تقارب تدريجي: ما هي أبعاد زيارة ولى عهد أبوظبي لتركيا؟

قام ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بزيارة إلى أنقرة الأربعاء الماضي الموافق الرابع والعشرين من نوفمبر ٢٠٢١م، تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي تعتبر الزيارة الأولي لولي عهد أبوظبي منذ عدة سنوات من التوتر ووصف اللقاء بأنه كان ” مثمرا “، حيث تم توقيع ١٠ اتفاقيات ومذكرات تعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاستثمار والتجارة، في خطوة اعتبرت إيجابية في مسار تطبيع العلاقات التي شهدت تراجعا كبيرا في الخمس سنوات السابقة على خلفية سياسة التدخلات العسكرية التركية في المنطقة، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها.
وفي هذا الإطار؛ يتطرق هذا التحليل إلى توضيح كيف بدأ التقارب بين أنقرة وأبوظبي بعد سنوات من التوتر، وأهداف أبوظبي من هذا التقارب في هذا التوقيت، وأثره علي مسار التطبيع التركي مع بقية دول المنطقة التي جمعتها بها الخلافات في الماضي، وبيان أثرها أيضا على الاقتصاد التركي المتراجع.
مقدمات التقارب:
مع ظهور بعض المتغيرات الدولية والإقليمية التي بالطبع ستطال آثارها المنطقة، ويأتي على رأسها وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة ثم المصالحة الخليجية التي تمت في مطلع العام الجاري، تحتم على دول المنطقة مراجعة أجنداتها وخلافاتها، ومحاولة حلها أو تلافيها بالطرق الدبلوماسية، وإنهاء حالة القطيعة التي كانت بين دول المنطقة، وأهمها المقاطعة الخليجية لقطر، والتوتر التركي مع بعض دول الخليج لتركيا على إثر انحيازها لقطر، وكانت تلك هي البداية لتحسين العلاقات التركية مع كل من السعودية ومصر والإمارات _ وإن كان معدل تحسن العلاقات يسير ببطى حول بعض قضايا المنطقة. أما فيما يخص استعادة العلاقات مع الإمارات فقد كان مسارها على النحو التالي:
(*) تصريحات أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتية السابق في بداية العام بأنه لا يوجد ” خلافات جوهرية ” مع أنقرة، كما أن أبوظبي تسعي لتطبيع العلاقات مع أنقرة. وفي المقابل؛ ردت أنقرة سريعا بتعيين سفير جديد لها لدى الإمارات العربية المتحدة.
(*) الاتصالات الدبلوماسية المكثفة بين مسئولي الطرفين، وعلى رأسها الاتصال الذي أجري بين أردوغان والشيخ محمد بن زايد، ولكن دون إدلاء أيه تصريحات عن مضمون المكالمة، وكان قد سبقه اتصالات هاتفية بين وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو.
(*) أغسطس الماضي؛ أجرى الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي زيارة إلى تركيا، واستقبله فيها الرئيس أردوغان، أثيرت حولها العديد من التكهنات عن توقيت الزيارة والهدف منها الذي يتجاوز البعد الاقتصادي وفق ما أعلن عنه. إلى أن كللت تلك المؤشرات بزيارة ولي عهد أبوظبي في إشارة إلى انتهاء القطيعة بيننهما.
الاقتصاد مدخل للتقارب:
لقد أرجع البعض اختيار الإمارات للاقتصاد كمدخل لاستعادة العلاقات مع أنقرة وفي هذا التوقيت باعتباره الورقة الرابحة في الوقت الحالي في مواجهة أنقرة، نظرا للأزمة الاقتصادية التي سببها تهاوي الليرة التركية، ورغم الإعلان عن الزيارة في وقت سابق لأكثر من مرة، إلا أنها تأجلت حتى انخفضت قيمة الليرة التركية أكثر، لكن من ناحية أخري؛ فمن المؤكد أن الاستثمار في تركيا سيؤتي ثماره الاقتصادي بعد ذلك، فعلي سبيل المثال؛ قد تجني الإمارات أرباحا هائلة في حالة الاستثمار في الأصول التركية المنخفضة أسعارها حاليا، إلا أنه يتوقع ارتفاعها في المستقبل مرة أخرى، لأن الاقتصاد التركي معدود ضمن الاقتصادات الصاعدة، بالتالي فالوضع الحالي مؤقت وفقا للخبراء. كما أن استخدام الاقتصاد كمدخل لتطبيع العلاقات وليس السياسة هو في حد ذاته بمثابة اختبار للثقة من جانب قوتان جمعتهما خلافات عديدة، وذلك لأن الاقتصاد يتحدث بلغة الأرقام ونتائجه معروفة لا يترك مساحة للمراوغة كما هو الحال في السياسة. وهو ما سيعنى في الأخير امتلاك أبوظبي لنفوذ في الداخل التركي تنافس بها النفوذ السعودي والقطري، بما يمكنها من لعب دور في السياسة والاقتصاد التركي، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية التركية، في ظل وجود احتمالية لعدم فوز أردوغان بولاية أخرى نتيجة لتضاؤل شعبيته. كما أن الإمارات مهتمة _ وفقا لتقارير إعلامية _بالمسيرات التركية، وبالتالي قد تكون تخطط لأن تطال الاستثمارات الصناعات الدفاعية التركية، إلا أن الجانب التركي قد لا يسمح بذلك نتيجة لحساسية وخصوصية هذا القطاع الحيوي، ولكن ستكون لأبوظبي فرص الاستثمار في مجالات أخرى.
حسابات دقيقة:
بالنظر إلى توقيت زيارة ولي عهد أبوظبي إلى أنقرة بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا، والتي تحدثت عدة تقارير عن أن الهدف منها هو إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، وتقديم الدعم للنظام السوري، ومحاولة إلغاء قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية لمعاقبة النظام السوري؛ قد يتبادر إلى الذهن وجود الملف السوري على الطاولة بين البلدين، على اعتبار أن الإمارات ستحاول الضغط على تركيا بالتخلي عن سياساتها المعارضة للنظام السوري، ولكن وفي يدها أوراق رابحة قبل الزيارة تمثلت في الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا مع تحسين علاقاتها بالنظام السوري، لأنه من المؤكد أن عودة سوريا للجامعة العربية وتوالي الاعتراف بنظام الأسد سيشتت أوراق أنقرة في سوريا.
كما من الممكن أن تكون استعادة العلاقات بأنقرة، وضخ الاستثمارات في الاقتصاد التركي ما هي إلا بداية لعلاقات أوسع مع الخليج بأكمله وعلى رأسه السعودية، سواء من باب الدعم الإماراتي لأنقرة لخطب ود الخليج مرة أخرى، أو من باب مسارعة دول الخليج لتطبيع العلاقات مع أنقرة تماما من باب منافسة الإمارات فقط، سواء في أنقرة أو المحيط الإقليمي بوجه عام، وذلك بالطبع في مقابل الحد من التحركات التركية في المنطقة كليبيا وسوريا.
احتمالية تصفير الخلافات:
هنا يطرح سؤال، هو: هل بذلك ستنتهي الخلافات بين أنقرة وأبوظبي؟، في الحقيقة إنها فرضية بعيدة على المدى القريب، خاصة وأن البلدين رغم وجود تقدم واضح في العلاقات بينهما، إلا أنه لا يزال مزيد من الخلافات السياسية والأيديولوجية التي لا يمكن تلافيها بهذه السرعة، كل ما في الأمر أن الإمارات وتركيا حاولتا التماشي مع المستجدات الإقليمية والدولية التي ظهرت مؤخرا، وخاصة أن المنطقة تتأثر بالتبعية بالتغيرات التي تطرأ على البيت الأبيض، وهو ما يتماشى في نفس الوقت مع الهدف السياسي الذي تحاول أنقرة الالتزام بها مرة أخرى وهو تقليل حدة التوتر مع الجيران، إذا؛ فالسياسات التصالحية الحالية في المنطقة ما هي إلا تهدئة تكتيكية لاحتواء الموقف الذي فرضته البيئة المحيطة.
وفي النهاية يمكن القول؛ إن التقارب التركي الإماراتي قد يشكل نقلة في مسار العلاقات التركية مع الدول الخليجية، وربما ينعكس ذلك على مصر، كما أنه سيساعد على تعافي الاقتصاد التركي بدرجة ما، إلا أن تحسن العلاقات مع أنقرة لا يعنى تجاوز كافة النقاط الخلافية، على الأقل في حال استمرار أردوغان في رئاسة تركيا لفترة أخرى، فضلا عن أن هذا التقارب قد يخدم الاستراتيجية الجديدة لأبوظبي التي تتمحور حل إقامة تنوع وتوازن في علاقاتها في المنطقة، وبالتالي ستكون على استعداد لأي تطورات على الساحة السياسية.