صمود واستقرار: مؤشرات الاقتصاد المصري في الجمهورية الجديدة

فى الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، ألغى الرئيس عبدالفتاح السيسي العمل بقانون الطوارئ بالبلاد، معربًا عن هذا بجملة “”معا نمضي بثبات نحو بناء الجمهورية الجديدة”، وعليه بات ما حدث من تغيرات فى مصر منذ عام 2014، محطة ينبغي الوقوف عندها لمعرفة مدى قوة وكفاءة الجمهورية الجديدة، وكيف استعدت مصر استعداداً يليق بها.
ولأن قوة اقتصاد أية دولة، هى الدليل القاطع بجانب قدرتها على حماية أمنها القومى لإثبات قدرتها على إحداث التغيرات والتصدى لأية مشكلات وتحقيق أهدافها ومستهدفاتها، ودعم وجودها فى الأسواق العالمية وقدرتها على المنافسة وتعزيز ثقلها وتأثيرها السياسى- فإن الوقوف على مدى قوة الاقتصاد المصرى وتطوره منذ عام 2014، وقدرته على التصدى لأزمة كورونا، يجعلنا نتنبأ بمدى قوة الجمهورية الجديدة.
مواجهة الأزمات:
شهد الاقتصاد المصرى تحولات كبيرة منذ عام 2014، ومنذ تبنى برنامج المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى فى نوفمبر 2016، حيث ظهرت النتائج الإيجابية فى الأداء القوى للاقتصاد، وتحقيقه معدلات نمو غير مسبوقة، وانخفاض معدلات التضخم والبطالة وارتفاع الاحتياطى من النقد الأجنبى، ولم تكن نتائج المؤشرات الاقتصادية وحدها هى الدليل على هذا الأداء ولكن قدرة الاقتصاد المصرى على مواصلة تحقيق معدلات نمو إيجابية فى ظل أزمة جائحة كورونا والحفاظ على النتائج الإيجابية التى تم تحقيقها، وإعلان المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي فى 27 أبريل 2021 للإصلاحات الهيكلية ذات الأولوية لمدة 3 سنوات National Structural Reform Programme، باستهداف تحقيق نمو اقتصادى يتراوح بين 6-7% وخفض العجز الكلي للموازنة إلى 5.5 % بحلول عام 2023/2024.
فإذا نظرنا إلى معدلات النمو الاقتصادى المتحققة خلال السنوات الأخيرة، نجد أنه فى العام 2018/2019 استطاعت مصر تحقيق أعلى معدل نمو للناتج المحلى الإجمالى بسعر السوق (بالأسعار الثابتة 2016/2017) منذ 11 عاما وهو 5.6%، وذلك مقارنة بـ 4.3% سجلها الاقتصاد في العام 2015/2016 السابق على برنامج الإصلاح الاقتصادى ومقارنة بـ 2.2% و2.9% كانت مُسجلة فى الأعوام المالية 2012/2013 و2014/2013، والذى كان ناتجا عن الاضطرابات السياسية منذ 25 يناير 2011، التى دفعت إلى زعزعة قنوات العرض والطلب فى الاقتصاد المصرى، وانخفاض معدل نمو الناتج.
وعلى الرغم من التحديات العديدة التى خلفتها أزمة جائحة كورونا وأصابت اقتصادات جميع دول العالم، ومازالت تداعياتها السلبية مؤثرة على الاقتصاد العالمى وآفاقه المستقبلية، وكان الاقتصاد المصرى، بمثابة الاقتصاد الوحيد فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صاحب أعلى معدل نمو وقدره 3.6% فى العام 2019/2020 و3.3% فى العام 2020/2021، مع توقعات من صندوق النقد الدولى بتحقيق معدل نمو 5.2% بنهاية العام المالى الحالى 2021/2022.
المصدر 1 إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى
ويعتبر الاحتياطي من النقد الأجنبى، إحدى المؤشرات التى تدل على قوة الاقتصاد المصرى، وذلك بعد ارتفاعه 16.69 مليار دولار فى يونيو 2014 إلى 40.1 مليار فى ماس 2020، قبل انخفاضه ليتراوح بين 37-39 مليار دولار فى الفترة أبريل-نوفمبر 2020 تأثرا بتداعيات جائحة كورونا واللجوء إلى استخدام جزء من الاحتياطى، ثم ارتفاعه إلى 40.8 مليار دولار فى سبتمبر 2021، وهو الأعلى منذ مارس 2020.
المصدر 2إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى
وعلى مستوى الأداء المالى، فعلى الرغم من التداعيات السلبية لجائحة كورونا على جانبى النفقات والإيرادات العامة، واصل العجز الكلى بالموازنة العامة للدولة انخفاضه ليصل إلى 7.4% فى العام المالى السابق 2020/2021 حسب المؤشرات الأولية ونتائج الحساب الختامى للموازنة، وذلك مقارنة بعجز نسبته 12.5% من الناتج فى العام 2015/2016.
المصدر 3إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات وزارة المالية
كما انخفض دين أجهزة الدولة (محلى وخارجى) كنسبة من الناتج، ليصبح 87.5% بنهاية يونيو 2020، مقارنة بـ 108% فى 2016/2017.
المصدر 4إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات وزارة المالية
وعلى مستوى التعاملات الخارجية لمصر، نجد أنه منذ عام 2016/2017 باتت مستويات العجز والفائض للميزان الكلى بميزان المدفوعات دليلاً قاطعًا على زيادة قدرة مصر التنافسية فى الأسواق الخارجية، ونشاط الصناعة المصرية، وتنشيط السياحة، وعلى الرغم من جائحة كورونا إلا إن مصر استطاعت تحقيق فائضًا بلغ 1.9 مليار دولار فى 2020/2021 مقارنة بعجز بلغ 8.6 مليار دولار فى العام السابق له.
المصدر 5إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى
إشادات دولية:
لم تتوقف النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى على نتائج المؤشرات المحلية وتحسن المستويات المعيشية للمواطنين، ولكن كانت الإشادات الدولية هى شهادات الثقة التى مُنحت لهذا الاقتصاد، ولعل أهمها تثبيت وكالات التصنيف الائتماني دون تراجع منذ بداية أزمة جائحة كورونا، والذى يعنى عدم تأثر قدرة الاقتصاد المصرى على الوفاء بالتزاماته الائتمانية بالتداعيات السلبية للجائحة، وقوته.
Fitch | Moody’s | S&P | ||||
درجة التصنيف | النظرة المستقبلية | درجة التصنيف | النظرة المستقبلية | درجة التصنيف | النظرة المستقبلية | |
ما قبل كورونا | B+
(مارس 2019) |
مستقرة | B2
(أبريل 2019) |
مستقرة | B
(مايو 2018) |
مستقرة |
فى الوقت الحالى | B+ | مستقرة | B2 | مستقرة | B | مستقرة |
وعلى جانب المؤشرات الدولية، فقد تحسن ترتيب مصر العالمى بمؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الذى يُصدر عن البنك الدولى، لعامى 2019 و2020، لتتقدم 14 مركزًا عن تقرير عام 2018، حتى أصبحت تحتل الترتيب 114 من بين 190 دولة للعام 2020 بدلا من 128 بتقرير العام 2018، والتقدم بـ 6 مراكز جديدة عن تقرير العام 2019.
وكذلك فى مؤشر التنافسية العالمى الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى، والذى تطور خلال الفترة (2009-2019) بشكل ملحوظ، فبعد التراجع الكبير الذى شهده هذا الترتيب منذ عام 2011 ليصل إلى قمة تراجعه عام 2014 باحتلال مصر الترتيب 119 عالمياً مقارنة بالترتيب 70 للعام 2009، أخذ هذا الترتيب فى التحسن المستمر منذ عام 2015 وتقدمت مصر من المركز 116 عالميا للعام 2015 إلى المركز 93 عالميا للعام 2019، لتتقدم بذلك 26 مركز مقارنة بعام 2014.
التحول نحو الاقتصاد الأخضر:
فى ظل التوجهات العالمية إلى بناء اقتصادات ومجتمعات مستدامة، بدأت مصر فى السير نحو هذا الاتجاه بوضع رؤية 2030، والتى ترسم إجراءات الحكومة على مدى 15 عامًا مقبلة منذ عام 2016، وتعمل كاستراتيجية إنمائية طويلة الأجل تغطي الأبعاد الإنمائية الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، واتجاهًا لبناء مدن مستدامة شهد قطاع الإسكان في مصر تحولات جذرية منذ عام 2014 من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعى ومدن الجيل الرابع وعددهم 20 مدينة ووضع خطة التطوير العمرانى بجميع محافظات مصر وجعل خطة مصر خالية من المناطق الآمنة على رأس أولويات الحكومة، والقضاء على الفقر بتبنى برامج الحماية الاجتماعية (تكافل وكرامة) ومبادرة حياة كريمة والتى تستهدف رفع كفاءة وتطوير 4741 قرية وتوابعها 30888عزبة وكفرا ونجعا، في إطار التغيير الجذري لحال وواقع قرى الريف وتوابعها من عزب وكفور ونجوع من كافة جوانب البنية الأساسية والخدمات، والنواحي المعيشية والاجتماعية والصحية.
وكذلك زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وغير الملوثة للبيئة، فبفضل اكتشافات الغاز الطبيعى المتعددة تحولت مصر إلى مركز إقليمى للطاقة، وأصبحت ضمن أكبر 20 دولة على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، إلى جانب تنفيذ العديد من مشاريع الطاقة المتجددة وعلى رأسهم مشروع توليد الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان بمحافظة أسوان والذى فاز بالجائزة السنوية كأفضل مشروعات البنك الدولى للعام 2019 تميزاً على مستوى العالم وبناء العديد من محطات الطاقة الشمسية (أبو غراقد- سيوه- الكريمات-أبو منقار..) والرياح (رأس غارب- جبل الزيت)، إلى جانب طرح مصر لأول سندات خضراء سيادية حكومية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى عام 2020 والتى يكون الهدف منها الحصول على أموال مخصصة لتمويل مشروعات متصلة بالمناخ والبيئة.
كما أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التغيرات المناخية والتى التى جاء إعدادها بتوجيه من رئيس الوزاراء “مصطفى مدبولى” فى 8 ديسمبر 2020، وتتمثل أهدافها فى تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتحسين مكانة مصر في الترتيب الدولي الخاص بإجراءات تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية لدعم الأنشطة المناخية، وتعزيز شراكة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة الخضراء، وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة ورفع الوعي لمكافحة تغير المناخ.
وختامًا، أظهرت نتائج المؤشرات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة التحسن السريع فى الاقتصاد المصرى وصلابته، وأعطت مؤشرًا عن مدى قوة الجمهورية الجديدة، والتى ستكون جمهورية قادرة على وضع مستهدفاتها وتحقيقها والتغلب على كافة التحديات والصمود أوقات الأزمات، ولديها من الحضور فى المجتمع الدولى ما يمكنها من المنافسة وتعزيز تواجدها بالأسواق.