كيف سيتعامل “الناتو” مع القوة الصينية الصاعدة؟

كشف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز عن توسع كبير في أهداف حلف الناتو ليشمل بكين، إذ أشار إلى ضرورة مواجهة التهديدات الأمنية الناجمة عن الصعود الصيني، وهذا سيكون الجزء الأهم من تحرك الناتو المستقبلي، وهذا التوجه الجديد للناتو يمثل إعادة تفكير مهمة في أهداف التحالف، والتي تعكس المحور الجيوستراتيجي للولايات المتحدة تجاه آسيا، كما ذكرت الصحيفة نقلا عنه أن “الصين بالفعل لديها تأثير على الأمن الأوروبي من خلال قدراتها السيبرانية، والتقنيات الجديدة والصواريخ بعيدة المدي، وإنه سيتم تناول استراتيجية دفاعية جديدة في العقيدة الجديدة للحلف في قمته المقبلة العام المقبل في أسبانيا”.

وفي هذا الإطار؛ يلقي هذا التحليل الضوء على تصريحات الأمين العام لحلف الناتو، وسبب إطلاقه لهذه التصريحات سابقة الذكر في هذا التوقيت، وأيضا الأدوات التي من الممكن أن يستخدمها الناتو في مواجهته مع الصين وروسيا، وخطط الحلف المستقبلية في هذا الصدد.

خلفية التصريحات:

قال الأمين العام للاتحاد الأوروبي إن الصين ” تقترب أكثر من حدود الدول الغربية، وتنشر صواريخا قادرة على الوصول إلى هذه الدول “، وبالتالي فإن الصين قادرة على التأثير في الأمن الأوروبي من خلال قدراتها السيبرانية، كما توقع أن يطال تأثير ذلك الأمن الجماعي، كما أكد على أن مواجهة الأخطار الأمنية الناتجة عن الصعود الصيني ستكون جزءا من الاستراتيجية المستقبلية للحلف، لأنه سيعتمد خططاً دفاعية في قمته المقبلة في مدريد، كما أشار إلى أن الناتو سيقلل حجم نشاطاته خارج حدوده، وسيركز بشكل أكبر على دفاعاته في الداخل لمواجهة المخاطر الخارجية، وفي مقدمتها الصين.

خطة الناتو الجديدة لعام ٢٠٣٠ الذي قال ستولتنبرغ أنها ستقدم في قمة الناتو القادمة في مدريد، ستركز على مواجهة الصين على وجه الخصوص – بدون إغفال روسيا – رغم أن روسيا هى الخطر الأقرب جغرافيا، خاصة وأن الصين تستثمر في البني التحتية للدول الأعضاء، وتنشر صواريخا قادرة على الوصول إلى هذه الدول، وفي ذات الوقت تقوم بنشر المعلومات المضللة، وكان آخرها ما وجه للصين من اتهامات بنشر معلومات وأخبار مضللة حول منشأ فيروس كورونا، فضلا عن أنها تستخدم الحرب السيبرانية.

التوقيت ودلالاته:

يري محللون أن تلك التصريحات ربما تشكل تغيراً نوعياً في الخطاب الذي كان ينتهجه الحلف تجاه الصين، لكن توقيت تلك التصريحات التي أدلى بها ستولتنبرغ خلال حوار مع صحيفة فاينانشال تايمز، والذي يأتي قبل ثلاثة أيام  من اجتماع لوزراء الدفاع الخميس ٢١ أكتوبر في بروكسل، وربما يشير إلى أن هناك تغيرات تجري على الأرض، فحواها أن تكون الأولوية للخط الدفاعية للحلف هي مواجهة الصين، وهناك تكهنات أن هذه الخطة هي التي تم تكليف الأمين العام بها في قمة الناتو السابقة في يونيو الماضي، فضلا عن أن هناك تغير في السياق الذي كان الحلف قد اتبعه عند الإعلان عن خطته السابقة في ٢٠١٠ فيما يخص الصين، كما أنه يأتي أيضا بالتزامن مع التوترات الحادثة بين الصين والاتحاد الأوروبي الذان تتسم العلاقات بينهما بالفتور منذ فبراير الماضي، على خلفية الانتقادات الأوروبية للصين في ملف حقوق الإنسان، وذلك فيما يتعلق بالانتهاكات التي تتعرض لها أقلية الإيغور المسلمة.

هذا الأمر ربما له دلالات، التي أهمها: أن الحلف ينوي التركيز على هذا الأمر بالتزامن مع السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة فيما يخص جعل مواجهة الصين أولوية لها حاليا.  بالتالي فإن كل هذه النقاط وتوقيت هذه التصريحات بالتزامن مع الاجتماع الذي سيعقد الخميس في بروكسل، إنما يشير إلى وجود تغيرات جذرية في هذا السياق، لجعل الصين هي الأولوية في الوقت الحالي، خاصة مع تزايد انفاقها الدفاعي، كما أن الناتو بالطبع يريد أن يخطو خطوة استباقية فيما يخص الردع والدفاع.

أدوات ممكنة:

من الواضح أن الحلف سيعمل على زيادة قدراته الدفاعية، حتى يتمكن من التركيز أكثر على الصين، كذلك العمل على التنسيق والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، حتى لا تؤدي الممارسات الصينية التجارية والعسكرية إلى إضعاف الأمن الأوروبي والأمريكي ومن ثم العالمي، خاصة في ظل التوترات الجارية بين بيكين وبروكسل والعقوبات التي يفرضها كل طرف على الآخر، كذلك على الأوروبيين التعامل مع التهديد الروسي الصيني في أوروبا، حيث لاتزال روسيا تمثل تهديدا فيه، فضلا عن المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة التي يقوم بها الروس والصينيون.

ورغم ضرورة انفاق أوروبا أكثر على نظامها الدفاعي الخاص، إلا أن ذلك لن يؤدي إلى إغفال أهمية التعاون الاقتصادي، حيث يتوجب على الناتو التعاون مع الاتحاد الأوروبي على الصعيد الاقتصادي أيضا، خاصة مع تزايد التهديدات الصينية في هذا الصدد، خاصة إنه يبدو أن الصين تعمل على فصل العديد من بلدان الناتو. كما من الممكن أن يعمل الاتحاد الأوروبي أيضا على استخدام القوات البحرية التابعة له، وذلك لضمان حرية الملاحة، وان تظل المحيطات والموانئ مفتوحة.

خطط مستقبلية:

من الممكن أن يتجه الحلف إلى مزيد من التواجد في منطقة المحيط الهادي التي تنشط فيها الصين، من خلال التواجد الكبير للولايات المتحدة من خلال البوارج الحربية وناقلات المعدات الحربية التي تتواجد في بحر الصين الجنوبي، وهناك ما يشير أيضا إلى أن مسألة الدفاع السيبراني ستكون لها الأولوية أيضا، وسيكون التركيز أيضا على ما وصفه ستولتنبرج بـ ” حروب غير تقليدية ” لا تجري على الأرض، وإنما في الفضاء ومجال التكنولوجيا، كما أن هناك ما يخص الدفاعات التكنولوجية التي قال إن الصين قطعت شوطا طويلا فيها، وعلى الناتو أن يواكب هذا الأمر، وبالتالي سيكون التوجه نحو مزيد من التركيز على الحرب السيبرانية، والتواجد في الحدود القريبة من الصين فيما بين تايوان والصين، كذلك التواجد القريب من المناطق التي تحاول الصين إيجاد نفوذ أكبر فيها، خاصة الفلبين و الملايا.

كما أنه من المؤكد أن يجري التخطيط لسياسات على الصعيد الاقتصادي في بعض الملفات أو القضايا، خاصة إن حاولت الصين فرض نفوذها على بحر الصين الجنوبي، لأن هذا سيعيق حركة التجارة، وهذا بالطبع سيؤثر على عدد من الدول الأوروبية التي ترتبط بمصالح تجارية ضخمة مع هذا الجزء من العالم، خاصة ألمانيا.

وفي الختام؛ من المتوقع أن يختلف شكل التنسيق بين واشنطن والناتو الخاص بالصين، لأن الصين نفسها لديها استراتيجية جديدة، كما أن الناتو بشكل صريح ذكر الصين كتهديد مباشر، لذا سيتوجب العمل على اتخاذ إجراءات تتوفر لديهم القدرة على التعامل مع الصين، لكن مع هذا لا يعنى إغفال روسيا، وهو ما أكده الأمين العام في تصريحاته، خاصة وأنها تشترك مع الصين في تدريبات عسكرية مشتركة، كما أنه من المتوقع  إذا حدث صدام مع روسيا، فالصين سوف تتدخل استنادا للوضع الحالي، خاصة إذا حدث صدام في مناطق البلطيق على سبيل المثال.

 

 

 

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى