ملاحظات رئيسية: ما هي رسائل “حوار المنامة” للأمن الإقليمي؟

انعقدت فعاليات المنتدى السابع عشر للأمن الإقليمي “حوار المنامة” في الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر الجاري في العاصمة البحرينية برعاية وزارة الخارجية وبمشاركة حوالي 300 شخصية ممثلين عن أكثر من 40 دولة في الشئون الدبلوماسية والدفاعية فضلا عن الخبراء وقادة الرأي وممثلي مجتمع الأعمال، تناولوا خلالها أبرز التحديات الأمنية الإقليمية والدولية مع تركيز هذه النسخة على موضوع التعددية والشرق الأوسط.

وتأسيسا على ما سبق؛ نتطرق في هذا التحليل إلى أبرز ما جاء في المنتدى من مساهمات وزراء الخارجية والدفاع وتستخلص رسائل الفاعلين ورؤيتهم لتحقيق الأمن الإقليمي.

أجندة الحوار:

انطلقت النسخة الأولى للمنتدى بتنظيم مشترك بين وزارة الخارجية بمملكة البحرين والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الكائن في لندن منذ عام 2004، وقد نجح حوار المنامة في ترسيخ مكانته كحوار أمني إقليمي بارز في شئون الشرق الأوسط وفي القلب منها أمن منطقة الخليج العربي في ضوء التهديدات المتنامية للملاحة البحرية عبر مياه الخليج وانعكاساتها على الأمن الإقليمي والدولي.

افتتح أعمال حوار المنامة نائب رئيس مجلس الوزراء بمملكة البحرين الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، نيابة عن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، مشيراً لدعم المنامة لكل جهد دولي يعزز مساعي الأمن والسلام العالمي، وهو ما أكد عليه الملك حمد بن عيسى آل خليفة لدى استقباله كبار المشاركين في المنتدى بقصر الصخير يوم السبت 20 نوفمبر مبرزا التزام المنامة بالسلام والحوار والتعايش وتشديدها على أهمية ضمان الأمن البحري الإقليمي ضد أي أعمال عدائية وحماية حرية الملاحة.

وشارك في المنتدى شخصيات رفيعة المستوى أبرزهم وزراء دفاع الولايات المتحدة وإندونيسيا وماليزيا وكينيا والعراق، ووزراء خارجية مصر والعراق والأردن وليبيا واليمن واليونان ووزير دولة إماراتي ومستشارو ومسئولو الأمن القومي في بريطانيا والكويت وباكستان وإسرائيل بجانب حضور الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية ومنسقة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، ودبلوماسيين وأمنيين من عُمان وألمانيا واليابان، فضلا عن عديد المسئولين السابقين وعلى رأسهم الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل والمستشار الدبلوماسي للعاهل البحريني ووزير الخارجية السابق الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة.

محاور المنتدى:

انقسم “حوار المنامة” لسبع جلسات عامة تناولت قضايا إقليمية ودولية شددت من خلالها على الأهمية المتزايدة للتعاون الأمني الدولي خاصة بعد تفشي جائحة كورونا، وكانت أبرز المساهمات في المنتدى كالتالي:

(*) الجلسة الافتتاحية: أوضح الرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية جون تشيبمان أن أجندة الحوار تتضمن ثلاث اتجاهات رئيسية أولها مناقشة ما أسماه “إجهاد التدخل” والمتمثل في تجنب الدول لخيار التدخل العسكري في مواجهة التهديدات الأمنية على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي المقام الثاني يأتي ظهور الترتيبات الأمنية المصغرة كتوجه جديد حتمته صعوبة إدارة المؤسسات الأمنية الكبيرة وربما تراجع فاعليتها، وأخيرا يلقي الحوار ضوءا على الأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي كأولوية سياسية.

وفي كلمته الافتتاحية للمنتدى على ضوء تولي بلاده العام المقبل رئاسة مجموعة العشرين ناقش وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبرانتو الرابطة الوثيقة بين جاكرتا والعواصم العربية خاصة في ملف مكافحة الإرهاب، إذ يتأثر المتشددون في إندونيسيا بتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، وفي سياق ذات صلة أكد على أولوية حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

وعلى صعيد الترتيبات الناشئة في مواجهة الصين، أكد سوبرانتو أن إندونيسيا تتبع سياسة عدم الانحياز مع مختلف القوى العظمى وتبدي قلقها إزاء الأوضاع في بحر الصين الجنوبي في ضوء مرور ما يزيد عن 60 % من التجارة العالمية عبر مياه بلاده الإقليمية، وشدد على أن تكون منطقة جنوب شرق آسيا خالية من الأسلحة النووية.

(*) سياسة الدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط: تضمنت كلمة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تأكيد الالتزام الأمني القوي تجاه حماية مصالح بلاده في منطقة الشرق الأوسط ومنع إيران من امتلاك السلاح النووي ومواجهة مساعي تنظيم داعش لإعادة تنظيم صفوفه، نافيا أن يعني التركيز على مواجهة التحدي الصيني تراجعا في حضور واشنطن واستعدادها للحفاظ على مصالحها في المنطقة والدفاع عن حلفائها. وفي سياق التعليق على الهجمات المسيرة الأخيرة على قاعدة التنف في جنوب سوريا وعدم رد الولايات المتحدة عليها، ذكر أوستن أن بلاده سترد في الزمان والمكان المناسبين.

(*) الخليج وآسيا: عرض وزير الدفاع الماليزي داتو سري هشام الدين، ثلاث تحديات عالمية تستدعي تنسيقا وتعاونا مشتركا أبرزها جائحة كورونا، يليها خطر التطرف والإرهاب، وآخرها تنافس القوى الكبرى، كما دعى لتنسيق وتعاون استخباراتي بين رابطة آسيان ودول الخليج في ضوء التهديد المشترك المتمثل في التنظيمات الإرهابية خاصة مع الوضع الأمني الهش في أفغانستان.

من جانبه أشار مستشار الأمن الوطني البريطاني ستيفن لوفرغروف إلى اهتمام بلاده ببقاء النظام الدولي مفتوحا واستعدادها للدفاع عن هذا المبدأ بقواتها البحرية المنتشرة في البحار المفتوحة، مبديا الترحيب في الوقت ذاته بالمحادثات بين الولايات المتحدة والصين وأثرها الإيجابي المحتمل على العالم بأسره، ومؤكدا أن لندن ستحاور كلا البلدين.

(*) الدبلوماسية والردع: طرح وزير الخارجية البحريني د.عبداللطيف الزياني رؤية بلاده لمفهوم الردع وتطبيقاته، إذ لم يعد يقتصر على سلوك الدول القومية وحدها بالنظر لانتشار الفواعل من غير الدول مثل التنظيمات الإرهابية والحركات المسلحة التي لا يجدي معها ما للردع التقليدي من أدوات، ومن ثم ينبغي بحث وسائل أخرى خارجة عن نطاق القوة الصلبة كالعمل العسكري أو فرض العقوبات، وهو ما يستدعي استكمال مظلة الردع بالأبعاد الإلكترونية والاقتصادية والاجتماعية مع الأخذ في الاعتبار أهمية الضغوط من الداخل في التأثير على سلوك الخصوم بمنطق “الفرص الإيجابية الضائعة” عبر العزلة والاستبعاد من شبكات التنمية والازدهار.

وفي كلمته ممثلا للحكومة العراقية أكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية د.فؤاد حسين على نهج بلاده المتمسك بالدبلوماسية لإنهاء الصراعات وتحقيق التعاون الإقليمي، واستعراض خطوات بغداد لبناء علاقات إقليمية متوازنة مع تركيا وإيران وعودة الدفء للعلاقات مع العالم العربي خاصة مجلس التعاون الخليجي والآلية الثلاثية مع مصر والأردن وبذل جهود الوساطة بين السعودية وإيران، كما أبرز دعم بلاده لمسار عودة العلاقات العربية مع سوريا.

من جانبه شدد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد للقضية الفلسطينية، داعيا كذلك الدول العربية لمعالجة أزمة الشعب السوري وإنهاء معاناته، مبينا ضرورة تحديد مصادر التهديد والانخراط الجاد في حل الأزمات الممتدة بمنطقة الشرق الأوسط.

(*) تعددية الأطراف والأمن الإقليمي في إطار متحول: ألمح الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية د.نايف الحجرف إلى أن دول المجلس رحبت بالاتفاق النووي مع إيران 2015، إلا أنها لم تلمس خلال السنوات التي تلت أي تغير في سلوك إيران الإقليمي وهو الأهم في ظل هجمات شبه يومية من ميليشيا “أنصار الله” المدعومة من إيران على أمن المملكة العربية السعودية، مؤكدا أن دول الخليج تطالب باتفاقات أطول أمدا تتضمن بالضرورة السلوك الإقليمي لإيران.

من جانبه، دعى وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تطوير أطر العمل الدولي لتواكب التحديات وتكتسب بعدا جغرافيا يجدد الثقة بنجاعتها وعدالتها مثل التمثيل العادل للقارة الإفريقية في مجلس الأمن الدولي ومراجعة مفهوم حق النقض، ولفت شكري إلى فشل المنظومة الأممية متعددة الأطراف في حل قضايا جوهرية تمس السلم والأمن الدوليين مثل الانتشار النووي، علاوة على الإخفاق في حل الأزمات والصراعات ولعل القضية الفلسطينية خير شاهد على عجز هذه المنظومة.

كما تناول أبرز التحديات التي تواجه البشرية وعلى رأسها الإرهاب العابر للحدود متعدد الأوجه وخطره في هدم وتفتيت الدولة الوطنية وتغير المناخ الذي يؤثر على التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي، فضلا عن تحديات الهجرة غير الشرعية والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وأمن الفضاء.

(*) ديناميكيات الأمن في البحر الأحمر: حذر وزير الخارجية اليمني د.أحمد عوض بن مبارك من التمدد الإيراني في اليمن ومساعي ميليشيا “أنصار الله” للاستيلاء على محافظة مأرب لما لذلك من تداعيات على أمن شبه الجزيرة العربية وإطلاق موجة جديدة من العنف والدمار في أرجاء المنطقة في حال تمكنها من إسقاط المحافظة الاستراتيجية، والتي يستتبعها نهاية العملية السياسية في اليمن، كما نوه بن مبارك إلى خطورة التغافل عن البعد الجيوستراتيجي للتدخل الإيراني في بلاده والذي يستهدف الوصول إلى البحر الأحمر وامتلاك ميزة في معادلة الصراع والتنافس الإقليمي والدولي.

وعلى الضفة الغربية تمثل الأوضاع في إثيوبيا والسودان والهشاشة الأمنية في منطقة القرن الأفريقي عموما، تهديدا إضافيا لأمن البحر الأحمر وسلامة الملاحة عبره كما تضاعف الأزمات الإنسانية بإضافة عوامل الهجرة غير الشرعية وسلاسة انتقال الأسلحة والعناصر الإرهابية والمسلحة، وهو ما يلقي الضوء على تزاحم الفاعلين الإقليميين والدوليين ودفعهم بعسكرة البحر الأحمر في غمار التنافس الدولي على أفريقيا عموما والقرن الأفريقي على وجه الخصوص، حسبما ذكر وزير الدفاع الكيني يوجين وامالو.

(*) الميليشيات والصواريخ وانتشار الأسلحة النووية: تناول منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي بريت ماكجورك الملف النووي الإيراني مؤكدا ترك بلاده المجال للدبلوماسية دون استبعاد “خيارات أخرى” ، مشددا في الوقت ذاته على أن العمل العسكري لن يغير السلوك الإيراني، كما جدد التزام واشنطن بالعمل مع شركائها لردع إيران وتخفيف التوتر بالمنطقة.

من جانبه، أكد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاته أن إيران لم تعد للمفاوضات في فيينا إلا بعد واجهت موقفا موحدا ضد امتلاكها سلاحا نوويا، في إشارة لخطأ استبعاد الخيارات الخشنة وعلى رأسها الخيارات العسكرية في التعامل مع إيران وملفيها الصاروخي والنووي.

ملاحظات رئيسية:

عدة ملاحظات رئيسية يمكن استنباطها من خلال فعاليات المنتدى وانعكاسات ما تم تناوله، وذلك على النحو التالي:

(*) التهديد الإيراني: سلط المنتدى الضوء بشكل مكثف على التدخلات الإيرانية ودورها المزعزع للأمن والاستقرار ليس فقط على المستوى الإقليمي، وإنما يتهدد كذلك حرية الملاحة البحرية من مياه الخليج شرقا وحتى البحر الأحمر غربا، كما يعرض إمدادات النفط للأسواق العالمية للخطر، وبذلك استحث المنتدى بناء حالة إجماع على إدانة إيران تحركاتها في منطقة الشرق الأوسط.

ولم يخفِ التأكيد المتكرر لالتزام واشنطن بأمن شركائها وحلفائها في المنطقة، من الخلافات في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول سبل التعامل مع الملف النووي، أو ترجمة هذا الالتزام على أرض الواقع بمنع وصول الأسلحة للحوثيين باليمن حسبما علق رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل على كلمة وزير الدفاع الأمريكي، وكذلك مطالبة أمين عام مجلس التعاون الخليجي باتفاقات طويلة الأمد تشمل الدور الإقليمي لإيران ووكلائها.

(*) التنسيق لمحاربة الإرهاب: عزز سقوط أفغانستان بيد حركة طالبان وانتشار عمليات تنظيم ولاية خرسان شرقي البلاد، من مخاوف تصاعد موجة جديدة من التمدد الإرهابي في آسيا في ظل استمرار جهود اجتثاث بقايا تنظيم داعش في سوريا والعراق، مما يبرز أهمية ملف الإرهاب وضرورة تبادل المعلومات والجهود والخبرات بين الدول في هذا الشأن، فضلا عن المشاركة الرمزية الواسعة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

(*) الموقف من الصين: زاحمت الصين رغم غيابها، إيران في أولى محاور المنتدى في ضوء السجال حول التحدي الصيني الذي أعاد التأكيد على أولوية مواجهته، وزير الدفاع الأمريكي في معرض حديثه عن السياسة الأمنية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ومدى تأثرها بالتركيز على منطقة المحيطين، في مقابل رفض دول حليفة لواشنطن للانخراط في سياسة التحالفات الأمنية على غرار تحالف كواد (الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان) أو أوكوس (الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة)، والتي من شأنها أن تفاقم التوتر في المنطقة.

(*) رسائل المنامة: على هامش انعقاد المنتدى الأمني وجهت مملكة البحرين عدة رسائل أهمها؛ الحاجة الملحة لدعم التعاون الأمني الدولي لمجابهة التحديات مع إبداء الاهتمام بالتوجه نحو القوى الآسيوية التي تتزايد مصالحها بمنطقة الخليج، والتأكيد على أهمية مجلس التعاون في الحفاظ على أمن واستقرار منطقة الخليج، واستعداد المنامة لفتح قنوات اتصال لمعالجة أي قضايا عالقة، في إشارة للعلاقات مع قطر التي لم تحرز اختراقا يذكر منذ توقيع اتفاق العلا يناير الماضي.

وختاما؛ أوجد منتدى الأمن الإقليمي بالمنامة فرصة للتباحث بين مسئولين دبلوماسيين وأمنيين حول مواجهة التحديات المشتركة بما يتجاوز الأطر التقليدية، إلا أنه شهد تباينا في وجهات النظر حول طبيعة وتراتبية التحديات والتهديدات وكذلك سبل مواجهتها، عدا قضية الإرهاب التي لم تتأثر بمزاعم انحسار العولمة. ويتنازع التعامل مع إيران ثلاث وجهات نظر بين تصعيد خطابي إسرائيلي سعت دول الخليج للنأي بنفسها عنه بالتركيز على توفير الضمانات اللازمة لسلام واستقرار مستدام في المنطقة وتلويح أمريكي بخيارات بديلة تبدو غائبة وتثير الشكوك بجدواها.

ضياء نوح

باحث أول، حاصل علي بكالوريوس العلوم السياسية، وباحث ماجستير في ذات التخصص، له العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في مراكز الفكر والمجلات العلمية، متخصص في شئون الخليج وإيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى