وحدة الرسالات السماوية
قال الله سبحانه: ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران: 19).
وقال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64).
وقال الله سبحانه: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 65(.
وقال الله سبحانه: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران: 67).
لذلك أرسل الله أنبياءه ورسله برسالة الإسلام ليدعوا الناس إلى دين الإسلام وكلهم مسلمون تأكيدًا لقوله سبحانه: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 132)، وقال سبحانه: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنۢ بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 133)، وقال الله سبحانه عن النبي نوح عليه السلام: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) (يونس: 72).
وقال سبحانه: (وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) (النمل: 38)، وقال الله عن عيسى عليه السلام: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءَامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) (المائدة: 111).
وقال الله سبحانه مخاطباً المؤمنين : (قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِىَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 36)، وختم الله سبحانه بمحمد عليه السلام رسالة الإسلام، التي تضمنتها آيات القرآن الكريم وجعل فيها شرعة ومنهاجاً، حيث سيظل نور الله في آيات الذكر الحكيم مشعّاً، يهدي الناس لطريق الحق المستقيم حتى قيام الساعة، والمسلم ليس من ينطق بالشهادتين، بل المسلم الحق من اتبع كتاب الله وشرعته ومنهاجه وذكر الله في كل لحظة في حياته أن سبحانه رقيب على تصرفاته وأعماله وهو سبحانه مع الإنسان في كل زمان ومكان تأكيداً لقول الله في قرآنه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق: 16).
فإذا ذكر الإنسان الله سبحانه قبل أن يهم في ارتكاب أية معصية أو ظلم لإنسان أو اعتداء على ممتلكاته أو اغتياله أو عمل من أعمال الذنوب التي حرمها الله على المسلم أو مخلفة قوانين وطنه حماه الله من الوقوع في الخطأ والخطيئة وارتكاب أية جريمة ليعيش آمنا في حياته ويسكنه يوم القيامة فسيح جناته، فمن مصلحة الإنسان أن يطبق شرعة الله ويسير على منهاجه كما أمر الله الناس جميعاً في دعوة الرسول لهم للإسلام قول الله سبحانه: (ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)) الأعراف: 3)، إيمانًا بكتابه وتطبيقاً لشريعته ومنهاجه، والتمسك بالآيات والابتعاد عن كل الروايات التي قسمت المسلمين إلى طوائف وفرق، تقاتل بعضها البعض وتسفك دماء الأبرياء، وأن يلتزم المسلم بقول الله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ) يوصي الله المسلمين بالتوحد والتمسك بحبل الله القرآن الكريم حتى لا يضلوا ولا يتفرقوا ولا يهجروا القرآن فيصيبهم الله بالشقاء والبؤس في الدنيا، وفي الآخرة عذاب عظيم في نار الجحيم، فالإسلام سيظل خالداً بكلماته وبرحمة الله وعظاته، ويحذر الله المسلمين بقوله سبحانه (وَأَطيعُوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ ) (الأنفال: 46).
يدعو الله الناس للحياة الطيبة في ظل السلام والتعاون والتعايش دون بغي أو ظلم أو طغيان أو عدوان أو فساد في الأرض ويجب على المسلم أن يتحكم في النفس الإمارة بالسوء، حتى لا تزل قدماه إلى المعصية ويتجنب غضب الله يوم الحساب من مصير يساق به إلى الجحيم.
أولا: لقد أرسل الله سبحانه النبي موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل بالتوراة كما قال الله سبحانه: ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّـهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44)،فاتفق بنو إسرائيل على إنشاء دين آخر ما أنزل الله به من سلطان وتمت تسمية دينهم باليهودية نسبة إلى يهوذا بن يعقوب، إنما كل الأنبياء مسلمون ورسالاتهم تدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، وأن يسلموا لله لا شريك له وأنزل الله في كل كتاب لكل قوم شريعتهم ومنهج حياتهم، كما قال الله سبحانه في كتابه المبين (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة: 48)، فتعارف الناس منذ آلاف السنين على أن مسمى أهل الكتاب يشتمل على اليهودية والمسيحية، فليسا دينا أنزله الله على موسى وعيسى عليهما السلام.
ثانيا: لم يرسل الله ديناً اسمه المسيحية، فاتفق أتباع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام على تسمية المسيحية ديناً نسبة للمسيح عيسى بن مريم، وليس ديناً سماوياً، بل ارسل الله عيسى عليه السلام بالإنجيل وعلمه التوراة، تأكيداً لكليهما رسالة الله للناس ليكونوا مسلمين ويعبدوا إلهاً واحداً ولا يشركوا به شيئاً وقال الله سبحانه في رسالته إلى عيسى عليه السلام ليبلغ قومه: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) (المائدة : 46-47).
مثلما اختلق المسلمون مذاهب شتى وهجروا القرآن واستحدثوا مذاهب وعبادات وشرائع تعتمد على مرجعيات بشرية وتم تسميتهم بالأئمة المعصومين وآخرين أطلق عليهم أهل السنة والجماعة، ولكل مرجعية أصبح لها أتباع يؤمنون ويصدقون رواياتهم، فأنشأت طوائف وأحزاباً كل حزب بما لديه فرحون يقاتلون بعضهم بعضاً، وكل تلك المذاهب المختلفة لا تمت بأي صلة بشريعة الله ومنهاجه في قرآنه المبين،بينما بينما رسالة الإسلام أنزلها الله في القرآن الكريم على رسوله عليه السلام مرجعية مصدرها الواحد الأحد، الله الذي خلق السماوات والأرض يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الذي يدعو الناس إلى سبيل الخيرات والعدل والرحمة ونشر السلام في الأرض وتحريم قتل الإنسان أو العدوان عليه بشتى السبل، ونجح أصحاب المذاهب ودعاويهم التي أضلت الناس وصرفتهم عن كتاب الله وسيحاسبون يوم القيامة على افتراءاتهم وتحريضهم للناس بالكراهية وقتل الأبرياء، فهم ليس لهم صلة برسالة الإسلام حين يدعو الله بالرحمة هم يحرضون الناس على القسوة، وحين يدعو الله الناس أن يحكموا بالعدل فتراهم يحضون على الظلم والبغي والطغيان والمنكر وخطاب الكراهية تحديا لشرعة الله ومنهاجه وغرروا بأتباعهم من الشباب يلقون أنفسهم في التهلكة يفجرون أجسادهم، يجرون خلف أوهام حور العين وجنات النعيم والله سبحانه وعد الصالحين بحور العين وجنات النعيم ووعد الظالمين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فويل للمفترين من عذاب عظيم يوم الحساب، وويل للذين اتبعوهم وكانوا بهم مؤمنين الذين استباحوا حقوق الآمنين والمتسلطين على ممتلكاتهم وإزهاق أرواح المسالمين، والله سبحانه بين للناس في قرآنه منهج الصالحين في قوله سبحانه: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77).
متبعاً شريعة الله التي تأمر بالعدل والرحمة والإحسان والسلام وتحريم العدوان على الإنسان والتعاون بين الناس وحرية الاعتقاد دون وصاية من الناس، فحساب الناس جميعا عند ربهم يوم القيامة للذين خدعوا المسلمين وضللوهم عن طريق الحق المستقيم واتبعوا أصحاب الروايات الذين ساقوهم إلى جهنم وبئس المصير.