نتائج مؤجلة: لماذا تحارب “هيئة تحرير الشام” التنظيمات الجهادية في سوريا؟

منذ أكثر من عام تحاول “هيئة تحرير الشام” تقديم نفسها إلى الغرب كفصيل مدنى، في سبيل ذلك سعت الحركة منذ 2020 إلى التخلص من الجماعات المسلحة خارجها، وطرد المقاتلين الأجانب، كوسيلة لغسل سمعتها من تهم الإرهاب، ومحاولة تبرئة نفسها من تهم الانضمام أو دعم أي فصيل جهادى، سعيا إلى تحول النظرة إليها من فصيل جهادى إلى فصيل محلى معارض.

تأسيساً على ما سبق، يبقى السؤال، هو: ما هي الرؤية التي تسعى الحركة إلى الوصول إليها؟، وما هي سياسات تعامل الهيئة مع التنظيمات المسلحة الأخرى داخل سوريا؟، وهل تسعى الهيئة إلى الوصول لوضع أشبه بوضع طالبان في أفغانستان؟.

إعادة تعريف العدو من الصديق:

سعيا لتنفيذ مطالب الجانب الروسي تسعى “هيئة تحرير الشام”  إلى تطهير طريق حلب اللاذقية، المار عبر مناطق سيطرة الهيئة، تمهيدا لإنشاء الممر الأمني على طرفي طريق أم فور، وفقا لما نصت عليه اتفاقية 2020 بين تركيا وروسيا، والتي لم تكن “هيئة تحرير الشام” طرفا فيها.

تنفيذاً لما تقدم؛ فقد شنت الهيئة حملات أمنية مسلحة على جماعات إرهابية، كانت في وقت سابق متحالفة معها، مثل جماعة “جنود الشام” بقيادة مسلم الشيشانى، وجماعة “جند الله” وغيرهما من الجماعات التي تعلن الولاء لتنظيم القاعدة، والجدير بالذكر أن هيئة تحرير الشام كانت تعمل في وقتا سابق، تحت لواء القاعدة باسم “جبهة النصرة”، أما الآن  فهي تسعى إلى بسط سيطرتها المنفردة، على المناطق التي تقع تحت سيطرتها، لتؤمن دور لها في أي اتفاق دولى قادم حول حكم الشمال السوري، في سبيل ذلك تحاول تقديم القرابين للفواعل الدوليين، بالقضاء على فلول وبقايا الجماعات الجهادية، والتخلص نهائيا من المقاتلين الأجانب، سواء عن طريق مساعدة الغارات الجوية للتحالف الدولى من خلال محاصرة تلك الجماعات على الأرض، أو تقديم أسماء ومعلومات استخباراتية عن هذه العناصر للتحالف الدولى، أو القبض أو القضاء على العناصر والزعامات المؤثرة للتنظيمات الجهادية.

محاولات لشرعنة الصورة:

تحاول “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبو محمد الجولانى، تقديم نفسها إلى الغرب أنها جماعة معارضة معتدلة، سعيا لإزالة اسمها من قوائم الإرهاب الدولي، والحصول إلى الاعتراف الدولى بها كفصيل محلى معارض، في سبيل ذلك سعت إلى غسل صورتها القديمة، رصد عدة مشاهدات دالة على ذلك:

(*) التصريح والتأكيد الدائم من قبل الهيئة بأنها لا تستهدف المصالح الأوربية ولا الأمريكية، ولا تسعى ولن تسمح بتنفيذ عمليات خارج سوريا.

(*) محاولة الهيئة التخلص من الجماعات المسلحة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، لتعلن عدم انتمائها أو دعمها لأي فصيل جهادى.

(*) محاولة كسب تأييد سكان المناطق التي تسيطر عليها، من خلال تقديم المساعدات والخدمات للسكان المحليين، وتقديم صورة معتدلة عن الهيئة كفصيل محلى ينسب نفسه للثورة السورية.

(*) القبض على المتهمون بقضايا نهب وسرقة من الجماعات التكفيرية المختلفة، لمحاولة إظهار أن الهيئة لا تستخدم الوسائل غير المشروعة، للحصول على التمويل ولا تقرها.

(*) إطلاق حملة اعتقالات واسعة النطاق، شملت أعضاء وقيادات مؤثرة في تنظيمات تعمل تحت لواء القاعدة، للتأكيد على عدم انتمائهم لأي تنظيم جهادي وخاصة القاعدة، المعروف أن الهيئة انتمت له في فترات سابقة.

(*) ظهور الجولاني منذ أكثر من عام بمظهر عصري، في حوار مع الصحفى الأمريكي مارك سميث، للترويج لنفسه كقائد لفصيل معارض معتدل.

مما سبق؛ نستقى رغبة “هيئة تحرير الشام” في تقديم نفسها كفصيل محلى، يستعرض قدرته فى المشاركة في الحياة السياسية وربما تشكيل حزب، وتصاعد هذا الأمل لدى الهيئة مع وصول حركة طالبان في أفغانستان إلى الحكم، مما أعطى نشوة لبعض الجماعات المتطرفة في أماكن أخرى من المنطقة.

على خطى طالبان:

استقبلت “هيئة تحرير الشام” خبر وصول طالبان للحكم في أفغانستان، بالتهليل والمباركة والاستبشار، ليس من أجل الحصول على الدعم من طالبان، فكلاهما يسعى إلى دعم ومباركة نفس الجهة(الغرب)، ولكن تفاؤلا واستبشارا بتمنيات الرغبة لوصول “تحرير الشام” في سوريا، إلى نفس الوضع لطالبان في أفغانستان، فهل المعطيات تشير إلى اقتراب ذلك؟.

على الرغم من سعى “تحرير الشام” للوصول إلى هدف اعتراف المجتمع الدولى بها كحركة معارضة، إلا أن المؤشرات تؤكد أن هذه الخطوة لن تأتى في المستقبل القريب، وذلك للشواهد التالية:

(&) اختلاف الوضع الطالباني مع وضع الهيئة، فحركة طالبان نجحت بأن تكون طرفا في اتفاق مع الجانب الأمريكي والسلطة الأفغانية السابقة، مما مهد لتسليم السلطة إلى الحركة بعد ذلك، أما هيئة تحرير الشام لم تكن طرفا في الاتفاق الذى عقد 2020 بين تركيا وروسيا، فضلا على أن الحكومة السورية لا تتعامل مع الهيئة كعنصر شرعي في المعادلة السياسية.

(&) تنظيم القاعدة لن يترك الساحة بسهولة للهيئة، للسيطرة الكاملة على المناطق التي تريد الهيئة تقديمها للغرب، كمناطق آمنة من الإرهاب للتفاوض عليها.

(&) الغرب يريد استمرار السلطة السورية الحالية في الحكم، إذن احتمالية أن يستبدلها بأي فصيل آخر في المستقبل القريب غير  واردة كما حدث في أفغانستان مستبعدة.

(&) الهيئة مازالت تعتمد على المصادر التقليدية للتمويل كرسوم دخول وخروج المعابر، وتجارة المحروقات واستثمار هذه الموارد، وهذه المصادر غير كافية للسيطرة على مساحات أكبر من سوريا، على عكس طالبان التي تحصل على المساعدات الأوربية علنا وتستغل السلاح والمعدات التي تركتها القوات الأمريكية والجيش الأفغاني.

(&) صرح بإيدن بأنه لن ينسحب من سوريا كما فعل في أفغانستان،فضلا أن المؤشرات تؤكد أن بايدن لن يسعى إلى مزيد من انتقادات الداخل الأمريكي، مثلما حدث بعد الانسحاب من أفغانستان، فحتى إن فكر بايدن الانسحاب من سوريا، فلن يكون في المستقبل القريب، ولا وفقا للخطط والمعطيات الموجودة على الأرض الآن.

أخيرا؛ من الواضح أن الفواعل الدولية في الشأن السوري، تستخدم “هيئة تحرير الشام” للتخلص من التنظيمات المسلحة التي تهدد المصالح الغربية، وتروض الهيئة لصالحها، دون وجود نيه أو بوادر في إعطاء الهيئة أي مكاسب ملموسة حتى حينه، فالغرب بتحالفاته المختلفة يلوح بالجزرة للهيئة، دون أعطاء الضوء الأخضر لما هو أكثر من ذلك، عليه فالوضع بالنسبة ل”هيئة تحرير الشام” في حالة ثبات نسبى إلى إشعار آخر.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى