مؤشرات متعارضة: هل تعود سوريا إلي جامعة الدول العربية؟
أحمد محمد عفيفي- باحث متعاون
مع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها الجزائر في مارس 2022، أعربت بعض الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية عن تبنيها لخيار عودة سوريا إلى الجامعة، حيث سعت لإعادة سوريا للمجال العربي وفتحت قنوات للتواصل مع دمشق، معللين ذلك بأن عودة سوريا للجامعة العربية هي خطوة قوية وضرورية يمكن أن تحجِّم التدخلات الخارجية التي أضرت بالملف السوري كما ستعمل على استعادة التوازن العربي بما يمثل قيمة مضافة تشكل مصلحة لجميع الأطراف.
وتأسيسا على ما سبق؛ يتناول هذا التحليل إمكانية عودة سوريا للجامعة العربية في أعمال القمة المقبلة في ضوء مواقف الدول الأعضاء من تطورات المشهد السوري في الفترة الماضية.
أسباب تجميد عضوية سوريا من الجامعة العربية:
اتُخذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في اجتماع طارئ في 12 نوفمبر 2011 عقد في القاهرة، لحين تنفيذ النظام السوري لتعهداته واتخاذ إجراءات فعلية لحماية المدنيين. وقد ترتب على القرار مجموعة من الإجراءات العقابية شملت عدم مشاركة الوفود السورية في اجتماعات جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والهيئات التابعة لها، إضافة إلى جملة من العقوبات الاقتصادية والسياسية على الحكومة السورية، كما طالبت الجامعة، الدول الأعضاء بسحب سفرائها من دمشق.
لم يكن القرار هو الأول من نوعه في تاريخ الجامعة العربية، فقد سبقه بعدة أشهر تعليق عضوية ليبيا فبراير 2011، وانتهى التعليق في أغسطس من نفس العام بتسليم مقعد ليبيا للمجلس الوطني الانتقالي، وفي عام 1978 تم تعليق عضوية اليمن الجنوبي في جامعة الدول العربية بعد اتهام نظامه باغتيال رئيس اليمن الشمالي آنذاك. وبعد عام واحد تم تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية في عام 1979 بعد أن وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل ونقل على إثر ذلك مقر الجامعة إلى تونس.
الدول الداعمة لعودة سوريا:
ظهرت بعض التطورات التي تشير إلى قرب عودة العلاقات العربية مع سوريا، فمنذ البداية لم تكن القطيعة العربية مع النظام السوري شاملة، حيث رفضت لبنان واليمن قرار تعليق العضوية وتحفظت العراق على القرار، كما أن بعض الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري مثل مصر في ظل حكم الإخوان ولكن سرعان ما تبنت سياسة مغايرة بعد ثوره 30 يونيو 2013. حيث اتخذت مصر موقفًا وسطيًا يركز على الحاجة إلى السلام، وإيجاد حل سياسي للأزمة، وضمان وحدة سوريا ووضع حد للإرهاب في المنطقة.
وابتداءً من عام 2018 بدأت مؤشرات واحتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية تتصاعد، ففي 17 ديسمبر 2018 زار الرئيس السوداني المخلوع “عمر البشير”. حيث أعرب عن أمله بأن تستعيد سوريا عافيتها وأن يتمكن شعبها من تحديد مصير بلاده، مشددا على وقوف السودان إلى جانب سوريا وأمنها واستكشاف إمكانية عودة سوريا إلى الكتلة العربية.
وفي أواخر ديسمبر 2018 أعادت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين فتح سفارتيهما في دمشق، وفي 9 نوفمبر 2021 قام وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد بزيارة إلى العاصمة دمشق حيث التقي بالرئيس السوري بشار الأسد، ليؤكد بذلك دعم بلاده لعودة دمشق لشغل مقعدها الشاغر بالجامعة العربية كمقدمة لتطبيع العلاقات العربية والدولية معها وإنهاء الأزمة المستمرة منذ 2011.
كما قامت سلطنة عمان بعدة تحركات في 2019 من أجل عودة التقارب بين سوريا ودول الخليج. ففي 7 مايو عام 2019 أجرى وزير الخارجية العماني آنذاك يوسف بن علوي محادثات مع الرئيس السوري في دمشق تناولت العلاقات الثنائية ومساعي استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد أفادت وزارة الخارجية العمانية وقتها بأن زيارة بن علوي إلى دمشق، هي الثانية له منذ اندلاع النزاع. بعد زيارة أولى في أكتوبر 2015.
وقد اتسعت دائرة التفاعل العربي مع دمشق منذ شهر سبتمبر 2021 الذي شهد عدداً من المؤشرات الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية، على العودة السورية للمحيط العربي، فقد التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد في 25 سبتمبر 2021، على هامش الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكان هذا أول لقاء يجمع وزيرا خارجية البلدين منذ اندلاع الأزمة، حيث صرح الوزير المصري بتأييد عودة سوريا كطرف فاعل في الإطار العربي.
وفي 29 سبتمبر 2021 لعبت الأردن دور سياسي واقتصادي إقليمي، حيث أعادت فتح “معبر جابر (المعروف بمعبر نصيب على الجانب السوري)” على الحدود مع سوريا. وفي الثالث من أكتوبر 2021، أعلن الديوان الملكي الأردني أن العاهل الأردني الملك “عبد الله الثاني” ناقش هاتفيا مع الرئيس السوري “بشار الأسد” العلاقات الثنائية بين البلدين وخاصة الأمور المتعلقة بالتجارة والطاقة والزراعة.
وجاءت هذه التطورات في الوقت الذي تعمل فيه الأردن والعراق ومصر على زيادة تعاونها الاقتصادي وتعزيز التعاون الاستراتيجي والأمني بينهم. كما ليس من الصعب رؤية سوريا تضاف كطرف رابع في مثل هذه الكتلة الاقتصادية في المستقبل القريب.
وأعقب ذلك لقاء بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره السوري “فيصل المقداد” في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة. كما جرت مشاورات حول مد أنابيب الغاز الطبيعي والكهرباء من مصر و الأردن إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
كما أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في 26 نوفمبر 2021 إنه من المفترض أن تشارك سوريا في القمة العربية القادمة في الجزائر، مضيفا أن بلاده تسعى لأن تكون القمة “جامعة للصف العربي”.
كوابح التطبيع:
أبدت المملكة العربية السعودية مؤخرا موقفا مغايرا في التعامل مع الملف السوري على الرغم مما تداولته وسائل إعلام خلال الأشهر الماضية من أنباء عن لقاءات بين مسئولين سعوديين وسوريين على مستوى مندوبي البلدين في الأمم المتحدة بنيويورك أو رؤساء أجهزة الاستخبارات.
وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تدعم المسار الأممي ولا تفكر في تطبيع العلاقات مع سوريا وترى أنه لا مجال لعودة النظام إلى الجامعة العربية في الوقت الحالي، قبل أن يوجه مندوب المملكة في نيويورك السفير عبد الله المعلمي منتصف الشهر الجاري، انتقادات لاذعة لدمشق متهما إياها بدعم ميليشيا “حزب الله” وغيره من التنظيمات الإرهابية.
ويؤيد ذلك التوجه، الموقف القطري الرافض لتطبيع العلاقات كذلك، وقد ساهمت الدوحة في دعم جماعات المعارضة وأعطت الائتلاف الوطني مقعد سوريا في الجامعة خلال قمة الدوحة 2013، كما أن قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة أكدت دعمها للحل السياسي للأزمة السورية وفقا لمبادئ مؤتمر “جنيف 1” وقرار مجلس الأمن الدولي 2254.
ختاماً؛ يمكن القول إن التطورات والتحركات التي نوقشت أعلاه تظهر دعما عربيا لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، باعتبار أن ذلك سيسهم في دعم الاستقرار في سوريا وسينعكس بالضرورة على استقرار المنطقة بأسرها، من خلال معالجة الأزمة الإنسانية الحادة التي يواجهها الشعب السوري، فضلا عن تحديات إعادة الإعمار، كما ستبني من خلاله القوى العربية دورا فاعلا في حل الأزمة، بما يخصم من نفوذ القوي الإقليمية الأخرى.
ومن ناحية أخرى، شكلت تطورات الساعات الأخيرة مشهدا مغايرا يلقي بظلاله على قرار العودة خلال قمة الجزائر المقبلة بتبني دول خليجية موقفا مناهضا للتطبيع مع دمشق على ضوء عدم تحقيق تقدم في شأن الحل السياسي وإيجاد بيئة آمنة لعودة اللاجئين والنازحين، كما تنتقد ارتباط النظام السوري بأجندة إيران وأنشطة وكلائها الإقليميين، ومن ثم لا يبدو الطريق معبدا أمام عودة سوريا إلى الحاضنة العربية عبر قمة الجزائر ما لم تتغير ديناميات التفاعل بين الحكومة السورية ومحيطها الإقليمي.