أى مخاطر لـ “داعش خرسان” على المصالح الأمريكية؟
تصريحات تعكس مخاوف جهات مطلعة داخل الإدارة الأمريكية، من إمكانية شن داعش خرسان لهجمات ضد أمريكا الفترة القادمة، تشير هذه المعلومات إلى أن تنظيم داعش فرع أفغانستان، قد يصبح قادرا على مهاجمة الولايات المتحدة خلال ستة أشهر، حيث أكد وكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، أن “المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن تنظيم داعش ولاية خرسان، يسير في خطى حثيثة لشن هجمات خارج البلاد”، مما يثير التساؤلات عن مدى قدرة داعش خرسان على شن هجمات لاستهداف أمريكا؟، وما هي حدود قدرة داعش القتالية أو العسكرية والاستخباراتية والتمويلية؟.
قراءة بانورامية:
منذ اللحظات الأولى من وصول طالبان للحكم في أفغانستان، عبر داعش خرسان عن غضبه من هذا الوصول، واصفا إياه بأنه ليس نصر لطالبان، ومصرحاً بأن “ما حدث هو أن طالبان استلمت السلطة من الولايات المتحدة”، بالتالي أصبحت الأولى عميلة للأخيرة، والجدير بالذكر بأن داعش خرسان قد عبرت في وقت سابق، عن غضبه عبر مجلة دابق التابعة للتنظيم، تجاه الاتفاقية التي عقدتها طالبان مع أمريكا في 2020، حيث وعدت طالبان أمريكا بعدم السماح بتكرار حوادث تشبه 11 سبتمبر، في المقابل سلمت أمريكا حكم أفغانستان لطالبان دون مجهود عسكري يذكر.
عليه؛ فإن داعش خرسان تعتبر حركة طالبان أفسدت وتراجعت عن مبادئها الدينية، واستشهد التنظيم، بالآية الكريمة، قال تعالى” ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا” (البقرة: 217)، مؤكداً بذلك أن أمريكا تمكنت من إبعاد حركة طالبان عن دينها، بموجب هذا أصبحت طالبان عدو لدود لداعش خرسان، تسعى إلى هدم ما وصلت إليه الحركة من تمكين، وتحارب(داعش) الطرف الذي تحالفت معه (أمريكا)، معدل بذلك من إيديولوجيته المعروفة عن داعش، بأولوية محاربة العدو القريب، المتمثل في أنظمة الحكم المحلية، فضلا عن الطوائف غير السنية كالشيعة والصوفية وغيرها، لتمتد إلى قتال العدو البعيد متمثل في الغرب وأمريكا، متأثرين بذلك بفكر تنظيم القاعدة، حيث يتكون داعش خرسان من منشقين عن القاعدة، وعناصر سابقين في حركة طالبان، غاضبين من سياسات الحركة، فضلا عن عناصر كانت تابعة لأكثر من عشر جماعات إرهابية آخري، لذلك اتسمت أدبيات داعش خرسان بطبيعة خاصة خلافاً عن تنظيم داعش الأم، متأثرة بالدور الذى قام به بعض عناصرها (داعش خرسان)، في مواجهة الاحتلال الأمريكي والسوفيتى من قبله في أفغانستان.
مؤشرات دالة:
يترقب المحللون والسياسيون الوضع الأفغاني عن كثب، حيث تشير المعلومات الاستخباراتية والتحليلات الإستراتيجية إلى احتمالية استهداف داعش خرسان إلى أمريكا في الوقت القريب، حيث بدأ التنظيم بالفعل استهداف القوات الأمريكية بعد وصول طالبان بأيام قليلة للحكم، والغريب أن مع معرفة أمريكا لمعلومات استخباراتية تؤكد ذلك، إلا أنها لم تستطع منع التفجيرات التي حدثت في محيط مطار كابل مستهدفة قواتها، عليه وجب علينا عرض قراءة تحليلية لقدرات داعش، لمحاولة استشراف ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في المستقبل القريب. وتتمثل عوامل قوة داعش خرسان التي جعلت وبعض خبراء واشنطن يضعونه في الاعتبار، فيما يلي:
(*) القوة العددية للتنظيم، والذي يتكون وفقا للإحصائيات من 2000 إلى 3000 مقاتل، لديهم خبرات قتالية، خاصة أنهم عناصر سابقين في القاعدة وطالبان، على رأسهم زعيمهم القائد السابق في حركة طالبان حافظ سعيد خان، لذلك تعتبر هذه المحددات وفقاً للتقديرات المختلفة عوامل تجعل التنظيم قادر على شن هجمات مؤثرة رغم الخسائر التي لحقت بالقيادة المركزية له في العراق والشام، حيث تشير الأرقام إلى ارتفاع معدلات العمليات التي قام بها التنظيم في الفترة الأخيرة، حيث وصلت إلى 77 هجوما في الـ 4 أشهر الأخيرة في عام 2021، بالمقارنة بنفس الفترة من العام السابق الذي سجل 21 هجوما خلال نفس المدة.
(*) الخلافات الأيديولوجية بين داعش وطالبان حول طريقة الوصول إلى الهدف، أدت إلى جذب بعض مقاتلى طالبان الساخطين على سياسات الحركة، وانضمامهم إلى داعش الذى يرونها النموذج الأصلح للإسلام، مما يتوقع معه أن يزيد عدد المنشقين عن طالبان الفترة القادمة، وبالتالي زيادة عدد عناصر داعش.
(*) الوضع السياسي الجغرافي لأفغانستان، يشير إلى أن هناك قوى داخلية وخارجية من مصلحتها، ومن المتوقع أن تدعم داعش خرسان، مثل الاستخبارات الباكستانية التي تريد أن تدعم طرف لقمع طالبان باكستان، التي تستهدف الحكومة الباكستانية في الوقت الراهن ومستقبلاً، فضلا عن وجود تحليلات تؤكد دعم قادة سابقون في الجيش الأفغاني، لداعش خرسان لمحاربة طالبان بها.
(*) الانقسام الواضح داخل حركة طالبان، فشبكة حقانى ترى أن الحركة تساهلت في مبادئها، وفصيل قندهار بقيادة الملا برادر الذى يسعى إلى الاعتراف الدولي، لذا من المحتمل أن يسفر الانقسام عن دعم أحد شقيه (شبكة حقانى) لتنظيم داعش لتأجيج الصراع.
(*) عدم تأثر معدل عمليات تنظيم داعش خرسان بقتل عدد من أبرز قياداته، فعلى الرغم من استخدام أمريكا لأضخم القنابل للقضاء على التنظيم، التي يطلق عليها أم القنابل، فإن التنظيم استطاع أن يظهر مجددا ويستهدف مطار كابل، ويصل إلى مسافة على بعد أمتار قليلة من القوات الأمريكية ويصيب الهدف.
(*) وجود عناصر داخل داعش خرسان أعضاء سابقين في حركة طالبان، يشير إلى أن ربما هنالك نقاط أمنية مخترقة ورخوة داخل أفغانستان، يسيطر عليها خلايا نائمة تابعة لداعش فكريا ولطالبان تنظيميا، تسمح باستخدام هذه النقاط للمرور للوصول إلى أهداف، تنطلق منها داعش لشن هجمات، سواء داخل أفغانستان أو خارجها.
(*) عدم قدرة حركة طالبان ملء الفراغ الأمني الذى تركته القوات الأمريكية والجيش الأفغاني، سيمكن داعش خرسان من إعداد وتدريب مقاتليها دون معوقات، خاصة مع استيعاب داعش للعناصر المناهضة لطالبان، سواء من قبائل اللأوزبيك أو من المنشقين عن الحركة، ممن بايعوا البغدادى قبل مقتله أو المنشقين حديثا، مما سمح لداعش ترسيخ موطئ قدم محصن على أطراف أفغانستان.
(*) احتمالات أن تتحالف القاعدة أو بعض عناصرها مع داعش، حيث يتقاسما المشترك الفكرى في ضرورة استهداف أمريكا، وحيث أن القاعدة على علاقة جيدة في الوقت الحالي وأوقات سابقة مع طالبان، إذن احتمالات تسريب معلومات استخباراتية لداعش عن طريق القاعدة قائمة، مما يضعف إمكانية قدرة طالبان على مواجهة داعش وتقويض هجماتها.
(*) إفراج طالبان عن سجناء ينتمون إلى بعض الجماعات المتطرفة، على رأسها داعش فور وصولها إلى السلطة، مما أعطى دفعة لتنظيم داعش خرسان، إلى الحد الذى جعل البعض يصرح بوجود تنسيق أو تواطأ ما بين داعش وطالبان، للقيام بتفجيرات مطار كابل.
(*) توافر مصادر التمويل التي يجد بها داعش خرسان الداعم الضامن لاستئناف هجماته، حيث يمتلك التنظيم إمبراطورية اقتصادية تشمل شركات صرافة، تستثمر ملايين الدولارات، التي جلبها التنظيم من عائدات النفط والضرائب والإتاوات وتجارة المخدرات والآثار والفدية، حيث أكد مكتب متابعة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، بأن هناك بعض الأفراد على وجه التحديد في العراق وسوريا وتركيا وبلجيكا، يلعبون الدور الرئيسي في تدفق التحويلات لدعم عمليات تنظيم داعش، بالإضافة إلى الدور الذى تلعبه تركيا، من خلال توظيف تبرعات الجمعيات الخيرية والتعليمية في الدول الأوربية، لدعم وتمويل تنظيم داعش.
أخيرا، تأسيسا على المعطيات السابق ذكرها، يمثل داعش خرسان في الوقت الحالي أكبر خطر على الولايات المتحدة، مع عدم قدرة حركة طالبان على تقويض نشاطه، وعدم تمكن أمريكا من مجابهته عن بعد وفقا للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الإرهاب، لذا متوقع أن تزداد قدرة داعش خرسان على أحداث هجمات إرهابية سواء داخل أفغانستان أو انطلاقا منها.