لماذا يتنافس رجال الأعمال المصريين على تأسيس الأندية الرياضية؟
تمثل السوق المصرية مجالا واعداً للاستثمار الرياضي، فى ظل الاهتمام المتزايد بالأنشطة الرياضية وخاصة كرة القدم، وزيادة الطلب الجماهيري على النشاط الكروى على وجه التحديد ، كما أن الاستثمار في المجال الرياضي يحقق أهدافاً اقتصادية كبيرة فى وقت تغيرت فيه ملامح صناعة الرياضة خاصة بعد تعديل قانون الاستثمار الرياضى لعام 2017. ومن هذا المنطلق، كشف محمد فرج عامر، رئيس نادي سموحة السابق، عن تأسيسه لنادي جديد برفقة مجموعة من المستثمرين من خارج مصر، بعد خسارته انتخابات رئاسة نادي سموحة، والذي فاز به وليد عرفات ليكون الرئيس الجديد للنادي حتى عام 2025.
وقد جاءت تلك الخطوة اتساقا مع محاولات سابقة للتوجه نحو إنشاء الشركات الرياضية المساهمة والنوادى الرياضية الخاصة، وكان أخرها إعلان استحواذ شركة ( فيوتشر للاستثمار والتسويق الرياضي) على نادي كوكاكولا الصاعد حديثًا للدوري الممتاز في قسمه الأول، ليصبح اسمه ( فيوتشر إف سي) بدلا من كوكاكولا. وانطلاقا من ذلك نستعرض طبيعة النوادى الرياضية الخاصة التى سمح بها قانون الرياضة الجديد، كذلك المزايا الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة من تلك الأندية، والدوافع وراء ذلك التوجه.
طبيعة النوادى الرياضية الخاصة:
يشير مفهوم القطاع الخاص فى الصناعة الرياضية إلى تلك الخدمات الرياضية التي تمول من رأس المال الخاص، ويشمل ذلك النوادي الرياضية المتخصصة، ونوادي الصحة واللياقة البدنية، كذلك الفرق الرياضية المحلية التي تم إنشاؤها ورعايتها من قبل الشركات المحلية والوطنية على حد سواء. كما تتنوع مجالات الاستثمار الرياضي ما بين الإنشاءات والتسويق والإعلام الرياضي والسياحة الرياضية.
وقد حددت وزارة الشباب والرياضة لائحة قواعد منح تراخيص شركات الخدمات الرياضية التي تضم 14 مادة، وأهم الشروط لإنشاء شركات خدمات رياضية، وأهم الشروط اللازمة لدخول مجال الاستثمار الرياضى. وتشمل اللائحة أي شركة ترغب فى العمل بمجال الخدمات الرياضية، سواء أندية خاصة أو إدارة ملاعب وحمامات سباحة، أو الأندية الصحية ومراكز اللياقة البدنية، أو الأكاديميات الرياضية. ويأتي ذلك تفعيلا لأحد أهم أهداف قانون الرياضة الجديد الصادر برقم 71 لسنة 2017، وهو تشجيع الاستثمار في المجال الرياضي بمصر، وممارسة الرياضة من خلال شركات متخصصة في هذا المجال. حيث جاء القانون الجديد ليسمح بالمزج بين وجود دور إشرافي للدولة ممثلة فى وزارة الشباب والرياضة وبين ضمان استقلالية الحركة الرياضية، وتنهض هذه المدرسة على فكرة التمكين المتبادل بين مؤسسات الدولة والنشاط الرياضى. وتتمثل أهم معالم السياسة العامة للدولة فى مجال الرياضة، والتى أرساها قانون الرياضة الجديد، وعززتها التوجهات العامة للدولة في: تعدد الفاعلين فى مجال الرياضة مع التركيز على إعطاء الأولوية لتفعيل دور الهيئات الرياضية، وتنويع مصادر التمويل المخصص للاستثمار فى النشاط الرياضى، والحرص على تدعيم البنية الأساسية فى مجال الرياضة، وأخيرًا العمل على تحقيق التوازن بين اعتبارات السيادة والالتزام بالمواثيق الدولية الحاكمة لعمل الرياضة.
الدور الاقتصادي للأندية الرياضية الخاصة:
تعدد المزايا الاقتصادية المتوقعة من إنشاء وتأسيس الأندية الرياضية الخاصة، وان كان أبرزها ما يلى:-
(*) المساهمة فى تعزيز الاقتصاد الوطنى: تساهم الرياضة بشكل مباشر في الاقتصاد ومعدلات نموه، كذلك التوظيف والعمالة، حيث تولد الرياضة العديد من الأنشطة التى تسهم فى الناتج المحلى، فعلى سبيل المثال تصل المبيعات السنوية للنوادى الأوروبية الخاصة نحو 400 مليار يورو أو 3.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، وتوظف 5.4٪ من القوة العاملة بأكملها. كما أنها تعتبر واحدة من الصناعات الأسرع نموًا، وتسهم بنحو 3% من التجارة العالمية.
(*) العوائد الضريبية: تحصل الحكومات على عائدات ضريبية مباشرة من القطاع الخاص العامل فى المجال الرياضى، هذا بالإضافة إلى المنافع المالية غير المباشرة، مثل انخفاض تكاليف الرعاية الصحية التى تقدمها الدولة إلى اللاعبين، كذلك العديد من الالتزامات المالية التى سقطت عن الدولة وتحملها القطاع الخاص العامل فى هذا المجال.
(*) الآثار الاقتصادية غير المباشرة: وذلك من خلال الروابط الأمامية والخلفية للصناعة الرياضية، حيث أنها تشجع القطاع الصناعى من خلال توفير متطلبات النوادى الرياضية من ملابس وأدوات رياضية وصناعة الدعاية والإعلان، وهو ما يسهم فى الزيادة المباشرة في الإنتاج لتلك الصناعات كما تلعب الأندية الرياضية دورا أساسيا في تسويق أنشطتها عن طريق مجموعة من الخدمات كالاشتراكات في المؤسسات الخاصة للرياضة والترفيه الرياضي، وحقوق البث الإذاعي والتلفزيوني والصحافة بصفة عامة ، وكل هذا يسهم في الأداء الاقتصادي للدولة.
(*) الرياضة كمؤشر للتنمية على المستوى الدولى: افترضت الأمم المتحدة وجود علاقة بين الرياضة بشكل عام والتنمية، وتوصلت العديد من الدراسات إلى أن الاستثمار الرياضى يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على التنمية، فهو يساعد على تحقيق أحد أهم أهداف التنمية المستدامة وهى محاربة الفقر وزيادة التشغيل، والنهوض المجتمعات وتحسين جودة الحياة.
(*) تحسين كفاءة الأندية الرياضية: كون الشركة المستثمرة للنادي حريصة على أن تطور البنية التحتية والمستوى الرياضي للاعبين والفرق الرياضية حتى تكسب الأرباح فتقوم بعدة إجراءات استثمارية لتحقيق هذا الهدف ومنها :اختيار العناصر الكفاءة المتخصصة كأعضاء في مجلس الإدارة، واختيار الطاقم التدريبي الذي يضمن لهم تطور مستوى الأداء الفني للاعبين. وكل ذلك يساعد على دعم صناعة الرياضة فى مصر.
(*) تنشيط قطاع الإعلام، حيث تحتاج الأندية الى وسائل إعلام نشطة للترويج لها والأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية الخاصة يها، فيتم إنشاء صحف محلية وقنوات فضائية رياضية ومواقع الكترونية نشطة تلعب دورا كبيرا في الترويج لجلب الرعاة الرسميين للنادي وجلب الجمهور والمتفرجين والمشاركين في أنشطة الأندية المختلفة، وبذلك يزداد التنافس بين الأندية وبين القنوات الفضائية الرياضية لتقديم الأفضل فتتحسن الخدمة الإعلامية الرياضية وترتقي إلى مستويات أفضل .كما تتحسن أرباح صناعة الإعلام فى مصر.
انعكاسات اجتماعية:
تعد الأندية الرياضية من أهم المؤسسات التي تهتم بالشباب وتؤثر في المجتمع، وتهدف إلى المساهمة في إعداد المواطن الصالح مجتمعياً؛ بالتالي فان التوجه نحو زيادة عدد الأندية الرياضية قد يسهم بدور عـمــيـق وفـعـال في التواصل وخدمة المجتمع بما يميزها عن غــــيـــرهــا المؤسسات الأخرى، وذلك من خلال إقامة المباريات والأنشطة الرياضية وبتنظيم الفعاليات المختلفة، التي يكون فيها التواصل وخدمة المجتمع سواء كانت رياضية أم فنية أم ثقافية أم توعوية تثقيفية كجزء من أولوياتها واهتماماتها الموجهة لخدمة المجتمع. وعلى الرغم من المخاوف الكبيرة بشأن ضعف الدور الاجتماعي للرياضة فى ظل دخول القطاع الخاص إلى عالمها- إلا أنه من المتوقع أن يعمل القطاع الخاص فى إطار إنشاء الأندية الرياضية على العمل من أجل توفير البيئة الجاذبة في النادي لأفراد المجتمع وخاصة الشباب من خلال توفير مرافق وخدمات متواكبة مع العصر.مما يجعلها أندية تعج بالحركة والنشاط وتتنوع فيها الأنشطة المختلفة من أجل تحقيق الأرباح – الهدف الأهم لرجال الأعمال – وبما يصب فى خدمة الأهداف الاجتماعية للنشاط الرياضى التى تضمن استمرارية هذه الأندية.
دوافع محسوبة:
بالإضافة إلى المزايا الاقتصادية المتوقعة من إنشاء الأندية الرياضية الخاصة، والتى تعتبر الدوافع الرئيسية نحو التوجه الى تأسيس تلك الأندية ، إلا أن هناك دوافع أخرى تأخذ الطابع السياسى، وذلك انطلاقا من كون الرياضة أحد عناصر القوة الناعمة المصرية التى تستخدمها الدولة في إبراز صورتها وهويتها على الساحة الدولية، حيث تنجح الأحداث الرياضية الضخمة في جذب انتباه مليارات الأشخاص، فضلا عن أنها تعد منصة مثالية لتسليط الضوء على الدولة المضيفة. وساعد على ذلك عدد من العوامل المحفزة كان منها عدد كبير من اللاعبين المصريين فى المنافسات العالمية، أضف إلى ذلك حرص الدولة على استضافة البطولات والمنافسات الرياضية الدولية والعربية والأفريقية، وتوفير جميع عناصر الدعم السياسى والمادى والمعنوى من أجل نجاحها.
ومن هذا المنطلق، تصاعدت اتجاهات دخول عالم الرياضة من قبل رجال الأعمال فى محاولة إلى استغلال نجاح الدولة المصرية فى المجال الرياضى فى جنى مكاسب اقتصادية ومكانة مرموقة فى المجتمع الرياضى، لعله يكون سببا بعد ذلك فى الحصول على مناصب سياسية هامة متعلقة بالمجال ذاته. خاصة أن الواقع الفعلى يشير إلى أن عددا من الرياضيين العالميين أصبحوا رموزا سياسية وتبوؤا مناصب قيادية. فعلى المستوى العالمى، تم انتخاب لاعب الكرة ” دوايت إيزنهاور “، رئيسا للولايات المتحدة فى الفترة من 1953 إلى 1961، وكذلك الرئيس الأمريكي السابق جيرالد فورد، ورونالد ريجان الذى كان لاعبا محترفا وتولى الرئاسة فى الثمانينيات. وفى ليبيريا، أصبح ” جورج ويا ” رئيسا للبلاد فى أكتوبر 2017، بعد أن حصل على ألقاب أفضل لاعب فى العالم وإفريقيا وأوروبا.
وعلى المستوى الوطنى المصرى، تولى ” أحمد شوبير”، حارس مرمى الأهلي، ومنتخب مصر الأسبق، والنجم الإعلامي وعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة سبق له العمل تحت قبة مجلس الشعب مستغلًا نجاحه وشهرته وشعبيته الكبيرة في مصر، الأمر نفسه كررته ” رانيا علواني”، التي تقلدت كرسي البرلمان عام 2015، بينما تولى ” حسن صقر ” لاعب كرة اليد بالزمالك الأسبق رئاسة المجلس القومي للرياضة. كذلك تقلد ” طاهر أبوزيد “، لاعب الأهلي الأسبق، وأحد أشهر لاعبي كرة القدم في مصر، منصب وزير الرياضة في 2014.
وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن القطاع الرياضي فى مصر قد شهد تغيرات جذرية، حيث لم يعد مجرد نشاط ترفيهي فقط، وإنما أصبح قطاعا حيويا له أهميته الاقتصادية سواء من حيث حجم القطاع، والمالكين له، وقيمة التداولات المالية المرتبطة به، أو منتجاته المقدمة للمستهلكين، وهو ما دفع العديد من رجال الأعمال إلى التعامل مع الرياضة كونها صناعة لها وزنها الاقتصادي وقيمتها المضافة. كما تعتبر صناعة الرياضة جزء مهم من رؤية مصر للتنمية المستدامة2030، حيث تؤكد الخطة الطموحة أن الرياضة تمثل الركيزة الأساسية لحياة جيدة ؛ لذلك تتعهد الحكومة بتقديم تجربة ثرية وتحقيق تطلعات جديدة فى مجال الاستثمار الرياضى من خلال تعديل قانون الرياضة لعام 2017، بما يسمح بتشجيع القطاع الرياضي الخاص بصوره المتنوعة، الأمر الذى يصب فى النهاية لصالح تحقيق العديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية.