المزايا الاقتصادية لرئاسة مصر لتكتل الكوميسا
تستضيف العاصمة الإدارية الجديدة اليوم الـ 23 نوفمبر الجاري القمة الـ21 لرؤساء الدول والحكومات للسوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي “الكوميسا”، والتي ستشهد تسلم مصر رئاسة التكتل بعد 20 سنة من آخر مرة تولت فيها الرئاسة فى عام 2001، حيث تضع الدولة ضمن أولوياتها خلال الرئاسة المقبلة تعزيز التبادل التجارى مع الدول الأفريقية، خاصة أن التعاون الإقليمي من خلال التكتلات التجارية، أصبح واحداً من أهم آليات تحقيق التنمية.حيث يتضمن ترأس مصر لتجمع الكوميسا خطط طموحة وواضحة بمعدلات إنجاز سريعة لزيادة أوجه التعاون خلال المرحلة المقبلة، بما يدعم تواجد الدبلوماسية المصرية فى القارة الأفريقية، كما أن مصر لديها طموح كبير بوصول قيمة الصادرات المصرية إلى 100مليار دولار فى السنة مع دول التكتل، فضلا عن استثمارات عديدة فى مجالات متنوعة . وهو ما يمثل فرصة لاستعراض الأهمية الاقتصادية لانضمام مصر إلى الكوميسا، وحجم التبادل التجاري بين مصر والتكتل، كذلك مستقبل العلاقات بين الجانبين ، والجهود المصرية المبذولة لتعزيز التكامل الإقليمي الأفريقي
أهمية انضمام مصر إلى تكتل الكوميسا:
يضم تكتل الكوميسا في عضويته 21 دولة أفريقية، أهمها مصر ( التى انضمت فى 29 يونية عام 1998)، وكينيا والسودان وليبيا وزامبيا ومالاوى، وأريتريا والكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا وسيشل وزيمبابوي وأثيوبيا وجيبوتي ومدغشقر وأوغندا ووجزر القمر وسوازيلاند وموريشيوس. ويعتبر تكتل الكوميسا أكبر التكتلات الاقتصادية فى أفريقيا من حيث عدد الدول الأعضاء والأهمية الاقتصادية للإقليم. حيث يعتبر سوق استهلاكي وإنتاجي ضخم يضم 21 دولة، ويبلغ تعداد سكانه حوالى 580 مليون نسمة- أى ما يزيد عن 50%من سكان القارة، وتشكل مساحة الإقليم الذى يغطيه هذا التكتل نحو 41 % من إجمالي مساحة القارة الأفريقية، وكل ذلك يوفر فرصة ذهبية للسلع المصرية المصدرة للنفاذ إلى الدول الأعضاء- التى طبقت مرحلة الدخول إلى منطقة التجارة الحرة – بإعفاء تام من كافة التعريفات الجمركية والرسوم الأخرى. استكمالاً لما تقدم يمكن الإشارة إلى أن تكتل الكوميسا للاقتصاد المصرى عدة مزايا أخرى تتمثل فيما يلى: – استفادة مصر من المساعدات المالية التى يقدمها بنك التنمية الأفريقى، وغيره من المؤسسات المالية الدولية الأخرى.
(*) الاستفادة من هيكل واردات الدول الأعضاء، حيث تقبل الدول على استيراد السلع التي تتمتع مصر بميزة عالية في إنتاجها، ويأتي على رأس تلك القائمة الأرز والمواد الغذائية والأدوات المنزلية والبصل المجفف والسيراميك والأدوات الصحية والأدوية.
(*) يتضح من هيكل إنتاج الدول الأعضاء أنها تعتمد على تصدير السلع الزراعية والمواد الخام وسلع رئيسية مثل النحاس والبن والشاي والماشية واللحوم والسمسم والذرة والتبغ، وهى سلع هامة تؤثر على رفاهية المستهلك المصري.
(*) تنص المادة 158 من اتفاقية الكوميسا على تشجيع التعاون في مجالات الاستثمار، كما تنص المادة 164على تحرير التجارة في الخدمات، مما يتيح الفرصة لمصر لتصدير الخبرات الفنية خاصة مع تفوق مصر في مجال التجارة في الخدمات وبالأخص أعمال المقاولات والبناء .
التبادل التجارى بين مصر والكوميسا:
تطورت حجم التجارة بين مصر ودول الكوميسا لتصل إلى 7.1 مليار دولار في عام سنة 2017 مقابل 46 مليون دولار عام 1999، فى حين تطورت الواردات المصرية من دول الكوميسا من 154مليون دولار عام 1999 إلى 608 مليون دولار عام2017. وقد سجل التبادل التجاري بين الجانبين حوالي 3 مليار دولار عام 2020، وهو ما يعادل نحو 60% من إجمالي قيمة التبادل التجاري المصري مع القارة الإفريقية خلال العام نفسه والذي سجل 5 مليارات دولار أمريكي عام 2020، كما تحظى مصر في علاقاتها التجارية مع دول الكوميسا بتحقيق فائض تجارى خلال الفترة من (2015- 2020) بلغت قيمته نحو 1.4 مليار دولار أمريكي عام 2020.
ويعد تجمع الكوميسا سوقًا واعدًا للصادرات المصرية حيث استحوذت مصر على 20% من حجم الصادرات داخل الكوميسا بإجمالي 2 مليار دولار، وأهم السلع المصرية المصدرة إلى دول الكوميسا كل من: منتجات الألمونيوم، الأدوية، المنتجات البترولية، السجاد، السيراميك، المواد الغذائية والأثاث والأسمدة والمبيدات الحشرية والأسمنت والحديد والأرز والأقمشة. وتعتبر ليبيا والسودان وكينيا أكثر دول الكوميسا التى تصدر إليها مصر.
شكل رقم (1) أهم الشركاء التجاريين لمصر من داخل الكوميسا فى مجال الصادرات
في حين بلغت واردات مصر من تجمع الكوميسا 700 مليون دولا، وتمثلت أهم تلك الواردات فى: الشاي والقهوة، الكاكاو، البقوليات، السمسم، مواد الدباغة، النباتات، والثروة الحيوانية. وتعتبر زامبيا وكينيا وليبيا أكثر دول الكوميسا التى تستورد منها مصر. وبتحليل أبرز واردات مصر السلعية من دول الكوميسا، تبين انخفاض واردات مصر من بعض السلع مثل: البن والزبدة والنحاس عن نسبة الـ 10%، وذلك مقارنة بإجمالي واردات مصر من العالم من تلك السلع خلال عام 2020، ويتصدر البن قائمة واردات مصر من إثيوبيا، بينما تأتي الزبدة في مقدمة واردات مصر من أوغندا. وعليه يتبين أن هناك مجالاً لتعزيز التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا، إذ يمكن زيادة واردات مصر من هذه السلع من دول الكوميسا مقارنة بدول العالم.
شكل رقم (2) أهم الشركاء التجاريين لمصر من داخل الكوميسا فى مجال الواردات
مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر والكوميسا:
بمجرد انعقاد قمة الكوميسا وتسلم مصر لرئاسة التجمع، سيتم تكثيف اللقاءات على مستوى الخبراء والفنيين لوضع خطة عمل زمنية لتحقيق ما تصبو إليه مصر خلال ترأسها للتجمع. كما أن رؤية مصر لرئاسة الكوميسا تستهدف تشجيع تكامل الأعمال بمفهومها الشامل للأعمال التجارية والإنتاجية والاستثمارية لتسريع وتيرة التعافي من التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الإقليم من خلال تنفيذ عدد من المقترحات خلال رئاستها للتجمع تهدف إلى تنمية التجارة البينية بين الدول الأعضاء، والحث على تطبيق التزاماتها، بالإضافة إلى تنفيذ مبادرة التكامل الصناعي الإقليمي.
ويحمل المستقبل فى طياته العديد من المزايا الاقتصادية المتوقعة، فوفقا لدراسة أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، سوف تبلغ قيمة إمكانات التصدير غير المستغلة إلى دول التكتل نحو 1.8 مليار دولار أميركي بحلول 2025، وهو ما يعادل نحو 1.8 % من القيمة المستهدفة لتعزيز الصادرات المصرية. وبحسب الدراسة، تحظى صادرات مصر إلى كل من دول ليبيا وكينيا والسودان وإثيوبيا وتونس، بأكبر قيمة لإمكانات التصدير المتوقعة لعام 2025، إذ قدرت بنحو 2.3 مليار دولار أميركي، في حين سجلت إيسواتيني (سوازيلاند سابقاً) أعلى نسبة من إمكانات التصدير غير المستغلة بنسبة 94.7% وبتحليل المنتجات المصرية ذات الإمكانات التصديرية الكبرى إلى دول الكوميسا المتوقعة عام 2025، أشارت الدراسة إلى أن “سكر القصب” يأتي في مقدمة الصادرات المصرية إلى كل من (كينيا والسودان وأوغندا)، بينما تعد صادرات مصر من “الأسمدة الفوسفاتية، المعدنية أو الكيمائية” السلعةَ ذات الإمكانات التصديرية الكبرى لكل من إثيوبيا وجيبوتي وزامبيا وزيمبابوي وبوروندي.
الجهود المصرية لتعزيز العلاقات البينية مع تكتل الكوميسا:
تعددت الجهود المصرية المبذولة لتعزيز العلاقات البينية مع القارة الأفريقية بشكل عام، وتكتل الكوميسا بشكل خاص، وهى التى يمكن اختصارها فيما يلى :-
(&) التجارة: بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ عدد من المبادرات والبرامج لتيسير نفاذ المنتجات المصرية منها تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021، وتطبيق برنامج ” جسور التجارة العربية الإفريقية “؛ وذلك لرفع وعي المنتجين المصريين بالفرص التصديرية المتاحة وتنظيم لقاءات مع القطاع الخاص في تلك الدول. كما تقوم الحكومة بجهود كبيرة، سواء فى توقيع اتفاقيات وبروتوكولات تعاون، لتخفيض تكاليف التصدير لتحقيق أعلي مستوى من التنافسية. كذلك فتح المزيد من المراكز اللوجيستية التجارية شملت: كينيا ، تنزانيا، ، وأوغندا، وجيبوتي، وكوت ديفوار، لتسهيل حركة التجارة ما بين مصر ودول أفريقيا.
كما قامت الحكومة المصرية بإرساء برنامج دعم الصادرات المصرية إلى الدول الأفريقية عن طريق مساهمة صندوق تنمية الصادرات المصري في تكلفة النقل والشحن إلى الدول الأفريقية، وذلك من أجل تقليل نفقات النقل إلى تلك الدول، ويقوم هذا البرنامج على تحمل الصندوق نسبة 50% من تكلفة الشحن البري والبحري للصادرات المصرية المتجهة إلى الدول
(&) الاستثمار: تعتبر المشروعات الزراعية من أكثر المشروعات المشتركة نجاحاً للتعاون مع الدول الإفريقية، ومن هنا جاء مشروع إنشاء المزارع المصرية المشتركة مع عدد من الدول الأفريقية الأعضاء فى الكوميسا مثل إريتريا وزامبيا وكينيا. كما تمثلت أبرز المشروعات الاستثمارية التى تنفذها وزارة الرى في إنشاء 5 سدود، وحفر 75 بئر جوفي، وميكنة 2 بئر جوفي لتوفير مياه الشرب النقية بأوغندا، وأيضاً حفر 180 بئر جوفي في كينيا، و60 بئر جوفي في تنزانيا، و10 آبار جوفية بإقليم دارفور، فضلاً عن تنفيذ 6 محطات مياه شرب جوفية لتوفير مياه نقية لمواطني مدينة جوبا بجنوب السودان، وتدريب 437 متدرب أفريقي من خلال أكثر من 35 دورة في مجال الإدارة على المستوى الحقلي وتصميم وصيانة السدود وغيرها. كذلك تقوم مصر بإنشاء مركز للتنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية في إطار التعاون الثنائي بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية لتعظيم الإدارة المتكاملة للموارد المائية. يضاف إلى ذلك، الاهتمام المصرى بالمشروعات الاستثمارية فى مجال البنية التحتية ووسائل النقل والمواصلات، ومنها مشروع الربط الكهربائى بين مصر والسودان، ومشروع الربط المائي ( الإسكندرية – فيكتوريا)، ويساهم المشروع في تحقيق نهضة إقليمية لكل دول حوض النيل.
(&) مجالات تنموية أخرى: ومن أمثلتها تفعيل نشاط الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، مع تقديم 851 منحة تدريبية للكوادر الأفريقية، العاملة في مجال الوقاية من الفساد، فضلاً عن الاستمرار فى تمكين المرأة اقتصادياً منخل الدعم برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبرامج بناء القدرات والتأهيل والتدريب الفنى لشباب القارة. ومؤخرا أعلن عن إنشاء مركز التدريب المصري الإفريقي للاتصالات بتوجيهات رئاسية مع مجموعة دول الكوميسا، من خلال تبادل الخبرات والتعاون المشترك في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ليحتضن المتدربين من الدول الأفريقية وتقديم برامج مختلفة علي أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويعد المركز الأول من نوعه فى إفريقيا للتدريب فى مجال تنظيم الاتصالات، حيث يتيح فرصا واسعة لتبادل الخبرات بين دول القارة فى مجالات مهمة مثل الأمن السيبرانى والنظم الذكية.
وتأسيساً على ما سبق، تعكس استضافة مصر للقمة الـ21 للكوميسا إيمانها الراسخ والتزامها بتعزيز العمل الجماعي والتكامل الإقليمي الإفريقي، بما يعول عليه لتحقيق الزيادة المرجوة فى معدلات النمو الاقتصادي الأفريقية، وإزالة كافة العقبات التي تعترض حرية التجارة بين الدول الأعضاء، ومجابهة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على معظم دول القارة. حيث وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى كافة الجهات المعنية ببذل أقصي الجهود لكي تخرج القمة فى أفضل صورة وتحقق نتائجها المرجوة على أرض الواقع. وذلك وسط أمال وطموحات ايجابية حول مستقبل القارة السمراء خاصة بعد انطلاق تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية، وعودة مصر منذ عام 2014 إلى دورها المهم فى التغلغل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي داخل القارة.وسوف تسهم بلا أدنى مجال للشك استراتيجية الكوميسا متوسطة المدى (2021 – 2025)، التي سيطلقها الرئيس السيسي أثناء القمة كافة الخطط الاقتصادية القادمة مع دول التكتل بما يعزز من قدراتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقا لأجندة أفريقيا 2063، كذلك الصمود لمواجهة التداعيات السلبية لجائحة «كورونا» على اقتصاداتها.