أين تقف الدول الأوروبية من محاولات تأجيل الانتخابات في ليبيا؟

في حين ينتظر الشعب الليبي بفارغ الصبر موعد إجراء الانتخابات الليبية الرئاسية في موعدها المقرر سلفا في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري، إلا أن المشهد السياسي الليبي في الوقت الراهن تسوده حالة من التضارب والعشوائية حول موعد الانتخابات، وأصبح شبح التأجيل يسيطر على المشهد السياسي في الوقت الراهن، خاصة في ظل وجود تحركات لمستشارة الأمم المتحدة ستيفاني ويليامز مع جميع الأطراف الليبية تشير إلى أن هناك محاولات لإيجاد مخرج للتأجيل، وتحديد موعد جديد، وما سيترتب عليه من نتائج وردود فعل غاضبة كانت تنتظر إجراء الانتخابات في موعدها.

واستنادا إلى ذلك، يلقي هذا التحليل الضوء على أهم التصريحات والتحركات التي تنبئ بوجود نية لإرجاء الانتخابات الليبية إلى موعد لاحق، مع توضيح موقف الشارع الليبي من التأجيل، بالإضافة إلى مواقف أبرز القوى الدولية في هذا الصدد.

تحركات مدروسة:

حتى الآن لم يصدر أي بيان رسمي حول تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا، واقتصرت فقد على بعض التصريحات والتلميحات والتحركات من قبل المؤسسات المعنية، حيث  قال رئيس لجنة متابعة سير العملية الانتخابية في مجلس النواب الليبي الهادي الصغير إن تأجيل الانتخابات الليبية ” أصبح أمرا واقعيا ” كما دعا المفوضية إلى التأجيل مع تحديد موعد جديد لإجرائها، وصرح الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق بأن الواقع السياسي يؤكد أنه لا إمكانية لإجراء الانتخابات في موعدها، لذا قرر مجلس النواب الليبي عقد جلسة في ٢٧ ديسمبر الجاري لاختيار حكومة جديدة مصغرة لتسيير الأعمال لحين عقد الانتخابات، ويكون هدفها تقريب وجهات النظر والتمهيد لخطوة الانتخابات في الموعد الجديد، ولابد أن يكون هناك توافق دولي على هذه الحكومة، لأنه ما كان متبعا طوال الفترة الماضية، لأن الحكومة الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة ستنتهي شرعيتها بالفعل يوم ٢٤ من ديسمبر.

وبالتالي فالليبيون هنا أمام خيارين؛ الأول: هو تجديد الثقة بالحكومة الحالية _ وهو الأقل ترجيحا، نظرا لأنه ووفقا لمحللين، فإن ترشيح الدبيبة في الانتخابات الرئاسية قد أخر سير العملية الانتخابية وفقا للجدول الزمنى المحدد، لأن الحكومة كان من المفترض أن يكون دورها حياديا _، والثاني: وهو الأقرب هو تشكيل حكومة جديدة لقيادة المرحلة المقبلة، وقد تعمل تحت مجلس عسكري يقوده أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (٥+٥)، كما تستعد القوى الدولية والإقليمية لعقد جلسة في مجلس الأمن لبحث مستجدات الشأن الليبي ومؤشرات تأجيل الانتخابات، وفي الجلسة الطارئة لمجلس الأمن قد يتم تثبيت وقف إطلاق النار الذي كان مرهونا بإجراء الانتخابات، وإعلان القائمة النهائية للمرشحين واستبعاد المخالفين، كما يتوقع أن تصدر قرارات حاسمة بشأن الموعد النهائي لإجراء الانتخابات في موعد أقصاه شهرين من التاريخ المقرر في ٢٤ ديسمبر.

موقف الشارع الليبي:

وفقا للتقارير الإعلامية؛ فقد سادت حالة من الغضب في الشارع الليبي، نتيجة للتوجه العام نحو تأجيل الموعد الانتخابي وفقا للخارطة الزمنية التي كان متفق عليها لإنهاء الأزمة والتدخلات الأجنبية، فقد شهدت العديد من المدن في شرق وغرب وجنوب ليبيا تظاهرات ووقفات احتجاجية أمام مقر المفوضية العليا للانتخابات، وحمل المتظاهرون لافتات ” لا للتأجيل “. كما يري النشطاء الليبيون إن تأجيل الانتخابات سيضع المفوضية العليا والحكومة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله في موقف حرج وفقدان للثقة من جانب الليبيين، كما حملهم النشطاء مسئولية ما سيترتب على تأجيل الانتخابات من فوضى وفراغ سياسي، وذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء الليبية.

وفي هذا الشأن، انقسم الشارع الليبي إلي ٣ فرق، الأولي:، مؤيدة للنظام السابق وتيار الكرامة ممن يؤيدون إجراء الانتخابات في موعدها المقرر سلفا، والثانية:، تابع لجماعة الإخوان الليبية التي ترى أن التأجيل لفترة وجيزة هو الحل الأنسب من أجل لملمة أوراقه حتى يتم النظر في ترشيح بعض الوجوه التي ترفضها الجماعة، أما الثالثة:؛ فقد تمثلت في المواطن الليبي العادي، والذي يري الانتخابات بمثابة طوق النجاة من الحرب والفوضى ولإنهاء معاناة قرابة العشر سنوات، لذا يرون أنه حاليا تجرى محاولات لتبرير تأجيل الانتخابات، والتي لن يكون مستفيدا منها سوى المليشيات المسلحة، وجهات محددة تعمل على إطالة أمد الأزمة في البلاد.

يذكر أن الانتخابات الرئاسية الليبية كان من المقرر إجرائها على جولتين؛ الأولي في ٢٤ ديسمبر، والثانية بعد ٥٢ يوما من الجولة الأولى مع الانتخابات البرلمانية.

موقف إخوان ليبيا:

بدأ إخوان ليبيا بوضع العراقيل بالمماطلة ومحاولة تعطيل التصديق على قانون الانتخابات والبدء في تنفيذ خارطة الطريق، بحجة غياب القاعدة الدستورية، والمطالبة بالاستفتاء حول دستور جديد، والاعتراض على بعض المرشحين. مرورا بالتحريض على مهاجمة المقرات الانتخابية والدعوة للاعتصام بداخل المفوضية، وفقا للدعوات التحريضية التي وجهها الصادق الغرياني مفتي إخوان ليبيا لمن وصفهم بـ ” أهل فبراير ” في ليبيا للقتال ” لتحرير البلاد “، وهي خطوة اعتبرها الكثيرون دعوة جديدة لعرقلة الاستحقاق الانتخابي المهدد بالتأجيل، وقد تزامنت تلك التصريحات مع تحركات خالد المشري _ المصنف ضمن جامعة الإخوان المسلمين _ رئيس المجلس الأعلى للدولة، والذي رجح تأجيل الانتخابات لمدة ٣ أشهر، كما دعا أنصاره إلى الاعتصام أمام مقر المفوضية العليا للانتخابات وعرقلة عملها، وقد حدث ذلك بالفعل لعدة أيام في عدد من المدن في غرب ليبيا. وصولا إلى التحركات المسلحة التي تمثلت في محاصرة المليشيات لمقرات الحكومة في طرابلس من جانب مليشيات تعرف ب ” لواء الصمود “، والتي أعلنت عزمها عدم السماح بإجراء الانتخابات في ٢٤ ديسمبر.

وبناءا على ذلك، يمكن وصف تحركات جماعة الإخوان في ليبيا بأنها مراجعة لمواقفها ولملمة أوراقها، لأنها قد تكون قلقه إزاء مستقبلها في المشهد السياسي الليبي حال إجراء الانتخابات في موعدها، لأنها لم تقوى موقفها فيها ولا النجاح في الحصول على دعم أي من الأطراف الدولية أو الإقليمية القوية حتى الآن.

الموقف الغربي من التأجيل:

كشفت تقارير أوروبية، مثل وكالة نوفا الإيطالية، عن توجه نحو تأجيل الانتخابات الليبية إلى يناير أو فبراير المقبل، نظرا لعدم جاهزية المفوضية العليا للانتخابات لإعلان القوائم النهائية للمرشحين، نتيجة وجود بعض العوائق الفنية، كما ستتكفل المستشارة الخاصة بليبيا ستيفاني ويليامز بدور الوساطة بين جميع الأطراف الليبية. كما أفادت وسائل إعلام إيطالية أن الخطة التي ستعلنها ويليامز الأسبوع المقبل بشأن العملية الانتخابية، تأتي بعد مشاورات مكثفة أجرتها في الأيام الأخيرة مع كافة الأطراف في ليبيا، تعمد إلى التوافق حول تشكيل حكومة جديدة في ليبيا حتى موعد الانتخابات الجديد في نهاية يناير أو فبراير المقبل، قد يعلن عنها البرلمان الأسبوع المقبل، وستعمل _ الحكومة _ على التمهيد لوضع اتفاق سياسي خلال الفترة التي ستؤجل فيها الانتخابات.

كما أفاد موقع جيوبولتيك الفرنسي، ووفقا لرأي مجموعة من الأكاديميين الفرنسيين، بأن قرار تأجيل الانتخابات في ليبيا بات ” أمرا حتميا “، في وقت يبدو الشعب الليبي غارقا في حالة من الشكوك والانقسامات وانسداد الأفق، خاصة مع تأخر إعلان القائمة النهائية للمرشحين. كما كشفت مصادر فرنسية أنه في حال تأجيل الانتخابات الليبية يجب التأجيل لتاريخ قريب، كي لا يضيع  زخم العملية السياسة، وهو ما يشير إلى عدم رفض فرنسا مبدأ التأجيل من الأساس.

ووفقا لتلك التقارير بالنظر لخروجها من إيطاليا وفرنسا على وجه الخصوص، وبالنظر إلى آراء المختصين في الشأن الليبي في الموقف الفرنسي والإيطالي، فإن مصير الانتخابات الليبية محسوم بالتأجيل، كما أن هناك توافق من الجانب الإيطالي والفرنسي بدرجة كبيرة على التأجيل في ظل صعوبة إتمام العملية الانتخابية في الموعد المحدد سلفا، كما أنه على الرغم من عدم إبداء الجانب الأمريكي موقفه النهائي بالموافقة على التأجيل، إلا أن المؤشرات الظاهرة من قبل واشنطن تسير في اتجاه عدم رفض التأجيل، والمتوقع أن تدعم واشنطن السيدة ويليامز وكل ما ستقرره دبلوماسيا، خاصة بعد استقالة المبعوث الأممي في ليبيا يان كوبيش المفاجأة، والتي بررها بعدم دعم القوى الغربية له، هذا فضلا عن نفي المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند تدخل واشنطن لإرجاء موعد الانتخابات، وأكد على دعم بلاده لإجراء انتخابات نزيهة في ليبيا، لكنه لم يشر في بيانه إلى موعد الانتخابات في 24 ديسمبر، ما يعزز التوقعات بإعلان وشيك لإرجائها.

ووفقا لمبدأ التوازنات السياسية، فقد يأتي الموقف الفرنسي في سياق الموقف الإيطالي، هذا بالنظر إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان لورديان بأن فرنسا على وفاق مع إيطاليا بشأن ليبيا، وهو نفسه ما أعلنه وزير الخارجية الإيطالي حول توافق الرؤية الفرنسية الإيطالية حول ليبيا، والمعاهدة التي وقعتها الدولتان مؤخرا لتعزيز التعاون، حيث أكدتا على أن هذه المعاهدة ستلعب دورا في مواجهة أزمة ليبيا.

أما عن تركيا؛ فرغم تأكيد المسئولين الأتراك على دعم إجراء الانتخابات الليبية في ٢٤ ديسمبر، مع ضرورة توضيح الأسباب المؤدية إلى تأجيل الانتخابات _ حال تأجيلها رسميا _ بشفافية إلى الرأي العام،  لكن رغم ذلك لم تبد صراحة رفضها للتأجيل بشكل حاسم ونهائي. وكما أشار خالد المشري إلى أن أنقرة لا ترغب في إجراء الانتخابات الليبية في موعدها في ظل الظروف الراهنة، خوفا من المساس بالتفاهمات الموقعة سلفا من حكومة الوفاق السابقة، ووفقا للمشري فإن الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية تريد إن كانت هناك إمكانية لإجراء الانتخابات وفقا للقوانين الموضوعة من قبل مجلس النواب، وتعتبره أمرا جيدا، في إشارة إلى عدم رفضهم للتأجيل قطعيا، بينما ترفض تركيا وإيطاليا إجراء الانتخابات في ظل قوانين معيبة، لأنه وفقا لوجهة نظر روما وأنقرة سيؤدي إلى الفوضى.

وفي الختام؛ ورغم الحديث عن جهود لإنقاذ العملية الانتخابية قبل موعدها المحدد، إلا أن الواضح أن إعلان تأجيل الانتخابات الليبية رسميا هو مسألة وقت، وستتضح قريبا خلال الساعات القادمة، في ظل غياب تام لأي استعدادات لهذا الاستحقاق الانتخابي، مما يضع مصير الانتخابات أما أمر واقع لتأجيلها إلى موعد آخر، كما ستتضح حدة وجدية ردود الفعل الداخلية والدولية بشكل أكثر وضوحا بعد الإعلان عن رسميا عن التأجيل، ووفقا لمدة التأجيل.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى