انعكاسات تجدد الأزمة بين “لندن” و”باريس” على حقوق الصيد
من جديد تجددت المواجهة بين بريطانيا وفرنسا بسبب ملف حقوق الصيد واستمرار العمل في المياه التابعة للسيادة البريطانية بعد خروها من الاتحاد الأوروبي، حيث اندلع خلاف بين البلدين بشأن وصول الصيادين الفرنسيين إلى المياه البريطانية بعد أربعة أشهر على إبرام اتفاق ما بعد بريكست بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وجاء الخلاف بسبب التغيرات التي أحدثها الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي حول حقوق الصيد للأساطيل الأوروبية، وبالأخص الفرنسية، وترى باريس إن الإجراءات والشروط الجديدة التي وضعتها الحكومة البريطانية ستقيد حقوق الصيد الخاصة بها حول جزيرة جيرسي، وهو ما اعتبرته باريس انتهاكا لاتفاق بريكست.
وبناءا على ذلك؛ يتطرق هذا التحليل إلى أسباب الأزمة في الوقت الحالي، والإجراءات الجديدة التي تبنتها اللمملكة المتحدة تجاهةالصيادين الفرنسيين من أجل السماح لهم بالعمل في مياهها، والموقف الفرنسي من ذلك، والأدوات التي من الممكن لباريس اللجوء إليها للضغط على لندن.
اتفاق ما بعد البريكست:
ينص الاتفاق على فترة انتقالية حتى صيف ٢٠٢٦ وعندها يتخلي الصيادون الفرنسيون عن عملهم في المياه البريطانية، أي ما يعادل ٦٥٠ مليون يورو سنويا، ثم ينص الاتفاق على إعادة التفاوض حول هذه المسألة سنويا، والحصول على تراخيص جديدة، وهو ما يتطلب من السفن الفرنسية أن تثبت للسطات البريطانية التي اشترطت على تلك السفن أن تكون قد عملت في هذه المنطقة من قبل خلال الفترة المرجعية الممتدة بين ٢٠١٢ وحتى ٢٠١٦ وهو الأمر الذي يبدو صعبا بالنسبة للقوارب التي يقل طولها عن ١٢ مترا، وتحديد الموقع الجغرافي ليس إلزاميا بالنسبة لها، على خلاف المراكب الكبرى المجهزة بنظام مراقبة السفن..
أزمة جديدة:
قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت مراكب الصيد الفرنسية والأوروبية تمارس عملها بالصيد في المياه الإنجليزية، باعتبار أنها جزء من المياه الأوروبية، لكن بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقبل الخروج فعليا، تم توقيع اتفاق في نهاية العام الماضي يقضي بأن القواعد البحرية المعمول بها في ملف الصيد ستظل كما هي، بمعنى استمرار الصيادين الأوروبيين في العمل في المياه الإقليمية البريطانية، بشرط الحصول على ترخيص للصيد، كما أنه على بريطانيا منح الرخصة كاملة لأي صياد أثبت أنه كان يعمل في المياه البريطانية في السابق قبل خروجها من الاتحاد، لكن بريطانيا بدأت تخل بالاتفاق – على حد وصف فرنسا – وتعمل على التضييق على الصيادين الفرنسيين، ورفضت منح تراخيص لمعظم الطلبات الفرنسية، وفي ٢٩ من سبتمبر الماضي؛ أعلنت جزيرة جيرسي البريطانية منح تراخيص لعدد ٦٤ صيادا من أصل ١٦٩ طلبا ممن قدموا ما يثبت عملهم في السابق في المياه البريطانية، وهو ما يخالف الاتفاق، مما وتر العلاقات أكثر مع باريس، خاصة بعد أزمة الغواصات.
الموقف الفرنسي:
حذرت الحكومة الفرنسية في الثالث عشر من الشهر الجاري من أنها قد تضطر للجوء إلى إجراءات انتقامية ضد بريطانيا إذا استمرت الأخيرة في انتهاكاتها للتفاهمات حول الصيد البحري ضمن اتفاق بريكست، ووصف المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال موقف الحكومة البريطانية من اتفاقية الصيد البحري بأنه “غير مقبول “،وأكد أن الحكومة الفرنسية وجمعيات الصيد قدموا كافة المستندات والإثباتات التي طلبتها الحكومة البريطانية للحصول على تراخيص للصيد، ووصف الجانب الفرنسي بأنهم ” كانوا صبورين للغاية ” تجاه هذا الوضع المقلق.
وأدلي رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس بعدة تصريحات مفادها أن بريطانيا لا تحترم التزاماتها بشأن بريكست، ولا يمكن التسامح معها، وإن بلاده ستدرس إعادة النظر في العلاقات الثنائية مع بريطانيا، واعتبر أن التعاون الثنائي بين البلدين في خطر، كما اعلن عن طلبه من المفوضية الأوروبية اتخاذ إجراءات ” أكثر حزما ” تجاه بريطانيا حول حقوق الصيد بين باريس ولندن، وقال ” إذا لم يكن ذلك كافيا؛ سنضعط لدفع البريطانيين لاحترام تعهداتهم وسنعيد النظر في كافة الشروط المدرجة في الاتفاقيات التي أبرمت برعاية الاتحاد الأوروبي، وكذلك التعاون الثنائي بيننا”.
آثار سلبية محتملة للتوترات:
من المتحمل أن تتأثر بعض الملفات المشتركة بالتوتر الجاري بين لندن وباريس، ويأتي على رأسها التعاون الدفاعي والعسكري الذي يمر باضطرابات أيضا، حيث لم تتمكن الدولتان من الاتفاق على كيفية مواصلة برنامج الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ كروز الذي كان البلدان قد قررا تطويره معا، خاصة وأن الخلاف حول ملف الصيد جاء في خضم مشهد سياسي شديد التوتر بين باريس ولندن، خاصة بعد قيام الأخيرة بتوقيع شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وأستراليا ” أوكوس “،وضعت باريس خارج اللعبة، باعتبار أن هذه الاتفاقية دفعت كانبيرا إلى فسخ تعاقدها مع فرنسا الذي بمقتضاه كانت باريس ستزودها بالغواصات.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي إنه ” من المؤكد أن البرنامج في مأزق في ضوء علاقاتنا حاليا بالمملكة المتحدة، إننا بصدد دراسة ما يمكن وما لا يمكن القيام به مع البريطانيين “،خاصة بعد إلغاء لقاء بين بارلي ونظيرها البريطاني بن والاس كان مقرر عقده في نهاية سبتمبر الماضي بطلب من باريس،على خلفية أزمة الغواصات، رغم محاولة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون طمأنة الجانب الفرنسي، وأكد أنه على فرنسا ” ألا تقلق، وإن حبنا لفرنسا لا يمكن استئصاله، كما ان البلدين تجمعهما علاقات ودية للغاية، وذات اهمية كبيرة “.
كما من الممكن أن يتأثر التعاون في مجالات أخري بينهما كالطاقة، حيث صرح وزير الشئون الأوروبية الفرنسي كليمنت بون إن فرنسا تشعر بالسخط تجاه قرار بريطانيا برفض تصاريح الصيد لعشرات السفن الفرنسية، كما لوح بامكانية توظيف سلاح الطاقة ضد المملكة المتحدة، باعتبارها تعتمد على إمدادات الطاقة الفرنسية على حد وصفه. كما طلبت الحكومة الفرنسية من الصيادين الفرنسيين منحها أسبوعين لإعداد عقوبات قد تؤثر على إمدادات الطاقة والسكك الحديدية والتجارة ووصول الطلاب البريطانيين إلى فرنسا.
وأخيرا يمكن القول؛ إن قرار لندن ساهم في إشعال الموقف من جديد مع باريس، خاصة وأن مسألة قوارب الصيد تعتبر حساسة جدا بالنسبة لفرنسا، والتي قد تهم في جعل الوصول إلى أسواق الخدمات المالية أكثر صعوبة، لأن فرنسا سبق وأن هددت بحظر اللوائح التي تسمح للشركات المالية البريطانية بممارسة الأعمال التجارية في الاتحاد الأوروبي، إذا لم تحترم التزاماتها بشأن اتفاق بريكست الخاص بالصيد، وبالتالي فنحن أمام مرحلة ساخنة وحساسة في العلاقات الفرنسية البريطانية، ستوضح الفترة القادمة أهم ملامحها الجديدة.