ما حدود تمدد داعش في شرق أفريقيا؟
بإعلان تنظيم داعش منذ أسبوع مسؤوليته عن التفجيرات الانتحارية، التي استهدفت العاصمة الأوغندية كامبالا، وأسفرت عن وقوع ست ضحايا وإصابة 33 آخرين، يكون قد ارتفع معدل العمليات الإرهابية المنسوبة لداعش فرع أوغندا في شرق أفريقيا لتتعدى قتل 250 مدنياً، ونزوح ما يقرب من 40 ألف آخرين، من يناير الماضي إلى تاريخه، وفقا لتقرير المفوضية السامية لشئون اللاجئين- وهو مما يثير الأسئلة عن، حدود وقدرة تمدد داعش في شرق أفريقيا؟، طبيعة العمليات الإرهابية التي يقوم بها داعش في تلك المنطقة؟، مدى نجاح الإستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب؟.
كشوف إرهاب سوداء:
صنفت الحكومة الأمريكية في مارس الماضي، “تحالف القوى الديمقراطية” ذراع داعش الإرهابي في أوغندا والكونغو، كمنظمة إرهابية أجنبية، والجدير بالذكر “تحالف القوى الديمقراطية”، أُسس من مجموعة من ضباط الجيش السابقين، مما يعكس مدى قدرتهم كمقاتلين سابقين في الجيش على إحداث عمليات، ذات تأثير دموى واسع النطاق، فبعد أن فقد داعش الحاضنة الأصلية له في الشرق الأوسط، وجد من أفريقيا البيئة المناسبة لإعادة تموضعه، من خلال عقد التحالفات مع تنظيمات أخري، مثل بوكو حرام ليصبح الشريط الممتد من الصومال، مرورا بتنزانيا وأوغندا والكونغو وروندا، حتى بحيرة تشاد، الساحة الجديدة للتنظيم لإعادة تماسكه، وفرض تأثيره على المنطقة.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن تصنيف فروع داعش المختلفة، وإدراجها على قوائم الإرهاب العالمي، لم تؤثر في تقلص قدرات التنظيم، أو دحض قدراته على القيام بعمليات مؤثرة، خاصة بعد إتباع التنظيم سياسة لامركزية الإدارة، التي انعكس أثرها على قدرة التنظيم على استمرار نشاطه، دون التأثر بالقضاء على أهم قياداته العليا والوسطى، خلال الفترة السابقة على يد التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
قدرات خارج السيطرة:
متوقع وفقا للمؤشرات والإحصائيات التي نشرتها جهات دولية مقربة متخصصة في رصد حركة التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية- زيادة قوة داعش وتمدد حدود قدرته داخل القارة للأسباب الآتية:
(*) سيطرة تنظيم داعش على بعض المدن مثل بالما شمال موزنبيق، مما يعيد للتنظيم ذكريات السيطرة، على أهم مدن في سوريا والعراق في السابق، ويعطى التنظيم دفعة معنوية، للسيطرة على مدن أخرى في أفريقا في المستقبل.
(*) ضعف التمويل لدى التنظيمات الإرهابية الصغيرة، سبب رئيسي لانضمام هذه التنظيمات إلى داعش، والعمل تحت لوائه، مما يضمن توافر واستمرار التمويل الذي يعد الرئة، التى تستمد منها كل الجماعات الإرهابية قوتها وقدرتها على استمرار نشاطها، فإذا جفت منابع التمويل اندثرت التنظيمات الإرهابية، أو شل نشاطها بشكل كامل.
(*) احتدام الصراعات الدينية والطائفية، الوقود الذى جعل داعش يتمدد ويقوى تأثيره في شرق أفريقيا، خاصة في أوغندا التي ينشط فيها “جماعة الرب”، التي تسعى إلى إقامة دولة مسيحية، مدعية أن القدرة الإلهية تدعمها وتوحى لها، وتمدد وقدرة “تحالف القوى الديمقراطية” التابع لتنظيم داعش على إحداث عمليات دموية واسعة النطاق متزرعة بأنها تحارب الحكومة الأوغندية الصليبية، مما قد يؤدى إلى تأييد بعض من الإفراد من الشعب لأي من الجانبين، وتأجيج الصراع لصالح كسب مساحات أوسع للجماعات المتطرفة.
(*) توفر البيئة الفكرية الخصبة للتطرف في أفريقيا، حيث المجال متروك للدعاة والمنظرين، لتغذية الأفكار المتطرفة لدى الشباب، مما يدفعهم إلى الانضمام لعقيدة للجماعات الإرهابية، فيتوافر بناء عليه العنصر البشرى المستعد للقيام بأعمال انتحارية، خاصة مع فقدان الهدف لدى هؤلاء الشباب لارتفاع معدلات البطالة.
(*) بعض الهجمات الداعشية استهدفت اقتحام سجون في أفريقيا، مما أسفر عن هروب أكثر من 1000 سجين، وهو مؤشر يعكس زيادة القوة البشرية للجماعات المتطرفة على رأسها داعش، فاستهداف السجون دلالة واضحة على رغبة داعش، في إطلاق صراح عناصر تابعة للتنظيم.
(*) نجاح تنظيم داعش في التوسع في غرب أفريقيا، أعطاه دفعة وحماسة للتحقيق نفس المستوى من النجاح في شرق أفريقيا، وأعطى ثقة لدى أتباع التنظيم في قدراته، مما انعكس على زيادة معدل التجنيد في صفوف التنظيم.
(*) وجود وتعدد التنظيمات الإرهابية التابعة لداعش أو القاعدة، مثل جماعة “الشباب الصومالية” التابعة للقاعدة، و”ولاية أفريقيا الوسطى” التابعة لتنظيم داعش، أدى إلى هشاشة المنطقة أمنيا، وصعوبة تقويض العمليات الإرهابية فيها، سواء من الحكومات داخل دول شرق أفريقيا، أو من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهى حالة تشهد عليها زيادة معدلات العمليات الإرهابية، في دول شرق أفريقيا عام 2021 مقارنة بعام 2020.
(*) اكتشاف مناطق غاز حديثا في دول شرق أفريقيا، أدى إلى استهداف هذه المنطقة من قبل الجماعات الإرهابية، طمعا في ضمان شريان جديد وغنى لتمويل نشاطها الإرهابي.
استراتيجية محدودة التأثير:
على الرغم من استهداف قوات التحالف الدولية للجماعات الإرهابية في شرق أفريقيا، إلا أن هذه الجهود بدت غير مؤثرة بشكل كافي، حيث انشطرت التنظيمات الإرهابية تأثرا بتلك الضربات الدولية إلى مجموعات، متحصنة بالطبيعة الجبلية التي تعرف بها أفريقيا، وبدت التنظيمات الصغيرة التابعة لداعش، أشرس وأكثر دموية وأكثر قدرة على القيام بعمليات مؤثرة، من غيرها في مناطق أخري، حيث عرف عنهم قطع رؤوس حتى الأطفال، ويجوبون الشوارع في أوغندا والكونغو في عملية استعراض للقوة، في محاولة لفرض السيطرة وبث الرعب، في نفوس جميع الأطراف فى المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه التنظيمات.
وفي سياق آخر ارتكب “تحالف القوى الديمقراطية” جرائم إرهابية ضد السكان المدنيين، تصنف بأنها جرائم ضد الإنسانية، كالقتل ذبحا والتهجير القسري والاغتصاب والاختطاف … وغيره، مما يتطلب تحرك دولى على مستوى المحكمة الجنائية الدولية، لإصدار إدانات وأحكام ضد عناصر بعينها في هذه التنظيمات، على غرار ما صدر ضد قائد في جماعة “جيش الرب” لارتكابه جرائم مشابهة.
ترتيبا على ما سبق؛ فقد حان الوقت للتأسيس لمنظومة تشريعية، تكييف الجرائم الإرهابية، باعتبارها جرائم دولية، تخضع للاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية، حتى نتفادى العوار التشريعي القائم في هذا الشأن، وتفاديا لترك الأمر لتقديرات كل دولة، بشأن تحديد ما يعد جريمة دولية من عدمه، وفقا لتكييفها لكل جريمة حسب مصالحها، وهو ما يناقض طبيعة القاعدة التشريعية، التي توصف بأنها عامة مجردة.
أخيرا؛ لازال المجتمع الدولي يواجه معوقات جوهرية، فيما يتعلق بآليات مكافحة الإرهاب، بسبب التضارب في تعاطي الدول في توصيف الإرهاب من جهة، وعدم التحكم في الفوضى المنتشرة عبر الفضاء السيبرانى من جهة أخري، التي تسهم بشكل مباشر وفاعل في انتقال وانتشار الفكر المتطرف، الذى يصعب من السيطرة على ظاهرة الذئاب المنفردة، التي توجد في كل الدول، بما فيها الدول الأوربية، فالإرهاب تخطى إطار الجماعات المتطرفة، بشكلها التنظيمي المعروف، إلى حد أن أي شخص في أي دولة من المحتمل، أن يعتنق الفكر المتطرف، سواء انتمى تنظيميا إلى إحدى الجماعات الإرهابية، أو لم ينتمي، ويمارس العمل الإرهابي بشكل فردى، دون تلقى تعليمات من قيادة ما، لذا بات من الضروري تطوير إستراتيجية مكافحة الإرهاب، لتتناسب مع تطور صورة الإرهاب في العشرة سنوات الأخيرة، إذا كان المجتمع الدولي جاد وحسن النية في الرغبة في تقويض الإرهاب.