القرآن شرعة ومنهاجاً

لقد أنزل الله كتابه على رسوله عليه السلام، ليهدي الناس لكل ما يحقق لهم، الخير والصلاح والسعادة والسلام في الحياة الدنيا، ويجنبهم أهوال عذاب يوم القيامة، وينذر الكافرين الذين ضلوا طريق الحق وتكبروا على آياته وإرشاده لهم إلى طريق الخير والرشاد.

 فإذا اتبع المسلمون هدي القرآن، وأدركوا مقاصد آياته، التي تدعوهم بالتمسك بشريعته ومنهاجه، لتحقيق سعادة الإنسان في الحياة الدنيا، ويكفل له الجزاء الأوفى يوم القيامة، وذلك من خلال الالتزام بشريعته عملا بها، وبمنهاجه سلوكاً في التعامل بين الناس جميعا. وقد وصف الله سبحانه أهداف القرآن بقوله ( إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا ).. إن هدف القران، هو أن يستنبط الناس من آياته عناصر هدايته لهم للطريق المستقيم، ويبين لهم السبيل لعمل الصالحات، من خلال  التشريعات الإلهية والمنهاج الرباني في قرآنه الكريم، بدراسة لآياته وإدراك لمقاصد عظاته.

وقد أمر الله رسوله عليه السلام بمخاطبته، بقوله سبحانه (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) البقرة ((151))، يبين القران للناس، أن ليس بالتلاوة وحدها يتحقق الإيمان، حين تطرب له العاطفة، وتتفاعل معه القلوب، وتنشرح به الصدور، تلاوة القرآن تتطلب التدبر في آياته، والتعرف على شريعته ومنهاجه، اللذان سيطبقهما الإنسان في حياته، في كل مكان وزمان، بعد أن يدرك بتدبره مقاصد الآيات، لتحقق منفعة الإنسان في يومه، وغده ويعرف التزاماته تجاه خالقه، بالالتزام باحترام تشريعاته، التي حددت الأخطاء، التي يستحق عليها الإنسان محاسبته، وتمنعه عن ارتكاب الجرائم والموبقات، ومخالفة التشريع الإلهي سيترتب عليه عقوبات في الدنيا والآخرة، وما سيصيب الإنسان في حياته من بؤس وضنك وشقاء، فالتعريف بالشريعة الإلهية أمر أهم من التلاوة، لتستسيغها الآذان وتطرب لها النفوس، فلم يتحقق للقارئ الابتعاد عن المحرمات وتحصينه بمعرفة التشريعات، وكذلك المستمع للتلاوة لم يستفد منها، غير التفاعل معها بالعاطفة وانشراح الصدر والإحساس بالروحانية

ثم يتطلب مع التلاوة التعريف بالمنهج الإلهي في كتاب الله، ليسير عليه الإنسان في حياته في كل ما يتعلق بعلاقاته مع الله، في تأدية العبادات وتعامله مع الناس الأقرباء، منهم الوالدين والأرحام والفقراء والمساكين، وغيرهم من بني الإنسان متبعا صفات المؤمنين، في الكتاب الحكيم من الرحمة والعدل والإحسان، ونشر السلام والتعاون على البر والتقوى وغيرها الكثير من صفات المؤمنين التي ذكرتها الآيات، ليتربى عليها الأجيال لبناء مجتمع العدل والمحبة والحياة الكريمة دون ظلم أو بغي، أو عدوان بكافة أشكاله، وليعلم الإنسان أن الله سبحانه مطلع على أعماله، كما قال الله سبحانه.. (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ) الحديد ((٥٧)).

ولذلك ليعلم الإنسان رقيب على أعماله وتصرفاته في كل مكان أو زمان كما قال الله سبحانه.. ( إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين) يسن ((١٢)).

إن مهرجانات حفظ القرآن لا يمكن أن تحقق للمجتمع المسلم، مراد الله من قرآنه في حياتهم الدنيا والمسابقات في حفظ القرآن، لن تأتي أكلها للناس دون تدبر الآيات، ومعرفة مراد الله في كتابه من شرعة ومنهاجا، ليتم تعليم الأطفال والشباب التربية الدينية، وفق المنهاج الإلهي الذي يتبع الإنسان سلوكاً ومعاملة وأخلاقًا سامية، ورحمةً وإحسانا وعدلا وسلاما لتحيا المجتمعات المسلمة حياة كريمة، آمنة مطمئنة لا ظلم فيها ولا بغي ولا طغيان، يعيش كل الناس فيها دون تمييز لدين أو مذهب أولون، فالكل سواء أمام القانون والكل يعامل الناس معاملة كريمة، بالكلمة الطيبة وبالرفق والإحسان.

 ذلك ما يجب أن تدركه المؤسسات الدينية، لبناء المجتمع المسلم وتربيته على الأخلاق القرآنية، إتباعا للرسول عليه السلام في رحمته وأخلاقه وعدله وإحسانه، ودعوته لحرية الاعتقاد للناس جميعا، دون إكراه للدخول في الإسلام، وفق ما علمه الله في قوله سبحانه تكون دعوة الناس..(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

المفكر على محمد الشرفاء

مفكر وكاتب عربي مشغول بهموم أمته.. لديه رؤية ومشروع استراتيجي لإعادة بناء النظام العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.. وينفذ مشروع عربي لنشر الفكر التنويري العقلاني وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام.. الكاتب قدم للمكتبة العربية عدداً من المؤلفات التي تدور في معظمها حول أزمة الخطاب الديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى