العالية .

وتأسيساً على ما سبق، يعتبر مشروع توشكى، الذي أعاد إحياءه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أحد أهم المشروعات القومية التي يشهدها البلد، بالنظر إلى حجم المردودات والعوائد الاقتصادية المنتظرة منه، سواء فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي للمصريين، وكذلك زيادة الصادرات، وسط طفرة زراعية هائلة يشهدها جنوب مصر.حيث تتضح أهمية مشروع توشكى على المستوى الاقتصادي ، من إقامة مجتمعات زراعية صناعية متكاملة ومستقرة للتنمية المتواصلة قاعدتها الأساسية الاستخدام الأمثل للأراضي والمياه وإقامة مشروعات للثروة الحيوانية لسد احتياجات السوق المحلية والتصدير . وتعد عملية إحياء مشروع توشكى باعتبارها من المناطق الواعدة بمثابة تجديد الآمال للخروج من الوادى الضيق والتوسع لتنمية المجتمع المصرى زراعياً، وما قد يتبعه من تنمية صناعية واجتماعية ، كما تمثل أحد أهم المشروعات الطموحة التى تنظر إليها الدولة فى الوقت الراهن لتكمل منظومة التنمية التى تقودها للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة فى الاستفادة من الموارد الطبيعية والمتاحة مع الترشيد المتوازن . وكل ذلك يؤدى بلا شك إلى تحقيق أهداف رئيسية لاستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة في مصر 2030، وأهمها زيادة المساحة المستزرعة من الأراضي الزراعية، وزيادة إنتاجية وحدتي الأرض والمياه، وتحسين القدرة التنافسية للصادرات الزراعية، وتحسين مناخ الاستثمار الزراعي، وتحسين مستوى معيشة السكان الريفيين، الذي يتوازى معه مشروع ضخم وهو حياة كريمة لتنمية القرى ، وجميع ما سبق يصب لصالح تعزيز مستوى النمو والتنمية فى مصر .

 

د.جيهان عبد السلام

رئيس وحدة دراسات مصر -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى