عثمان كافالا: تداعيات أزمة “أردوغان” مع سفراء الغرب بتركيا

أدت مطالبة سفراء غربيين بالإفراج عن عثمان كافالا المسجون بالسجون التركية- إلى إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أن سفراء 10 دول من ضمنها ألمانيا غير مرغوب فيهم، وهو ما يعتبر في عرف الدبلوماسية بمثابة إعلان للحرب على هذه الدول، وهو الأمر الذي أثار موجة من ردود الفعل على إثر هذا الإعلان، انتهت ببيان آخر مثل تراجعا عن البيان الأول من قبل الدول المعنية، حسب ما أعلنته الحكومة التركية.
وبناءا على ذلك؛ يناقش هذا التحليل الموقف التركي تجاه هذا البيان والسفراء الموقعين عليه، وما أثاره من ردود فعل من قبل الدول التابعة لها هذه السفارات، والأسباب التي دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعلان السفراء بأنهم أشخاص غير مرغوب بهم، وأثره على ارتباطات تركيا المقبلة.
من هو عثمان كافالا:
ناشط سياسي، ولد في باريس لأسرة مسلمة من أصول يونانية، انتقلت إلى تركيا بموجب اتفاقية لتبادل السكان في ١٩٢٣ بين الدولة العثمانية واليونان، والده محمد كافالا مؤسس مجموعة شركات كافالا، كان قد حصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة، ثم عاد إلى تركيا بعد وفاة والده لاستلام أعماله، ونشط في مجال تأسيس دور النشر، كما ساهم في تأسيس بعض المنظمات غير الحكومية وغير الربحية في مجالات عدة كالثقافة والبيئة والاقتصاد والحريات، والتي حظيت بدورها بدعم كبير من الغرب، وأبرزها مؤسسة الأناضول للثقافة، وأيضا مؤسسة المتجمع المنفتح الخيرية التي يمولها الملياردير الأمريكي من أصل يهودي المعروف جورج سورس، الذي ساهم في إسقاط الشيوعية في أوروبا الشرقية، وذلك من ضمن التهم الموجهة إليه، فقد وصف وزير الخارجية التركي كافالا بأنه ” رجل سورس “.
ويقبع كافالا حاليا منذ ٢٠١٧ في سجن سيليفري بتهم تتعلق بعلاقته بأحداث حديقة غيزي بارك في ٢٠١٣ ومحاولة انقلاب ٢٠١٦ في تركيا، وفي أكتوبر ٢٠١٩ تمت تبرئته من تهمة المشاركة في أحداث غيزي بارك، وبقي معتقلا على ذمة قضية الانقلاب، وفي فبراير ٢٠٢٠ تم إطلاق سراحه، لكنه اعتقل مرة أخري على ذمة قضايا أخرى متعلقة بأمن الدولة، مثل التجسس السياسي والعسكري والتآمر وغيرها، كما وجهت له تهم بالتعاون مع المسئول السابق في الخارجية الأمريكية هنري باركي للحصول على معلومات سرية، إلى أن طفت القضية على السطح مرة أخرى في فبراير ٢٠٢١ مع إعلان الحكومة الأمريكية رفضها للتهم الموجهة له، ودعت للإفراج عنه، إلى أن تطور الأمر بإعلان السفراء الأخير بشأنه، وذلك حسب رواية الحكومة التركية.
البيان والموقف التركي:
ففي ١١ أكتوبر الجاري نشر سفراء عشر دول، هم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا والدنمارك وهولندا والنرويج والسويد وفنلندا ونيوزيلاندا بيانا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن القضية المستمرة بحق الناشط عثمان كافالا بتهمة الضلوع في محاولة الانقلاب في ٢٠١٦ في تركيا، معتبرين أن ذلك يلقي بظلاله على الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا، ودعوا إلى الإفراج عنه، الأمر الذي اعتبرته تركيا تدخلا في شأنها الداخلي، كما أنه يتنافى مع معاهدة فيينا التي تقضي بعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة، وهو ما أدى إلى استدعاء السفراء من قبل وزارة الخارجية التركية، حيث اعتبر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن ما جاء في البيان ” لا يمكن القبول به ” باعتباره يعطي توجيها للبلاد وسلطتها القضائية، وخلال كلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إنه ” في اليوم الذي لا يعرفون أو يفهمون فيه تركيا؛ سيغادرونها “، كما يرى أن البيان ” لم يستهدف شخصا أو موضوعا بحد ذاته، بل استهدف بشكل مباشر النظام القضائي وسيادة بلادنا “، وأنه طلب من وزارة الخارجية إعلان السفراء كونهم أشخاصا غير مرغوب بهم.
وفي ٢٥ من الشهر ذاته؛ أعلنت السفارة الأمريكية في بيان لها على مواقع التواصل الاجتماعي أنها تؤكد احترام الولايات المتحدة للمادة ٤١ من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وهو ما اعتبرته أنقرة تراجعا واضحا عن البيان الأول، وقامت بقية الدول بالتوقيع على البيان وإعادة نشره عبر الحسابات الرسمية لها والشخصية للسفراء، وهو ما رحب به الرئيس التركي، واعتبره وزير الخارجية التركي بادرة لإغلاق المسألة.
رسائل أردوغانية:
يري البعض أن رد الفعل التركي – وإن كان حادا بعض الشيء – إلا أنه كان متوقعا من دولة كتركيا تعتبر نفسها دولة عظمي في الإقليم، وذات دور فعال ومؤثر على الصعيد العالمي والإقليمي، بالإضافة إلى نفوذها الواسع في بعض المواقع المهمة، وقوتها العسكرية، فضلا عن خلافاتها مع الغرب، وبالأخص الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن رئيسها الذي يعد نفسه ممن يحاولون إعادة أمجاد الدولة العثمانية، لذا من هذا المنطلق؛ لم يكن الموقف التركي مستبعدا أو مفاجئا بدرجة كبيرة، كما أنه من المؤكد أن أردوغان يحاول إيصال رسائل معينة بقراره للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذي تجمعه علاقات فاترة بعض الشيء معهم في الآونة الأخيرة، خاصة قبل جولته الأوروبية الحالية، أو كتمهيد وتقوية لموقفه قبل قمة المناخ المرتقبة أواخر الشهر الجاري، والتي سيلتقي بها بالزعماء الغرب، وعلى رأسهم جو بايدن. وعلى الجانب الآخر؛ يري آخرون أن محاولات أردوغان ما هي إلا محاولات بائسة لاستعراض القوة، وفي نفس الوقت صرف النظر عن الاقتصاد وغيره من الأزمات الداخلية.
ردود الفعل الدولية:
امتنع الاتحاد الأوروبي عن التعليق لحين إخطار الدول بشكل رسمي، واعتبر البرلمان الأوروبي الإعلان مؤشرا على التوجه الاستبدادي لأنقرة، في حين أكد السفير الفرنسي على سبيل المثال على ضرورة توجه بلاده وتركيا نحو مستقبل مشرق، وذلك بعد أيام من التراجع عن البيان، أما الولايات المتحدة قالت أنها ستنتظر توضيحا من تركيا بشأن القرار المعلن، وقامت بتعيين سفير جديد لدى أنقرة وهو جيف فليك، وقد أعربت ألمانيا عن قلقها وشعورها بالحيرة إزاء الإعلان، كما اعتبرته فنلندا قرارا مؤسفا ورد فعل متشدد، بينما أكدت النرويج والدنمارك أنهما على اتصال وثيق بحلفائها بشأن القصة، في حين رفضت نيوزيلاندا التعليق، وقالت أنها ” تقدر علاقاتها بتركيا “.
وكان المجلس الأوروبي قد حذر الأسبوع الماضي من أنه قد يبدأ إجراءات ضد أنقرة في حالة لم يتم الإفراج عن كافالا بحلول نهاية الشهر، لكن التوقعات لا تشير إلى احتمالية الإفراج عنه بالنظر إلى خطورة التهم الموجهة إليه، والتي من بينها التجسس ومحاولات التآمر على الدولة.
وفي الأخير يمكن القول؛ إن التوقعات تشير إلى أن المسألة لم تنتهي عند هذا الحد، وإنه من الممكن أن تتضح آثارها في الفترة القليلة المقبلة، خاصة بعد انتهاء أعمال قمة المناخ، ليس لأنها المرة الأولي التي تنتقد فيها الولايات المتحدة وأوروبا الحكومة التركية، وإنما بسبب كيفية تعاطي أنقرة مع الموقف، وهو ما يثير بدوره تساؤلات حول مصير مؤتمر الإنتربول القادم في أواخر نوفمبر المقبل بتركيا، خاصة وأن أنقرة متهمة بإساءة استخدام الإنتربول ضد معارضيها، بالتالي يمكن أن يراها البعض بيئة غير مواتية لعقد الاجتماع، في ظل تخوف بعض منظمات المجتمع المدني من استغلال أردوغان للمؤتمر في بلاده لإضفاء الشرعية على عملياته الخارجية ضد معارضيه، ويكون مشجعا للدول المستبدة لممارسة مزيد من القمع، وهو ما سيؤثر في النهاية على سمعة ومصداقية الإنتربول.