“رع” يشارك فى المؤتمر العلمى الدولى للاقتصاد الأخضر بورقة تطبيقية على مصر

في الفترة من 25 إلى 26 أكتوبر الجاري شارك مركز رع للدرسات الاستراتيجية في جلسات المؤتمر العلمى الدولى الأولى الذي حمل عنوان “الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة”، برئاسة سعادة السفيرة الدكتورة تمارة القولاغاصي، وتحت رعاية الاتحاد الأمريكي الدولي للتعليم، وعدد كبير من الرعاة على منهم رع للدراسات الاستراتيجية بمصر، كذلك وزارة البيئة العراقية، والمجموعة القابضة للاستثمار الرأسمالى، والمجلس الأمريكى الأعلى للاستثمار، وشبكة تنمية المرأة الدولية، ومجلس الأمن والقوى الدولية للتنمية والسلام.

وبمشاركة أكثر من 20 دولة منها مصر، الأردن، تونس، المغرب، الجزائر، الكويت، الإمارات العربية المتحدة،  فلسطين، باكستان، الهند، تشاد، الفلبين، فلسطين، لبنان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، غانا، نيجيريا، تركيا، المكسيك، كوريا الجنوبية، ألمانيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية)، ونخبة من السياسيين والأكاديميين والأساتذة الجامعيين والباحثين، ومختلف فئات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية-  انتهى المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات الهامة التي كان أهمها تشجيع الاستثمار في اقتصاديات البيئة والسندات والأسهم الخضراء.

وقد حملت مشاركة مركز رع للدراسات الاستراتيجية التي مثلتها الأستاذة الدكتورة جيهان عبد السلام مساعد أول مدير المركز ورئيس وحدة الدراسات المصرية- عنوان “التحول الاقتصادي الأخضر فى مصر وعلاقته بتحقيق الأهداف الإنمائية”. وقد جاء هذا الموضوع اتساقا وتزامنا مع إعطاء الحكومة المصرية الأولوية للتمويل المستدام وسعيها لاتساق الاستثمار العام مع مبادئ الاقتصاد الأخضر، فوفقاً لرؤية 2030، تتبنى الحكومة المصرية فى موازنتها الجديدة لعام 2020\2021، استراتيجية وطنية للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وقد بدأت في التوجه نحو الاهتمام بهذا النوع من الاقتصاد كأحد السبل الهامة والرئيسية في خطط التنمية الشاملة التي تجرى على أرض الوطن، وذلك من خلال تنفيذ العديد من المشروعات التي تتناسب مع الأولويات الاقتصادية والبيئية . ومن هذا المنطلق ناقش موضوع المشاركة النقاط التالية :-

أولاً- خطط الاستثمار المصرية دعما للتحول الأخضر:

 تعتبر موازنة العام الجديد 2020 \2021  أول موازنة خضراء تنفذها الدولة المصرية بالتوافق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 ، وهى التي أرست قواعد الموازنة الخضراء، تماشياً مع قرارات مجلس الوزراء المصري فيما يتعلق بالقواعد البيئية ، حيث قررت الحكومة أن تكون 50% من معايير الخطة للدولة تتوافق مع المعايير البيئية، لدمج البعد البيئي في مشروعات الوزارات الأخرى، حتى تصل 50% من مشروعات الوزارات المختلفة لمشروعات خضراء خلال الفترة المقبلة. وهذا يعتبر خطوة كبيرة نحو تحول مصر إلى الاقتصاد الأخضر، حيث شملت الموازنة نحو 691 مشروع بتكلفة كلية حوالى 447.3 مليار جنيه، تم كما تم توجيه 14% من إجمالي الاستثمارات العامة إلى هذه المشروعات وذلك وفقاً لما أعلنته وزارة التنمية الاقتصادية والتخطيط. كما جاري العمل على تحقيق 30% من المشروعات الخضراء مع استهداف رفع تلك النسبة لتصبـح 50% في الأعوام الثلاث القادمة(2024/2025.

والمستهدف وفقاً لما أكدته مشاركة المركز في المؤتمر، هو زيادة الاستثمارات العامة الموجهة للمشروعات الخضراء، من 15% في خطة العام الحالي (20/2021)، إلى 30% في خطة العام المالي (21/2022). كما قدمت الحكومة المصرية حوافز للوزارات للتحرك نحو المشروعات الخضراء من خلال إعطاء الأولوية للتمويل.

وعلى صعيد متصل، أكدت مشاركة المركز في المؤتمر أن مصر تعتبر من أوائل الدول فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تتخذ خطوات واضحة نحو تعزيز التمويل الأخضر، عن طريق سندات سيادية خضراء بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020، لأجل 5 سنوات.

ويقصد بالتمويل الأخضر وفقا للتعريف التي أكدته المتحدثة دكتورة جيهان في مشاركتها بالمؤتمر، هو:” استخدام المنتجات والخدمات المالية مثل القروض والتأمين والأسهم والسندات وغيرها من أجل تمويل المشروعات الخضراء أو الصديقة للبيئة، وتشمل تلك الاستثمارات كل من: الطاقة المتجددة، معالجة النفايات وإعادة تدويرها، تدوير مياه الصرف الصحى، حماية التنوع البيولوجي، التخفيف من التلوث. وتهدف تلك السندات بصفة أساسية إلى تمويل المشروعات الصديقة للبيئة وتشجيع التوجه الاستثمارى إليها.

ثانياً – أهم مشروعات الحكومة المصرية فى مجال الاقتصاد الأخضر :

أكدت ورقة المركز التي عرضت تفاصيلها المتحدثة أن قيمة المشروعات الخضراء المؤهلة فى مصر بلغت نحو 1.9 مليار دولار حتى سبتمبر 2020، منها 16% في مجال الطاقة المتجددة، و19% في مجال النقل النظيف، و26% في مجال المياه والصرف الصحي، و39% في مجال الحد من التلوث .كما قامت الحكومة بتنفيذ العديد من المشروعات الخضراء للحفاظ على البيئة، والتى تعتمد على الطاقة النظيفة والطاقة المتجددة، وفيما يلى أهم تلك المشروعات:

(*) لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة مع زيادة عدد السكان، تقوم مصر بتنفيذ إستراتيجيتها للطاقة المستدامة، والتي تتضمن زيادة استخدام الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة. وقد حددت الحكومة أهدافًاً لمصادر الطاقة المتجددة لتشكل 42٪ من الكهرباء في البلاد بحلول عام 2035.وفى هذا الإطار، تم تنفيذ مشروع مجمع بنبان للطاقة الشمسية بإجمالي استثمارات أكثر من 2 مليار دولار، وبإجمالي قدرة إنتاجية 1465 ميجا وات، ويضم 32 محطة بقدرة 1465 ميجاوات تعادل 90% من إنتاج السد العالي.

(*) يجرى تنفيذ مشروع توليد الكهرباء بتكنولوجيا الضخ والتخزين “عتاقة”، بإجمالي تكلفة 2.7 مليار دولار، وبإجمالي قدرة إنتاجية 2400 ميجا وات، بالإضافة إلى توقيع عقد بقيمة 4.3 مليار جنيه لتنفيذ مشروع محطة توليد الكهرباء من طاقة الرياح بخليج السويس، وبإجمالي قدرة إنتاجية 250 ميجا وات.

(*) فى مجال النقل، جاري تنفيذ مشروع القطار الكهربائي بإجمالي تكلفة 1.2 مليار دولار، و7 مليار جنيه، سيستفيد منه نحو 500 ألف راكب يومياً، بالإضافة إلى أنه يجرى تنفيذ مشروع خطي مونوريل العاصمة الإدارية الممتد إجمالى طوله لـ 56 كم ويشمل 22 محطة، والمخطط انتهاء تنفيذه بالكامل مع نهاية عام 2023.

(*) زيادة عدد السيارات المحولة للعمل بالغاز الطبيعي بنسبة 44.9%، لتصل إلى 325 ألف سيارة في أغسطس 2020، مقارنة بـ 224.3 ألف سيارة في أغسطس 2016 وذلك ضمن مبادرة “البرنامج القومي لتحويل وإحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي”. حيث أن التحول للغاز الطبيعي في السيارات، يسهم في خفض الانبعاثات الملوثة للهواء، والتوسع في استخدام الطاقة النظيفة غير المكلفة.

(*) وفيما يتعلق بمجال المياه والصرف الصحي، جاري تنفيذ محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، بإجمالي تكلفة استثمارية للمشروع تبلغ مليار دولار، وبطاقة إنتاجية مستهدفة تبلغ  5.6 مليون م3 يومياً، وكذلك جاري تنفيذ توسعات بمحطة معالجة مياه الصرف الصحي بمنطقة الجبل الأصفر بإجمالي تكلفة للمشروع تصل إلى  7.8 مليار جنيه، وبطاقة مليون م3 يومياً توسعات للمحطة، لتصل إلى 3.5 مليون م3 يومياً بنهاية 2023، في حين تم تنفيذ محطة تحلية مياه البحر بالعلمين بإجمالي 150 مليون دولار، وبطاقة إنتاجية تصل  إلى 150 ألف م3 يومياً.

(*) وفيما يخص مجال الحد من التلوث، هناك مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة بتكلفة إجمالية بلغت 6.7 مليون دولار، كما بلغت تكلفة تنفيذ مشروعات لتقليل تأثر القطاعات المختلفة بالتغيرات المناخية وحماية طبقة الأوزون 42.1 مليون دولار، في حين بلغ إجمالي تمويل البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة 77.9 مليون يورو.

(*) فى مجال العمران، تم إنشاء مجتمعات حضرية مستدامة منخفضة الكربون وفى مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدن أخرى بلغ عددها 14 مدينة جديدة وذكية.

(*) مشروع بقيمة 200 مليون دولار مع البنك الدولي لدعم مبادرات مصر للحد من الهواء والتلوث من القطاعات الحيوية وزيادة المرونة في مواجهة تلوث الهواء في القاهرة الكبرى. وهو جزء من مشروع القاهرة الكبرى لإدارة تلوث الهواء وتغير المناخ ومدته ست سنوات، والذي يدعم جهود مصر للحد من تلوث الهواء وانبعاثات الملوثات بما يتماشى مع استراتيجية التنمية المستدامة في البلاد.

ثالثا- المزايا الاقتصادية والبيئية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر :

أكدت ورقة مركز رع التي أعدتها وألقتها دكتور جيهان عبد السلام أمام المتحدثين من أغلب دول العالم كما سبق القول، أن التمويل الأخضر، يجسد جزء من الهدف السابع والثامن من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المعنى بكل من ( طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد)، وهو جوهر الاستدامة لأنه يسعى إلى تعزيز النمو المستدام والشامل، والعمالة الكاملة والمنتجة، والعمل اللائق للجميع. ويشدد على وجه الخصوص على تعزيز قدرة المؤسسات المالية المحلية على التشجيع والتوسع، والوصول إلى الخدمات المصرفية والتأمين والخدمات المالية للجميع دون الإضرار بالبيئة، وهى تلك الأهداف الإنمائية التى تسعى مصر نحو تحقيقها تماشياً مع المتطلبات التنموية العالمية، كما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030، وقد ذكرت المتحدثة أنه من أهم المزايا الاقتصادية التى يحققها التحول الى الاقتصاد الأخضر في مصر ما يلى:

(&) حماية مصر من عقبات مشكلة التغير المناخى التى تتعدد خسائرها الاقتصادية والصحية. حيث يوفر الاقتصاد الأخضر التمويل اللازم للاستثمار في مجال الزراعــة. وهى تلك الاستثمارات التـي ينـتج عنهـا تحسـين نوعيـة وجـودة التربـة وزيـادة العائـدات مـن المحاصـيل الرئيسية،وتجنب العديد من المشكلات المتعلقة بنقص إنتاجية المحاصيل وارتفاع أسعارها، حيث تسبب تغير المناخ فى تراجع إنتاجية أهم المحاصيل مثل ( القمح والأرز والذرة )، ويترتب على ذلك تراجع حجم المعروض وارتفاع أسعارهم.

(&) تخفيض كميــات الطاقــة المستخدمة فــي عمليــات الإنتاج الملوث للبيئة، ما يؤدي إلى تقليل النفايــات وانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 13٪، ؛ وبالتالي الحفاظ على الصحة العامة فى مصر.

(&) الحد من فجوة العرض والطلب على المياه، فمن المتوقع أن يصل إجمالي السكان في مصر لأكثر من 175 مليون نسمة بحلول عام 2050 وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على الموارد المائية.خاصة فى ظل أن نصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 560 متراً مكعباً سنوياً بعد أن كان يصل إلى ما يتجاوز 2000 متر معكب فى ستينيات القرن الماضي. ومن المتوقع أن تنخفض مصر أكثر إلى ما دون خط الفقر المائي للأمم المتحدة الذى يقدر بنحو (1000 متر مكعب سنويا )، بسبب النمو السكاني المتزايد. وبحلول عام 2022، من المتوقع انخفاض حصة الفرد إلى 409 أمتار مكعبة ، وأن يزداد إجمالي استهلاك المياه بأكثر من 20٪ في السنوات القليلة المقبلة مع التزايد السكانى فى مصر، كما يتوقع أن يتضاءل هذا النصيب إلى 330 متر مكعب عام 2050 ؛ مما يجعل مصر تصل إلى نقطة ندرة المياه وما دون خط الفقر المائى خاصة إذا تم اكتمال بناء سد النهضة.

(&) يسهم التمويل الأخضر فـي التقليل مـن معدلات الفقـر عن طريق استغلال الأمثل للمـوارد الطبيعية والأنظمة الأيكولوجية ، والذى بدوره يضمن تـوفير العديد من المشروعات البيئية النظيفة التى تخلق العديد الوظــائف الجديــدة ولاسيما فــي قطاعــات الزراعــة، والنباتات، والطاقة، و النقل.

(&) دفع معدلات النمو الاقتصادي، والمساهمة الفعالة فى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث أكدت الدراسات على أن عملية التحول إلى اقتصاد أخضر يمكن أن يساعد مصر على تحقيق وفورات سنوية تقدر بما يزيد عن 2.4 مليار دولار سنوياً.

وتأسيساً على ما سبق، جاءت توصيات المؤتمر مؤكدة على أنه مع استمرار جائحة كوفيد -19 في إضعاف معظم اقتصاد العالم، يعتبر التوجه نحو تبنى معايير الاقتصاد الأخضر فهو المفتاح لمستقبل أكثر مرونة واستدامة خاصة التوجه نحو مشروعات الطاقة النظيفة، فضلا عن ضرورة الحد من الفجوة الرقمية بين الدول النامية والمتقدمة فى دعم التكنولوجيا الحديثة الداعمة للنمو الأخضر مثل صناعة السيارات التى تعمل بالغاز الطبيعى، وهو ما أكدته كلمة مشاركة مركز (رع) وذلك بالتطبيق على الحالة المصرية، حيث تعمل مصر على تبنى معايير الاقتصاد الأخضر باعتباره أساس الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، واستمرارا فى تنفيذ إستراتيجية التعافي الأخضر التى تستهدف تنفيذ مشروعات متوافقة مع متطلبات البيئة وحمايتها بما يخدم فى النهاية مصالح الاقتصادي المصري ومواطنيه.

 

 

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى