مشهد متكرر: متى تنقلب جماعة الإخوان على نفسها؟
وانت تتابع حال جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن تجدها تشهد انقلاباً داخلياً صلباً- أي أن نهايته قد تكون مميته لثوابت الجماعة لمدة قد تزيد عن عشرة سنوات مقبلة. وإذا كانت جماعة الإخوان انقلبت على الدولة المصرية لعدد 4 مرات تقريباً خلال تاريخها، فإنها أيضاً شهدت انقلابات داخلية أقل عدداً، فاليوم تعيش جماعة الإخوان الإرهابية أصعب أيامها من ناحية الاستقرار التنظيمي، حيث يتعرض التنظيم لمجموعة من الصراعات والتحديات الهيكلية، وذلك نتيجة عدة عوامل، أهمها: تبادل اتهامات الفساد المالي والإداري بين جبهة إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بأعماله والمسئول عن التنظيم الدولي في لندن وجبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، حيث أعلن محمود حسين الاستقلال بأصول الجماعة وأموالها وأنشطتها الاستثمارية في تركيا وعدد من الدول، خاصة وأن تلك الأصول باسم القيادات وليس باسم الجماعة، مما دفع إلى تبادل اتهامات الفساد المالي، كما هدد بإزاحة إبراهيم منير وقيادات التنظيم الدولى في لندن وفصلهم نهائيا، في المقابل رفض إبراهيم منير الصلح مع محمود حسين وجبهته، وقرر وقف ستة من قيادات الجماعة وإحالتهم إلى التحقيق وتجميد صلاحيتهم، وذلك لما وصفه بمخالفتهم للائحة الداخلية للجماعة.
تأسيسا على سبق، وفي ظل صراع الوضع الراهن بين أطراف الجماعة، الذي يؤكد على أن كل جبهة منها تدعى محافظتها على تماسك واستمرار الجماعة وتجسد فكرها الحقيقي، فالصراع حول الزعامة في الجماعة أصبح على أشده، مما أدى إلى انشقاق الكثير من القيادات الوسطى والشباب، على أثر فقدان الثقة في القيادات والسخط على السياسات الفاشلة، والدفع بالشباب إلى مواجهة صفرية مع الدولة المصرية- يمكن عدة تساؤلات، هي: ما هي العوامل التي دفعت انشقاق الكثير من عناصرها خلال الثماني سنوات الأخيرة؟، وما مستقبل الجماعة ومدى قدراتها على الصمود، في ظل هذه الصراعات والانشقاقات؟.
أسباب متباينة للانشقاق:
تعرضت جماعة الإخوان الإرهابية بمراحل مختلفة من انشقاق بعض أعضائها، إلا أنه يمكن اعتبار أن موجة الانشقاقات الحالية داخل الجماعة، هي الأعنف في تاريخها، من حيث عدد المنشقين وعمق الخلافات، حيث بدأت هجمة الانشقاقات الحالية، من تاريخ الإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية عام 2013، واستطاعت الجماعة إخفاء خلافاتها حتى عام 2015، في ظل حالة تأجج مشاعر الغل تجاه الدولة المصرية، مما أدى إلى تأجيل ظهور حالة الغليان داخل التنظيم، إلى الثأر من الدولة المصرية بعد سقوطهم.
بناء على ما سبق؛ وبعد أن تأكد لبعض أعضاء الجماعة الإرهابية، أنه لا أمل من استمرار أعمال العنف تجاه الدولة المصرية، وأن الجماعة لن تعود إلى السلطة مرة أخرى، ظهرت حالة الغضب ضد القيادات، فانقسمت عوامل انشقاق بعض العناصر إلى ما يلي:
(*) فقدان الثقة في القيادات: شكل التخبط والفشل الذي عاشته الجماعة منذ سقوطها، السبب الرئيسي في انشقاق ما يقرب من 60% من عناصرها، بين من جمد عضويته من جانبه، وأحجم عن المشاركة في اجتماعات وفعاليات الجماعة، وبين من أعلن عن انشقاقه عن الجماعة وأعلن وروج لذلك عن طريق الإعلام ووسائل التواصل، وهاجم الفساد المالي والإداري للقيادات، ومن أعلن الاستعداد لعمل مراجعات فكرية من داخل السجون، والتصالح مع الدولة المصرية، دون أن يجد هؤلاء استجابة من جانب الدولة، فضلا عن الغليان الذى يعيشه عناصر الجماعة في تركيا، بسبب وقائع الفساد المالي المتهمة به القيادات، في ظل تعرض الشباب لحالة من الضياع والتخبط والتشرد والجوع، التي قادت البعض إلى الانتحار من اليأس.
(*) فشل الجماعة في التعاطي مع أزمتها الأخيرة مع الدولة المصرية: مرت الجماعة بفترات أزمات مع الدولة المصرية، أطلقت عليها محن الجماعة أبرزها عام 48 و54 و65، إلى أن وصلت إلى أزمتها الأعنف الحالية بعد عام 2013، فوصول الجماعة إلى حكم مصر وضياع هذه الحلم بعد عام واحد فقط، بعد أن سعت الجماعة لهذا الحلم لمدة 80 عاماً، أصاب المسئولين عن الجماعة بهلوسة عقلية، دفعتهم إلى الدفع بالشباب إلى القيام بأعمال عنف، تخطت كل معدلته التي قامت بها الجماعة، من نشأتها إلى تاريخ الإطاحة بها، من حيث مستوى العمليات وعددها، وتركت الشباب في مواجهة مع الأمن، دون البحث عن طوق نجاه لهم، حتى أن بعض الشباب بعثوا برسالة إلى القيادات من داخل السجون، يطلبون منهم التراجع عن انتهاج سياسة العنف، لتقليل الضغط عليهم وعلى غيرهم، فجاء الرد من القيادات بأن الجماعة لا تجبر أحداً، على الاستمرار في عضويتها، بهذا رفعت الجماعة أيديها، عن تقديم العون المادى والنفسي لشبابها، بعد ما ألقوا بهم إلى أتون المواجهة الأمنية مع السلطة.
(*) منع الدعم المادي عن بعض الأسر الإخوانية: دفع منع الدعم عن بعض الأسر الإخوانية، خاصة الأسر التي تتكون كل أعضائها من الإخوان، ويعتمد جزء كبير من دخلهم على مساعدات الجماعة، وهذه الأسر تتمركز بشكل كبير، في ضواحي الجيزة والفيوم وبنى سويف ومناطق ريفية أخري، حيث اشتهرت هذه المناطق بتواجد أسر إخوانية بالكامل فيها، كانت تعيش تحت رعاية الجماعة ماديا واجتماعيا، وبعد التضييق الأمني على مصادر تمويل الجماعة، اضطرت الجماعة إلى رفع بعض المساعدات، عن بعض الأسر الإخوانية، مما أدى إلى فقد الحماسة لدى هذه الأسر، تجاه العمل التنظيمي في صفوفها، خاصة مع شعورهم بعدم تحقق أي نجاح، أو انجاز يحسب للجماعة منذ 2013.
(*) غياب الدور الفعال للقيادات في تسير العمل التنظيمي للجماعة: أدى وجود أغلب القيادات المؤثرة للجماعة الإرهابية في السجون، أو الهاربين خارج البلاد إلى إحداث خلل جوهري وعميق في قدرة الجماعة على القيام بدورها التقليدي، فيما يخص الأنشطة الإخوانية، وهو ما أدى إلى تراجع دور هذه الأنشطة في شحن الطاقة، لدى المنتمين إلى الجماعة للاستمرار في العمل التنظيمي، مما أدى ببعض عناصر الجماعة إلى الإطلاع والتعرض لمفاهيم ومدخلات آخري، بمعزل عن المنهج التربوي الحركي، الذي اعتمدته الجماعة للسيطرة الفكرية والوجدانية على عناصرها.
(*) تسلل بعض أعضاء الجماعة إلى جماعات أخرى: انتقال بعض عناصر الجماعة من الذين شاركوا في اعتصام رابعة وأحداث العنف التي أعقبتها، إلى جماعات أكثر وضوحا في ممارسة العنف الدموي والإعلان عن ذلك مثل داعش والقاعدة، وذلك تزايد بعد التضييق الأمني عليهم في مصر، ونجاح قوات الأمن المصرية في محاصرة العنف والإرهاب حتى سجل المؤشر العالمي للإرهاب الأخير، معدل صفر للعمليات الإرهابية داخل مصر، مما أدى ببعض العناصر التي أصرت على العنف، إلى العمل بمعزل عن التعليمات التنظيمية أو ما يطلق عليهم الذئاب المنفردة، ومن أشهر هذه العناصر عمر الديب وعلى سعد وآخرون، حيث استغلت الجماعة انضمامهم وغيرهم إلى داعش، للترويج لأكذوبة الاختفاء القصرى، التي مازالت الجماعة تروج لها حتى تاريخه عبر أبواقها الإعلامية.
تهديد المنشقون لبقاء الجماعة:
تأسيسا على ما تقدم؛ ستواصل ظاهرة الانشقاق عن الجماعة، تأثيرها على وجود الجماعة وقدرتها على استئناف العمل التنظيمي، من حيث القدرة على القيام بأعمال عنف داخل مصر، أو محاصرة عناصرها تربويا ووجدانيا، خاصة مع عدم تمكن الجماعة من استمرار فاعليتها، من اجتماعات أسر أو معسكرات أو رعاية أسر المحبوسين، بسبب تتبع ورصد الأمن لكل تحركاتهم، فضلا عن عدم السماح لهم ببث سموم أفكارهم داخل مؤسسات الدولة، من وزارات ومديريات ومدارس ونقابات وغيرهم، أسهم في ذلك قانون فصل الإخوان من مؤسسات الدولة، الذي أقره مؤخرا مجلس النواب، مما انعكس على سلوك بعض الموظفين المنتمين للجماعة أو المؤيدين أو المتعاطفين، حتى لا يفقدوا مصدر دخلهم، خاصة بعد فقد الأمل من الحصول على أي مكاسب مادية مجدية من الجماعة.
عليه، فقد انقسم المنشقون إلى منشقون تنظيميا مع التمسك بأفكار الجماعة، وهؤلاء سيعودون للعمل التنظيمي بمجرد أن تهيئ لهم الفرصة، ومنشقون بسبب عدم التمكن من الحصول على مكاسب مادية من الجماعة، وهؤلاء غير منتمين عقائديا للجماعة، بالتالى سيبحثون عن مصالحهم المادية في طريق أخر، وربما لا يعودون إلى صفوف الجماعة مرة أخرى، خاصة بعض ما عانوه من ملاحقات أمنية، ووصمة وعزلة اجتماعية بسبب انتمائهم للجماعة. وعليه أيضاً فالمعطيات السابقة من شأنها أحداث شلل بشكل شبه كامل في العمل التنظيمي للجماعة إلى وقت غير قريب، خاصة مع تسارع الأحداث ضد جماعة الإخوان، في كل الدول العربية في المنطقة تونس والمغرب والسودان وليبيا وغيرها، وهو ما انعكس على الروح المعنوية لبعض عناصرها، وإيمانهم بقدرة الجماعة على تحقيق أهدافها التي تربوا عليها، فضلا عن تهديد بعض عناصر الجماعة المنشقين لوجودها، عن طريق تعرية أفكار الجماعة في اللقاءات الإعلامية وعبر الإنترنت، مما أسهم في فقد المزيد من أعضائها للتأثير العقائدى والوجدانى للتنظيم، وعدم القدرة على استقطاب عناصر جديدة.
أخيرا؛ رغم أن البعض من عناصر الجماعة الذين انشقوا عليها تنظيميا، وظلوا منتمين لها فكريا مثل محمد حبيب وكمال الهلباوى وغيرهم، يحاولون ويحلمون أخذ خطوة في اتجاه إحداث تصالح مع الدولة، من أجل أعطاء قبلة الحياة من جديد للجماعة التي لا يزالون منتمين لها عقائديا- إلا أن الواقع يؤكد بعدم وجود أي أشارات إلى إمكانية إحداث ذلك، حتى أن الأذرع الإعلامية للجماعة تحاول الترويج كذبا، أن النظام داخل مصر يمهد للتصالح مع الجماعة، ربما لبعث رسائل طمأنة لمن تبقى من أعضائها، بأن الجماعة مازالت قادرة على إحداث أي تطور في الأحداث أو بعث رسائل لطمأنة المحبوسين من الجماعة كمحاولة لاحتواء بعض أزمات الجماعة. لذلك فإن الجماعة في حالة انكماش حتى إشعار آخر، أما من جانب من ستكون له الغلبة مجموعة إبراهيم منير أم مجموعة الستة محمود حسين ورفاقه؟، فالسوابق تؤكد أن من يملك التمويل يملك الغلبة، إذن الغلبة ستكون لإبراهيم منير، فهو من يملك مصادر التمويل، فالتمويل هو العمود الفقري لأي تنظيم إرهابي، فكثير من الجماعات عبر التاريخ ظهرت واختفت في غضون سنة أو أقل، بسبب عدم تمكنها من توفير مصادر التمويل.